الصفحة الرئيسة @ المقالات التربوية @ التربية العقلية للفتاة @ 71- شمول الجميع بالمعرفة العلمية من خلال الوسائل التعليمية


معلومات
تاريخ الإضافة: 23/12/1438
عدد القراء: 482
خدمات
نسخة للطباعة     إرسال لصديق

71- شمول الجميع بالمعرفة العلمية من خلال الوسائل التعليمية

الحمد لله الذي فضَّل العلم والعلماء، وضاعف الثواب للفقهاء، نحمده ونستعينه ونستغفره، وأعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، خير مربٍّ ومعلم، وأفضل أستاذ ومهذب، بلَّغ الرسالة، وأدَّى الأمانة، وبصَّر الأمة بما ينفعها في دينها ودنياها، فصلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين .

أما بعد...فإن المتأمل في القرآن الكريم، وفي السنة النبوية المطهرة،
وفي آثار السلف يجد – بوضوح – فضل العلم ومكانته العالية، وعلو شأن العلمـاء
ومنزلتهم المرموقة، يقول الله تعـالى(...قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الأَلْبَابِ )، ويقول أيضـاً: (... يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ... ) , ويقول – سبحانه وتعالى– عن تأثرهم بالعلم: (...إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ ) ، ويقــول– عز وجل– في توجيه الناس للأخذ عنهم، والصدور عن أقوالهم وأفهامهـــم: ) وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ... )، ويقول في ذلك أيضـاً :  (...فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ )، وما أمر الله نبيه r أن يستزيد من شيء إلا من العلم فقال : (...وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا).   

ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم في فضل العلم : " من يرد الله به خــيراً يفقِّهه في الدين . . . " , ويقول : " . . . من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً، سهَّل الله له به طريقاً إلى الجنة . . . ", ويقول – عليه الصلاة والسلام – عن المفاضلة بين العلم والعبادة : " فضل العلم أحب إليَّ من فضل العبادة . . . "

ويقول أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه: " تعلَّموا العلم، وعلِّموه الناس، وتعلَّموا له الوقار والسكينة، وتواضعوا لمن تعلَّمتم منه، ولمن
علَّمتُمُوه . . .
" , ويقول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه : " اغدُ عالماً أو متعلماً، ولا تغدُ فيـما بين ذلك. . . ", ويقول وهب بن منبِّه – رحمه الله- :
"
مجلس يُتنازع فيه العلم أحب إلي من قدره صلاة . . . ", ويقول الإمام الشافعي – رحمه الله– : " طلب العلم أفضل من صلاة النافلة "

وقد أحسن الإمام ابن عبد البر القرطبي المالكي – رحمه الله – حين وضع كتاباً كاملاً في فضل العلم ومكانته في الإسلام بعنوان : "جامع بيان العلم وفضله "، جمع فيه كثيراً من الآيات والأحاديث والآثار الواردة في هذا الباب، مما يشير بوضوح إلى اهتمام دين الإسلام بالعلم والعلماء .

وهذه المكانة للعلم والتعلم في المفهوم الإسلامي شاملة للجنسين من الذكور والإناث، لا علاقة لها بجنس المتعلم، فحق المرأة في التعلم ثابت بالشرع, إضافة إلى ما تضمنه الإعلان العالمي لحقوق الإنسان عام 1948 من حقها في ذلك.

والعلم نعمة ربانية تشمل نوعي الإنسان، والخطابان القرآني والنبوي يشملان في توجيهاتهما جميع المكلفين في المجتمع الإسلامي، إلا ما دلَّ الدليل باختصاصه بأحد الجنسين دون الآخر، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول : "طلب العلم فريضة على كل مسلم", وهذا يشمل الجنسين.

وهذا عين ما فهمه نساء السلف من الصحابيات الفضليات، حين استأثر الرجال من الصحابة بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فطالبن بيوم يخصص لهن، فأجابهن الرسول المعلم صلى الله عليه وسلم لذلك . 

ولم تكن النساء- في الغالب- في ذلك العهد يمتنعن عن شيء من العلم، مما يحتجن إليه من المعرفة، مهما كان في ذلك من حرج اجتماعي قد يلحق بهن ؛ ولهذا لما عاتب بعض النساء أمَّ سليم – رضي الله عنها – في أسئلتها الخاصة والمحرجة لرسول الله صلى الله عليه وسلم قالت لهن : "والله ما كنت لأنتهي حتى أعلم في حلٍّ أنا أو في حرام", وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم الحث على تعليم الإماء من الإناث، ولا شك أن تعليم الحرة منهن أولى وأحرى, يقول – عليه الصلاة والسلام– : " ثلاثة يُؤتون أجرهم مرتين: الرجل تكون له الأمة، فيعلِّمها فيحسن تعليمها، ويؤدِّبها فيحسن أدبها، ثم يعتقها فيتزوجها فله أجران . . . " .  

ولعل في خبر السيدة عائشة – رضي الله عنها – ما يجلِّي بوضوح حق المرأة في التعلم، وأن المعرفة لا علاقة لها بنـوع الجنس، فقد كانت – رضي الله عنها – لا تترك شيئاً لا تعرفه إلا سألت عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حتى قال عنها التابعي ابن أبي مليكة – رحمه الله – : "إن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم كانت لا تسمع شيئاً لا تعرفه إلا راجعت فيه حتى تعرفه "؛ ولهذا ما لبثت طويلاً بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى استقلت بالفتوى، وتفرَّدت عن سائر نساء العالمين, وكانت – رضي الله عنها – مقدَّمة على غيرها من النساء، بل ومقدمة على كثير من أقرانها من الرجال، وهذا – لا شك – يدل على عدم اختصاص العلم بجنس الذكور دون الإناث .

يقول الإمام البغوي – رحمه الله – عن وجوب تعلُّم المكلفين الأحكام الشرعية التي أوجبها الله عليهم : " وأما علم الفروع، فهو علم الفقه، ومعرفة أحكام الدِّين، فينقسم إلى فرض عين، وفرض كفاية، أما فرض العين، فمثل علم الطهارة والصلاة والصوم، فعلى كل مكلَّف معرفته ", وهذا – كما يظهر – لا علاقة له بالجنس، وإنما هو تكليف عام للجميع، إلى أن قال – رحمه الله - : "  وكذلك كل عبادة أوجبها الشرع على كل واحد، فعليه معرفة علمها، مثل علم الزكاة إن كان له مال، وعلم الحج إن وجب عليه ", وهذا أيضاً – من كلامه - لا علاقة له بجنس المكلَّف .

إذا استقر هذا الفهم في حقِّ النسـاء في التعلُّم ؛ فإن المشكلة لا تكمن فيه، لاسيما في هذا العصر الذي أطبق فيه الناس على حقهنَّ في التعلم، وإنما تكمن المشكلة في أمرين اثنين:

الأول : في نوع المعرفة التي تُقدَّم للنساء، مما يصلح لهن أن يتعلَّمنه، ويحقق لهن وللمجتمع – في الوقت نفسه – مصلحة مزدوجة .

الثاني : في نوع الصيغ المناسبة، التي يتم من خلالها إيصال المعرفة العلمية إليهن.

وهذا الأخير هو موضوع اهتمام هذه الدراسة ومحورها، وقد عبَّر الشيخ محمد الأمين الشنقيطي – رحمه الله – عن هذين الأمرين باعتبارهما مشكلتين تحتاج كل منهما إلى دراسة وبحث، فقال : " وقد أصبح تعليم المرأة من متطلبات الحياة، ولكن المشكلة تكمن في منهج تعليمها، وكيفية تلقيها العلم ".  

ولئن كانت قضية محتوى المنهج التعليمي للفتاة المسلمة قد حظي بالاهتمام؛ فإن صيغ وأساليب إيصال المعرفة للفتيات والنساء عموماً لم تنل ما كانت تستحقه من البحث والدراسة ؛ فإن حاجة الإناث إلى وسائل جديدة لتلقي العلم أبلغ من حاجات الذكور ؛ لأن طبيعة الأنثى الفطرية، وما يتعلق بها من أحكام شرعية، ومتطلبات دورها الاجتماعي، وما يتعلق به من شؤون الرعاية الأسرية وحقوق الزوج والأولاد : يفرض عليها مزيداً من القيود التي تعُوق انطلاقها الاجتماعي الحر، وهذا من شأنه أن يفوِّت عليها فرصاً للمعرفة الصالحة، فإن هي قدَّمت حقها في التعليم على القيام بالدور الاجتماعي والأسري: فاتها بذلك مصالح مهمة، تتضرر بتعطيلها أو تأخيرها: كالزواج، والإنجاب، ورعاية الأطفال .

ومن هنا كانت الحاجة ملحة إلى أساليب علمية مبتكرة، تجمع للمرأة في وقت واحد المصلحتين الاجتماعية والتعليمية بصورة متفوقة ، فلا تعيش حالة الصراع بين تقديم إحــدى المصلحتين على الأخرى، إضافة إلى إعطــاء الفرصة التعليميـة للنساء الكبيرات، اللاتي لا تناسبهن أساليب التعليم التقليدية داخل مباني المدارس، ممن يحتجن إلى صيغ تعليمية جديدة، تراعي حاجاتهن الاجتماعية، ووضعهن الأسري، وقد جاءت التوصيات الكثيرة عبر المؤتمرات والندوات تؤكِّد حق النساء في التعليم، ولاسيما الكبيرات منهن، مع اتخاذ التدابير العلمية والفنية والاقتصادية اللازمة لتحقيق ذلك.  

وتكاد تطبق الدراسات النظرية والميدانية على أن الوسيلة الفضلى لتحقيق مقصد التوسع في التعليم، والوصول به إلى الجميع، ولاسيما النساء، مع استيعاب الأعداد المتزايدة من الطلاب والطالبات هو نظام التعليم عن بعد، بصيغه المبتكرة والمتنوعة, فقد أثبت الواقع أن الدولة الحديثة لم تعد قادرة على مواجهة الزيادة الكبيرة، والطلبات المتنامية على التعليم، وما يتعلق به من إعداد المعلم، والمباني، والمصروفات الكثيرة والمستمرة, وما لم تأخذ وزارات التربية والتعليم في بلاد المسلمين القرار المناسب للتعليم عن بعد، بشروطه العلمية المعتبرة، فإن شركات ومؤسسات علمية، تهدف إلى الربح المادي، سوف تتاجر بهذه الوسائل، مستغلَّة هذا الفراغ في تكوين ثروات مالية كبيرة، مقابل شهادات علمية مزيفة أو قاصرة ؛ فإن من أهداف النظام العالمي الجديد عولمة التعليم، بعد أن تمت عولمة التجارة والصناعة، فإن المصطلحات مثل : " الجامعة على الخط "، و" التليتعليم "، أخذت مكانها في الحياة العلمية المعاصرة , والدراسات والبحوث العلمية تؤكد بوضوح الدور الفعَّال لوسائل الإعلام في العملية التعليمية ونشر الثقافة، إضافة إلى انخفاض تكاليفه المالية مقابلة بأساليب التعليم التقليدية , وما تم إنجازه في بعض دول الخليج، مثل المملكة العربية السعودية التي تتبنى تعليماً مميزاً للمرأة، لا يزال حتى الآن مجرد مشاريع بدائية لا ترقى لمستوى تعليم متكامل عن بعد . 

وتشير بعض الدراسات الاستشرافية إلى أن التعليم عن بعد سوف يتبوأ مكانة مرموقة ومهمة في القرن الحادي والعشرين الميلادي، بعد أن ترسَّخت وتجذَّرت أصوله في كثير من أنظمة التعليم في التسعينيات من القرن العشرين ، فلا يُتصور الاستغناء عنه مستقبلاً؛ بل سوف يكون متاحاً " أمام الطلاب غير المنتظمين في مختلف أنحاء العالم، كما سيكون بإمكان الناس – في أي مكان – الحصول على أفضل الدورات الدراسية التي يدرسها مدرسون عظام، وسيجعل نظام التعليم عن بعد تعليم الكبار، بما في ذلك التدريب المهني، ودورات التطوير المهني متاحاً بصورة أكثر فعالية
وسهولة
", والمُراجع لشبكة الإنترنت العالمية يجد حشداً هائلاً من الجهات التي تقدم خدمة التعليم عن بعد .

        ويأتي التليفزيون التعليمي، بشاشته الصغيرة ليتربع على جميع الوسائل التعليمية الأخرى، فقد أصبح الأداة الأولى للتعليم عن بعد ؛ لجمعه بكفاءة بين الصورة والصوت، وارتباطه الوثيق بأنشطة الحاسب الآلي، فيحقق بذلك أعلى وأفضل درجات التعلم عند الإنسان، لاسيما وأن وجهة التربويين في القرن الحادي والعشرين الميلادي تتجه نحو الكيفية التي تحقق للطلاب تعليماً أفضل، أكثر من عنايتهم بالكيفية التي تعين المعلم على تقديم درس تعليمي أحسن .