الصفحة الرئيسة @ المقالات التربوية @ التربية العقلية للفتاة @ 60- إعداد الفتاة للعمل الطبي
انطلاقاً من توصية المجمع الفقهي الإسلامي في دورته الرابعة عشرة لعام 1416هـ، التي نصَّت على: "أن يقوم المسؤلون عن الصحة بتعديل السياسة الصحية : فكراً ومنهجاً وتطبيقاً، بما يتفق مع ديننا الإسلامي الحنيف، وقواعده الأخلاقية السامية، وأن يولوا عنايتهم الكاملة لدفع الحرج عن المسلمين، وحفظ كرامتهم، وصيانة أعراضهم"، ومن هذا المنطلق فإن ضابط هذا الميدان أن يستقل تعليم الطب وميادين ممارسته استقلالاً تاماً على حسب الجنس، كما كان معروفاً في السابق من تاريخ المسلمين ؛ بحيث يتولى النساء إعداد بعضهن بعضاً في هذا الفن، فإذا قامت الحاجة إلى عنصر الذكور للتعليم أو التدريب فيكون ذلك عن طريق الشبكات التليفزيونية، أو المباشرة المحدودة ضمن الحجاب الشرعي عند الضرورة، كما كان يفعل بعض الأطباء المسلمين في السابق، بحيث تقتصر ميادين الطب العلمية بالنسبة للفتيات على فن القبالة، وصحة النساء التناسلية، وشيء من شؤون الأطفال الصحية، ويُختصر فيه الزمن ما بين سنتين أو ثلاثة – كأقصى تقدير – للممرضات ، وما بين (11-18) شهراً لمساعدات الممرضات، وأربع سنوات للمتخصِّصات، فيدخلن من أول الأمر على التخصص مباشرة، ويتخرَّجن ممرضات أو قابلات أو متخصِّصات في شؤون النساء أو الأطفال، فيمارسن مهنهن في المجتمع بصورة مباشرة عن طريق تراخيص رسمية – كما هو الحال في بعض الدول الأجنبية – دون حاجة إلى المستشفيات إلا في الحالات الخاصة المستعصية، التي قد لا تتجاوز (5%)، ثم يتركن باقي التخصُّصات الطبية للرجال، على الأقل في هذه المرحلة، ريثما يكتمل ويستقل نظام إعداد الطبيبة في التخصصات الأخرى عن الرجال، وأما أعمال التمريض العامة التي تحتاج إليها النساء في الأقسام الطبية الأخرى؛ فإن الفتاة التي أعدت إعداداً جيداً في أربع سنوات, وحصلت على قدر من أشهر التدريب: يمكنها مساعدة الطبيب في أي تخصص طبي يمارسه في أقسام النساء الخاصة، مع قدرتها – في الوقت نفسه – على ممارسة أعمال القبالة والتوليد، والرعاية الأولية للأطفال، إلى جانب قدرتها على القيام بكثير من مهام الطبيب الأولية في القرى والأرياف، التي لايتوافر فيها الطبيب المؤهل، فهذا المقترح المبدئي يراعي حاجات النساء الطبية في المجتمع، إلى جانب مراعاته لمتطلبات الفتاة ومهامها الاجتماعية والأسرية، ووظيفتها الأنثوية التي لا تسمح لها بخوض كل ميدان علمي، ولا تعطيها الزمن الكافي للتعلم والممارسة، كما أن التقنيات الطبية المتفوقة والمعقَّدة، التي تتطلب المعرفة الواسعة لا تحتاج إليها الفتاة في غالب المجتمعات الإسلامية المعاصرة؛ لكونها إنما صُمِّمت لتواجه المشكلات الناجمة عن التحديث الصناعي الخاص بالمجتمعات المتقدمة، فلا يبقى بعد هذا - أمام المجتمعات الإسلامية - سوى التطبيق والعمل، ضمن حدود إمكاناتها، وضوابط شريعتها وأخلاقها.
ولعل في التجربة الهندية المعاصرة المسماة : "الأطباء الصغار", ما يدعم هذا الاقتراح؛ حيث يدخل ضمن برامج التدريب الطبي أو التمريضي مجموعة من فتيات منذ سن العاشرة تقريباً تحت إشراف ومتابعة الجهات الصحية المختصة المعترف بها, ويقمن بعد تخرجهن بالتطبيب والتمريض في البيوت, ومثل هؤلاء الفتيات يمكنهن – يغد التخرج والحصول على شيء من التدريب - إعانة الطبيب في مهنته في علاج المرأة.
ولا ينبغي استهجان مثل هذا المقترح فإن فكرة المستشفى النسائي واقع عالمي قائم في بعض البلاد، وإمكانية الإعداد والتطبيق ليست مستحيلة، ولن تعجز الأمة الإسلامية المهتدية بشريعتها من أن تنطلق في الميدان الطبي على ضوء تاريخها السابق، ونظامها الإداري الأخلاقي، فتبني تعليمها الطبي وممارستها العلاجية على مبادئ وقيم الإسلام، ولئن كان مثل هذا الأمر عسيراً في ظل سيطرة النموذج الطبي الغربي، إلا أنه ممكن إذا توافرت العزيمة الصادقة، والقناعة الكافية، والإمكانات العلمية، والدعم المادي.
كما أن فكرة الاشتراك في الطبيب بين قسمي الرجال والنساء، هي الأخرى فكرة غير مستهجنة، حيث يتولى الطبيب – حال الضرورة – تطْبيب المريضة ضمن فريق طبي نسائي، من الطبيبات والممرضات والمساعدات، يتولَّين إعداد المريضة، وتهيئتها فنياً لكشف الطبيب المختص، أو للعملية الجراحية، بحيث يدخل الطبيب إلى الموقع المحدد لَهُ في القسم النسائي عبر بوابة خاصة، تسمح له بالتنقُّل عبر القسْمين دون حرج الاختلاط، فلا يشاركه في موضع الكشف أو العلاج أو العملية الخاصة بالمرأة المريضة سوى طاقم نسائي مختص، تنتفي بوجوده الخلوة الممنوعة، وأزمة انكشاف عورة المريضة لغير ضرورة؛ فإن ما يتناقله المختصُّون عن التهاون في انكشاف العـــورات – ولاسيما المتعلقة بالنساء – أمر مشين، وقد نصَّ العلماء على تحريم مثل هذا.
وأما ما يُلحُّ عليه بعضهم من ضرورة أن يكون الفريق المساعد للطبيب – بصورة دائمة - من الإناث، بحيث يتعذر – في تصورهم – أن تُسند مهمات التمريض للرجل في الأقسام الخاصة بالرجال؛ إذ يرون أن الممرضة كائن مشترك، يقوم بأغلب المهمات الطبية المساعدة للمرضى من الجنسين، وعلى الرغم من خطأ هذه الوجهة من الناحية الشرعيـة – كما تقدم – إذ لا يُلجأ إلى مثلها إلا حال الضرورة: فإن بَعْضَ الدول الأجنبية عَلَى العكس مِنْ ذلك؛ إذ تستخدم الممرض الرجل لرعاية المرضى من الجنسين، أكثر من استخدامها للممرضات من الإناث، فلا يمنع - بناء على هذا الواقع - أن يوجَّه الممرضون والممرضات في أعمالهم حسب الجنس.
ومع كلِّ ما تقدم يبقى للضرورة الشرعية ظروفها وطبيعتها، التي تقدر بقدرها، وتزول بزوالها.
وهنا يمكن التوجيه في تخصص الفتيات الطبي لملاحظة النقاط الآتية :
1 – ضبط المجال الطبي – تعلُّماً وتطبيقاً – بالضوابط الشرعية والآداب المرعية، ليستقطب أكبر عدد ممكن من الفتيات، لا سيما المتحجِّبات منهن، اللاتي يعانين صراعاً بين الحرج الشرعي في خوض الميدان الطبي المختلط ، وبين حرج التقصير في القيام بفرض الكفاية.
2 – إعادة النظر في برامج إعداد الهيئة الطبية النسوية، من الطبيبات والممرضات والمساعدات ، من جهة التخصُّص، ومن جهة المدة الزمنية لإعدادهن، ومن جهة بداية تلقيهن التعليم الطبي؛ ليتوافق ذلك مع مجالات حاجات النساء الطبية المُلِحَّة، لا سيما فيما يتعلق بالصحة التناسلية، ويتناسب أيضاً من جهة الزمن مع مستقبل الفتاة الزواجي، وأدوارها الأسرية والتربوية الخاصة بها.
3 – دعم المشروعــات الطبيــة – مادياً ومعنوياً - التي تتبنى نظام الفصل بين الجنسين ، بما يضمن نجاحها واستمرارها، باعتبارها نموذجاً حضارياً، يعبِّر عن ثقافة الأمة الإسلامية، وطبيعة نظامها الأخلاقي والاجتماعي عبر تاريخها الطبي الطويل.
4 – السعي في توجيه الوقف الإسلامي لدعم الخدمات الصحية، بما يحقق تحريرها من الاستثمار الجشع، الذي لا يراعي – في سبيل الكسب المادي – الضوابط الشرعية، والآداب الاجتماعية، بحيث يشمل هذا الدعم مجالات إعداد الهيئة الطبية من الجنسين، ومجالات العمل الميداني في المستشفيات، والمراكز الصحية.
5 – التنبيه على الجهات الصحية المختصة بضرورة الحذر من التوسع الفقهي في مجال مداواة الجنسين بعضهما لبعض، وضبط ذلك ضمن حدِّ الضرورة الشرعية، التي تباح معها المحظورات.
6 – تعديل المفهوم الخاطئ، المتضمن اعتبار الممرضة عنصراً مشتركاً في رعاية المرضى من الجنسين، في مقابل من لا يرى غضاضة في قيام الممرضين من الرجال على رعاية المرضى من النساء.
7- تقديم الحوافز المادية والمعنوية للفتيات لدخول الميدان الطبي النسوي، مع مراعاة تخفيض ساعات الدوام الرسمي، ليتناسب مع قدرات الفتيات وطبيعتهن، لاسيما المتزوجات منهن.
8- توجيه جهات التدريب في الكليات الطبية إلى استخدام الدمى البشرية المتقنة التصنيع بديلاً عن الإنسان، لاسيما فيما يتعلق بالكشف على العورات، والتدريب العلمية على الصحة النسائية التناسلية.