الصفحة الرئيسة @ المقالات التربوية @ التربية الاقتصادية للفتاة @ 48- التأكيد على حاجة النساء الاقتصادية للعمل
رغم أن الشارع الحكيم أباح للمرأة مبدأ العمل ، فقد قيَّده بضوابط وشروط تحكم ممارسته من جهة : مشروعية العمل في ذاته ، وطبيعته ، والحاجة إليه ، وإذن الولي ، ومصلحة الأسرة ، وسلامة المرأة الصحية ، وأمن الفتنة ، إلى جانب حاجة العمل إلى الخدمات النسائية ، فإذا تحققت هذه الضوابط والشروط كان العمل بالنسبة للمرأة مباحاً ، إلا أن طبيعة الواقع المهني المعاصر – في غالب أحواله – يعجز عن تحقيق أكثر هذه الضوابط في تشغيل النساء ، مما قد ينقل حكم عمل المرأة المعاصرة من درجة الإباحة إلى درجة الكراهية أو التحريم ، بحسب حدَّة المخالفة لهذه الشروط والضوابط ؛ فتنحصر بالتالي – في مثل هذه الظروف – حدود عملها بين حدَّي الحاجة والضرورة، ومن هنا يدخل ضابط الحاجة ليحكم مدى حاجة المرأة للعمل.
ومن خلال الاستقراء تبين : أن عدداً كبيراً من النساء والفتيات يعملن تحت ضغط الضرورة الملحة والحاجة الماسَّة إلى المال ، حين تخلَّى الأولياء والمجتمع عن واجب النفقة عليهن ، وفئات أخرى منهن إنما يعملن لمعونة الزوج المُنهك الذي عجز بمفرده عن القيام بنفقات الأسرة ، وبعضهن يعملن لتحسين أوضاعهن الاقتصادية ، رغبة في رفع مستواهن المعيشي إلى الأفضل، وإلى هذا الحد يبقى ضابط الحاجة قائماً بين الحاجة والضرورة ، ضمن ثوابت الشريعة وأحكامها العامة، التي تقضي بإباحة المحظور عند الضرورة بقدر الحاجة ، وتأمر بدفع أعظم المفسدتين بأهونهما ، وتُنزل الحاجة- بالنسبة لعامة الناس- منزلة الضرورة ؛ فلا تأمرهم بأن يصلوا بحاجاتهم إلى حدِّ الاضطرار المُهلك ، كما أن حياة الكفاف أمر مرهق، فلا حرج على المرأة حينئذٍ أن تعمل ضمن هذه الضوابط؛ لتدفع عنها أذى الضرورة ، أو حرج الحاجة ؛ فإن كثيراً من النساء المتحجِّبات يعملن مضطـــرات في بعض البلاد ، ضمـــن ظروف عمل لا تناسبهن ، فإذا وجدت إحداهن ما يغنيها عن العمل فإنها تتركه إلى بيتها.
إن مشكلة العمل لا تكمن في هذه الفئات من المحتاجات أو المضطرات؛ وإنما تكمن في فئات أخرى من الإناث لا حاجة لهن في العمل سوى : التسلية، وملء الفراغ ، وإثبات وجودهن الاجتماعي، بتحقيق ذواتهن من خلال تولي الوظائف ، والبروز للحياة العامة بشيء من الوجاهة الاجتماعية ، ومحاولة التساوي مع الرجال في أساليب عيشهم ، من خلال الاستقلال الاقتصادي عنهم ؛ حتى يضعف سلطانهم ، ويسهل بالتالي انتزاع سلطة القرار منهم ؛ بحيث تستغل إحداهن دخلها المالي في إضعاف قوامة الرجل الكسبية التي يمتاز بها عليها ، فلا يبقى له ما يميِّزه عنها ؛ مما يدل على أن التوجه العالمي في حثِّ النساء على العمل ليس الهدف منه مجرَّد النهوض بالتنمية ، واستغلال الطاقات المعطلة – كما هو معلن – وإنما وراءه هذا الهدم لقوام الاجتماع الإنساني ، ونقض أسسه من جذورها، بتبادل الأدوار الخلقية، والطبائع السلوكية بين الجنسين ، وتداخل المهمات بينهما ، بما يضمن للإناث تحقيق مبدأ المساواة المزعوم .
وقد كشفت بعض الدراسات الميدانية عن وجود رغبة أكيدة لدى الموظفين الذكور في زيادة عوائدهم المالية من وظائفهم ، في حين يقل اهتمام الموظفات من النساء عن الموظفين الذكور بهذه الرغبة ، وربما أنفقت إحداهن جلَّ مدخولها من وظيفتها على الكماليات غير الضرورية ؛ فإن أنجح التجارات، وأكثرها رواجاً تلك التي تتعلق بالمرأة ، وما تلبسه وما تتزيَّن به ، مما يدل على أن شغل الوظائف عند كثير منهن لم يبلغ حدَّ الحاجة ، فضلاً عن حدِّ الضرورة .
إن ضابط الحاجة في نظام الاقتصاد الإسلامي لا يقبل بهذه الأهداف الاجتماعية والنفسية القاصرة عذراً كافياً لخوض المرأة المسلمة صراع الحياة الاجتماعية العامة، في وظائف لا تفتقر أصلاً إلى العنصر النسائي ، لاسيما في ظروف الحياة الاجتماعية والاقتصادية المعاصرة ، التي تجعل – في بعض الأحيان – من مجرَّد خروج المرأة من بيتها، ولو لحاجتها المشروعة : حرجاً خلقياً ؛ بل وحتى إن لم يكن هناك حرج ؛ فإن المرأة في نظام الاجتماع الإسلامي لا تخرج لكل حاجة من أمور المعاش ، خصوصاً إن كانت مكتفية اقتصادياً ؛ فإن رسول الله يقول : " ثلاثة لا تسأل عنهم : رجل فارق الجماعة وعصى إمامه ومات عاصياً ، وأمة أو عبد أبق فمات ، وامرأة غاب عنها زوجها ، قد كفاها مؤونة الدنيا فتبرجت بعده ، فلا تسأل عنهم.. . " .
إن من المهم أن تدرك المرأة المعاصرة أن ما يحصل به كمالها ليس هو بالضرورة عين ما يحصل به كمال الرجل ؛ فهي : تكمل بكمال أنوثتها ، وتنقص إذا أشبهت الرجال ، وزاحمتهم في الخصائص والجماعات والأعمال ؛ ولهذا منع الشارع الحكيم مبدأ الموازنة بين مهام الجنسين المختلفة ؛ فوجَّه الرجال لأسباب كمالهم من : الجهاد والولاية والجمعة والجماعات ونحوها، ووجه النساء أيضاً لأسباب كمالهن من : العبادات الروحية، والعفة الجنسية، والطاعة الزوجية ونحوها ، وقال تعالى في محكم التنزيل المبارك : …، وذلك حتى تنقطع مادة التنافس بين الجنسين ، ويبقى لكل منهما ميدانه الخاص به ، لا يزاحمه فيه إلا أبناء الجنس الواحد، فتكمل - بهذا التنوع والتكامل بين الجنسين- مسؤولية الخلافة في الأرض .