الصفحة الرئيسة @ المقالات التربوية @ التربية الاقتصادية للفتاة @ 43- تأثيرات العمل السلبية على صحة النساء الجسمية
تفتقر طبيعة العمل في المفهوم الاقتصادي إلى عنصرين ، أحدهما : الوقت الذي يستهلكه العمل ، والآخر : الألم الذي يصحب العمل عادة ، حين يقاوم العامل ميله إلى البطالة والدعة ، بحيث تكون مشاعر الألم جزءاً ضرورياً من خبرة العامل ، ومن هنا اتفقت غالب خبرات الشعوب الحديثة على تحديد زمن العمل الرسمي بثلث اليوم لمدة ستة أيام في الأسبوع كأقصى تقدير، وذلك مراعاة لحدود طاقة العامل ؛ فقد ثبت ميدانياً أن هناك علاقة قوية بين زيادة ساعات الدوام وكثرة حوادث العمل .
ورغم الاتفاق العام على هذا الاتجاه فإن هذه الفترة من الجهد الأسبوعي تُعد في ظروف الحياة المعاصرة كبيرة ومُضنية ؛ إذ لا تسمح للعامل بالاسترخاء والاستجمام بصورة جيدة ، كما أنها تستهلك باكورة عمره ، وأكثر طاقته الجسمية والذهنية ؛ ولهذا ارتبطت زيادة التصنيع بزيادة الأمراض المتعلقة بالمهن ، خاصة ما يتعلق منها بالحوادث الصناعية التي أصبحت الآن من أكبر المشكلات التي تواجه النهضة الصناعية الحديثة ؛ حيث تحصد سنوياً مئات الألوف من العمال ، وتصيب الملايين منهم بما هو دون ذلك من الإصابات والإعاقات المؤلمة ، ومن هنا ظهر في مؤسسات العمل مفهوم الرعاية الصحية والاجتماعية للتخفيف من معاناة العمال وإصاباتهم ؛ وظهر معه أيضاً ما يُسمى بعلم الهندسة البشرية لحماية العامل من ضرر الآلة الحديثة على صحته.
إن هذه الصورة القاسية لطبيعة العمل في الظروف الاقتصادية المعاصرة تُعد نوعاً من الترفيه إذا ما قُوبلت بوضع المرأة العاملة التي تشارك الرجل هذه الظروف من جهة – دون تمييز يُذكر – وتنفرد عنه – من جهة أخرى – بعملها المنزلي بنوعيه الخدمي والتربوي ، فرغم الفروق الطبيعة الواضحة بين الجنسين – لصالح الذكور – فإن إحداهن تعمل في هذين الميدانين : الداخلي والخارجي نحواً من تسع عشرة ساعة يومياً دون توقف ، بما في ذلك إجازة نهاية الأسبوع ، التي تقضيها عادة في إكمـال ما فاتها من الخدمـــة المنزلية ، في الوقت الذي يترفــــع فيه الرجل – غالباً – عن مساعدتها فيما تقوم به من الرعاية الوالدية، والخدمات الأسرية، حتى أصبحت العاملات من النساء المتزوجات أقل فئات المجتمع راحة، مما انعكس بصورة سلبية على أوضاعهن الصحية في صور متنوعة من الأمراض العضوية المستعصية ، التي لا يعرفها نظائرهن من ربات البيوت .
وقد أثبتت الدراسات أن انعكاسات هذا الوضع المضني أشد ما تكون على صحة الفتيات العاملات دون سن العشرين ؛ حيث تؤثر قسوة العمل على سلامة نموهن الجسمي من جهة نقص الطول ، وتلف العظام ، وهزال العضلات ، وتأخر البلوغ ، وشيء من اضطرابات الدورة الشهرية ؛ ولهذا لوحظ أنهنَّ أكثر فئات النساء العاملات غياباً عن العمل ؛ لذا تقترح بعض الإدارات الحكومية تخفيف ذلك عليهن بنصف وقت الدوام اليومي مقابل نصف قيمة الأجر الشهري .
إن الضابط الصحي في التصور الإسلامي لا يرضى للإنسان المسلم أن يستهلك طاقته الجسمية في العبادة المشروعة فضلاً عن أن يستهلكها في شأن من شؤون الحياة الدنيا ، كما لا يرضى له أن يتلف قواه الجسدية حتى يعجز عن القيام بالتكاليف الشرعية ، في الوقت الذي يحرص فيه – بصورة خاصة – على أن يبقى للمرأة نضارة أنوثتها ، ولطافة جسدها ، فقد استنكر – عليه الصلاة والسلام – يد المرأة أن تكون كيد الرجل في غلظها وهيئتها ، في حين لا يحرص على ذلك في الرجل ؛ ولهذا حرص عليُّ وفاطمة – رضي الله عنهما – على الخادم عندما أثرت مهام الخدمة المنزلية – بصورة سلبية – في بدن السيدة فاطمة رضي الله عنها ، وفي نضارة هيئتها ، في حين لم يستنكر - عليه الصلاة والسلام- ظهور أثر العمل الشاق على بدن علي t، حين عمل بالدلو حتى أثر ذلك في يده .