الصفحة الرئيسة @ المقالات التربوية @ التربية الاقتصادية للفتاة @ 40- تأنيث وظائف التدريس في المرحلة الابتدائية
من الميادين المهنية التي يحكمها ضابط التخصص المهني بين الجنسين ، مما يفتقر عادة للعنصر النسائي : ميدان التعليم ، فرغم وجود ميادين أخرى لصيقة بحاجات الإناث ؛ مثل : الطبيبة ، والممرضة ، والمُزيِّنة ، والمرضع ، والحاضنة ، والباحثة الاجتماعية ، ونحوها من المهن ؛ فإن الحاجة إلى العنصر النسائي فيما يتصل بشؤون النساء وحاجاتهن التعليمية : أكبر من الحاجة إلى غيرها من الميادين المهنية العامة ؛ وذلك لاتساع ساحة الإناث المحتاجات إلى هذه المهنة من جهة ، واستمرار الحاجة إليها في غالب مراحــل العمر المختلفــة من جهة أخرى ، ولا يبعد كثيراً عن الصواب أن تسمى : " أم المهن النسائية " ؛ لا سيما وأن ميل النساء إليها يكاد يكون فطرياً ؛ وذلك لطبيعة مهمتهن التربوية ، ولهذا يتفوَّقن في أدائها غاية التفوق ، وقد أثبت البحث الميداني أنها أنسب مهنهن على الإطلاق ؛ بحيث يفضِّلنها – عند الاختيار الحر – على أي مهنة أخرى؛ ولهذا يشهد الواقع المهني شدة إقبالهن على وظائف التدريس بصورة كبيرة ، وتوافر أعدادهن فيها بنسب عالية ، قد تفوق – أحياناً- نسب أعداد المدرسين من الرجال، ولعل نقص الوظائف البديلة المتاحة للنساء في سوق العمل زاد – هو الآخر – من إقبالهن الشديد على وظائف التدريس، ومع ذلك تبقى هذه المهنة - رغم كل الظروف المهنية ، والاختيارات البديلة- أنسب مهن النساء ، وأليقها بهن على الإطلاق.
ورغم صعوبة مزاولة مهنة التدريس ، وشدَّة ضغطها على المعلمات – ولاسيما المتزوجات منهن - من الجهتين: النفسية والجسمية ، وما يمكن أن يترتب على ذلك من ضرر جزئي متوقَّع على دورهن الأسري ، مما يمكن تحمله في سبيل المصلحة العامة ، والقيام بالفرض الكفائي ، في ظـــل نظام التعليم التقليدي ، الذي لا يعتمد على وسائل التعليم عن بعد : فإن القضية إلى هذا الحد تبقى ساذجة إذا ما قوبلت بخطر تولي المعلمات تدريس الذكور في المرحلة الابتدائية ؛ فإن خطوات تأنيث وظائف التعليم العام ، خاصة الابتدائية منها في مراحلها الأخيرة في غالب دول العالم .
ولا شك أن اختلاط المعلمات مع البالغين من الذكور في المراحل العليا من التعليم العام : أمر ممنوع في التصور الإسلامي ، في حين يصحُّ منهن ذلك فيما دون المرحلة الابتدائية ، فقد سُمح لهن في التاريخ الإسلامي بتعليم الأطفال من الذكور ، من أبناء الخامسة ونحوها ، ولكن الجدل قائم في توليهن تعليم الذكور في المرحلة الابتدائية ، التي تشمل الطلاب من سن السادسة إلى الثانية عشرة ، بحجة براءة سلوك الطلاب والطالبات في هذه المرحلة من المضمون الجنسي المخوِّف ، فرغم السذاجة التي يحملها هذا التوجه في فهم طبيعة النمو الإنساني ، وحقيقة السلوك الجنسي ؛ فإن الميل الشهوي عند المقاربين للحلم من الذكور ، وقدرتهم على الجماع لا تتوقف على البلوغ ؛ بل تسبق ذلك بزمن ، كما أن البلوغ ذاته قد يحصل لابن العاشرة ، كما يحصل لبنت التاسعة ، أو ربما الثامنة ، فالخطر الجنسي قائم ؛ بل هو في الحقيقة واقع بكل فعالياته في الحياة الإنسانية المعاصرة ، والشواهد والأحداث على ذلك كثيرة، فلو قدِّر أن سلمت المعلمة والتلميذات من العدوان الجنسي من الطلاب المحتلمين أو المقاربين للحلم : فمن يضمن سلامة الطلاب أنفسهم من إغراء الإناث وعدوانهن الجنسي ، سواء من المعلمات أو الطالبات ؟ فلو قدِّرت السلامة من هذا أيضاً : فأنى يسلم سلوك الصبيان من التخنُّث، عند غياب نماذج أدوارهم الرجولية المُرتقبة؛ إذ هم – من المفروض – أن يُهيَّؤوا لأدوار وسلوكيات تختلف عن أدوار وسلوكيات الإناث ، ثم إلى أيِّ حدِّ يمكن للمعلمة أن تضبط سلوك الصبيان – من أبناء العاشرة ونحوها- داخل الفصل الدراسي ؟ خاصة في هذا الوقت الذي أصبح ضبطهم فيه عسيراً حتى على الرجال من المدرسين ، وقد أشارت العديد من الدراسات إلى إخفاق الأم في ضبط أبنائها الذكور عند غياب الأب أو فقدانه .
ومن هنا فقد حسم المسلمون هذه القضية فقهياً وواقعياً ، فأما حسمهم لها من الجهة الفقهية فقد جعلوا حكم نظر الصبي المقارب للحلم إلى المرأة الأجنبية كحكم نظر البالغ ، فمنعوا تمكين ابن العاشرة ونحوها من الدخول على النساء الأجنبيات ، وكذلك كل صبي قريب من سن البلوغ ، يمكنه أن يحكي ما يرى من شؤون الإناث ، ويميِّز بين الشـوهاء والحسناء ، فكل هؤلاء لا يدخلون على النساء ، حسماً لمادة الفساد .
وأما حسمهم لها من الجهة الواقعية العملية؛ فقد اختص الرجال بتعليم الصبيان منذ فجر تاريخ الإسلام ، كما اختصت النساء أيضاً بتعليم بنات جنسهن بعيداً عن الذكور ، واستمر الوضع على هذا الحال حتى عهد قريب، قد لا يتجاوز الخمسين عاماً.
ومن هنا فإن الضابط التخصصي يقرُّ النساء على مهنة التعليم، ضمن حدود الحاجة والمصلحة الشرعية ، ولكن يلزمهن – في كل الأحوال – بأن يكون جهدهن وعطاؤهن موجَّهاً لبنات جنسهن بالدرجة الأولى ، وللصبيان دون سن التمييز بالدرجة الثانية، ضمن البيئة النسائية دون غيرها .