الصفحة الرئيسة @ المقالات التربوية @ التربية الاقتصادية للفتاة @ 35- ضمان الحق المالي للنساء العاملات


معلومات
تاريخ الإضافة: 3/7/1432
عدد القراء: 1135
خدمات
نسخة للطباعة     إرسال لصديق

ترتبط حقارة العمل وقسوته – غالباً- بانخفاض أجره ، فلا يكون مُسْتهجنًا كون الأعمال الوضيعة من نصيب الإناث: أن تنخفض بالتالي أجورهن المالية لتناسب مواقعهن من العمل ، ولكن يُسْتقبح جدًا أن ينخفض أجر المرأة العاملة لا لكونها أدنى تأهيلاً عمليًا ، أو أضعف أداءً عمليًا ، أو أقل ولاءً وظيفيًا ، ولكن لمجرَّد أنها أنثى ، فقد لا يُستَغْرب أن يكون الأداء والولاء والمؤهل عند غالب النساء العاملات يأتي بالنسبة لنظائرهن من الرجال العاملين في الدرجة الثانية ، ولكن إذا تساوت هذه المميزات في بعض العاملات مع نظائرهن من الرجال : فأيُّ مبرر هذا الذي يجعل من عنصر الأنوثة سببًا للغبن ، واستنقاص الحقوق ؟   

ورغم الانتفاضات النسائية المتعددة التي خاضتها نساء الغرب طلبًا لحقوقهن الاقتصادية ، فإن هذه الممارسة المقيتة التي تتعارض بوضوح مع مضمون الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ، والتي تولى صياغة بنودها الغربيون أنفسهم: هي الممارسة الفعلية الواقعية التي تتبناها جميع دول العالم المتقدمة – الشرقية منها والغربية – منذ بداية الثورة الصناعية وحتى اليوم ، في صور متنوعة ومتفاوتة من المظالم المالية والإرادية بسبب الأنوثة ؛ حيث تتمثل في : حصر الإناث في الوظائف المؤقتة ، التي لا تحتاج غالبًا إلى مهارات عالية ، مع زيادة ساعات عملهن عن الرجال ما بين ساعتين إلى خمس ساعات ، دون تعويض مالي أو ترقية وظيفية ، باعتبارهن عناصر إنتـــاج رخيصـــة
لا تعدو إحداهن أن تكون عنصرًا مساعدًا للرجل ، مع تفرقة واضحة في الأجور تتراوح ما بين (30%) على أقل تقدير و (89%) كأعلى تقدير، ورغم أنهن يمثلن ثلث العاملين في العالم ، حسب تقارير الأمم المتحدة لعام 1995م ، إلا أنهن – مع ذلك – يحصلن فقط على عُشْر الدخل العالمي ، ويملكن فقط (1%) من إجمالي الملكية ، إضافة إلى استغلال جهودهن في أعمال التصنيع الموجه للتصدير في الدول النامية، وجلب العملات النقدية الصعبة ، حين يضحين بالعائلة والمنزل، فيعملن ضمن فرق المهاجرين إلى البلاد الغنية ، مع التحايل الإداري على حقوقهن المالية زمن الولادة والأمومة ، إلى جانب صور استغلالهن في فترات الأزمات الاقتصادية عند الحاجة إلى المزيد من الأيدي العاملة ، خاصة في حالات الحروب وإضرابات العمال ؛ بحيث يُستخدمن في الأعمال بقدر حجم الأزمة ، حتى إذا ما انجلت سُرِّحن رغمًا عنهن ، مع أنهن في بعض فترات النهضة الصناعية السابقة كن أغلبية مع المراهقين والأطفال ، إلا أنهن كن بلا وزن سياسي يوجه قوتهن الاقتصادية في عمل نقابي جماعي يضمن حقوقهن ؛ وذلك لكون العنصر النسائي – في مثل هذه الحالات الاجتماعية – أكثر طاعة وخضوعًا ، وتقبلاً للضيم من عنصر
الذكـــــور.

إن شيئاً من الحيف المالي ضد الإناث يمكن أن يُقبل إذا كان العمل بالنسبة لهن اختيارياً ، لسْن مضطرات إليه ، ولا يدخل ضمن فرض الكفاية ، بحيث يعشن مكفولات النفقة ، فيكون العمل بالنسبة لهن – في مثل هذه الحالة – من النوافل ، كما هو في نظام الإسلام الاقتصادي ، فيخضعن كغيرهن لقاعدة العرض والطلب ، أما أن يكون العمل بالنسبة لهن ضرورة اقتصادية ، حين يتخلَّى الأولياء عن واجب النفقة ، وتقصِّر الدول في كفالتهن ، وتُطالب النساء بما يُطالب به الرجال ، فتظهر في الحياة الاجتماعية المرأة المعيلة بنسب مفزعة : فإن أيَّ حيف اقتصادي حينئذٍ بسبب الأنوثة ، دون مبرر شرعي صحيح لا يعدو أن يكون ظلماً يرفضه الضابط الإنساني في التصور الإسلامي، وفي الحديث القدسي : "  قال الله – تعالى - : ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة : رجل أعطى بي ثم غدر ، ورجل باع حراً فأكل ثمنه ، ورجل استأجر أجيراً فاستوفى منه ولم يُعطه أجره " .

إن الضابط الإنساني في التشريع الرباني الذي تؤيِّده الفطرة السوية ، ومبدأ المساواة : لا يمكن بحال أن يقبل بعنصر الأنوثة سبباً للظلم الاقتصادي ، أو الاضطهاد المهني ، أو الاحتقار الوظيفي ؛ فإن مقام الإنسانية أجلُّ من عنصري الذكورة والأنوثة ، والمرأة العاملة قبل أن تكون أنثى فهي إنسان لها مشاعرها ، وأحاسيسها ، وأشواقها التي تشترك فيها مع باقي البشر ، وهي كغيرها تكره الحيف والاضطهاد والاحتقار ، حتى وإن اختلفت أساليب تعبيرها ، وحدَّة استنكارها ، وقدرة تحملها ؛ فإن الكرامة الإنسانية خُلُق مُشترك بين جميع البشر .