الصفحة الرئيسة @ المقالات التربوية @ التربية الجنسية @ 7- مواقف الاختلاط بين الجنسين في التاريخ الإسلامي


معلومات
تاريخ الإضافة: 3/7/1432
عدد القراء: 1407
خدمات
نسخة للطباعة     إرسال لصديق

إن غاية ما ورد عن رسول الله ، أو السلف في مسائل الاختلاط بين الجنسين، خاصة في مجال التعليم والرواية، وما يمكن أن يكون فيه شبهة للاختلاط، فإنه لا يعدو أن يكون بين المحارم بنسب أو رضاع، أو قبل فرض الحجاب على النساء، أو خصوصية للنبي ، كالخلوة بالأجنبية، أو إردافها خلفه على الدابة، فهذه ونحوها من خصائصه لا يجوز الاقتداء به فيه البتة، وربما كان الاختلاط في ذلك العصر من امرأة متجالَّة كبيرة في السن، لا إرب لها في الرجال، أو صغيرة دون سن التكليف، أو أَمَة مبتذلة، وأما في غير هذه الظـــــروف والمجـــــــالات فإن المرأة المسلمــة – والفتـــاة على الخصـــــوص – ما كانت تعرف الاختـــــلاط بالرجال الأجــــانب ومزاحمتهم ، لا في تعليم، ولا في غيره، حتى في أطــــــهر المواقع عند البيت الحرام، لاسيما وقد قال الرسول : "خير مساجد النساء قعر بيوتهن"، وقال موجهاً النساء: "لا تحدِّثن من الرجال إلا محرماً"، وقال علي : "نهانا رسول الله  أن نكلِّم النساء إلا بإذن أزواجهن"، وكان أمير المؤمنين عمر بن الخطاب  ينهى عن طواف الرجال مع النساء، ويأمر بفصل حياضهن للوضوء عن حياض الرجال، وينهى أن يصلي الرجال القيام مع النساء، وقد جعل في رمضان قارئاً يصلي بالرجال وآخر يصلي بالنساء، وكان يقول: "لا تدخلوا المسجد من باب النساء"؛ وذلك لأن النبي  خصَّص لهن ذلك الباب، وقال: "لو تركنا هذا الباب للنساء".

وأما إن كان هناك حاجة للاختلاط بين الجنسين في الحياة العامة – مما لا بُدَّ منه- كان ضمن حدود الأدب والحجــاب الشرعــي، فإذا احتجن إلى طــــول بقـــاء مع غير المحارم لتعليم، أو وعظ، أو عبادة، أو سفر، أو نحو ذلك كان لقاؤهن وجمعهن بائناً عن مجمع الرجال، أو من وراء حجاب يفصل بين الجنسين، وعلى هذا جرى تطبيق الأمة في القرون المفضلة وما بعدها.

وقد صرَّح جمع من العلماء بهذا الفصل بين الجنسين كطبيعة للحياة الاجتماعية الإسلامية، فقال الإمام النووي رحمه الله: "وقد ثبت أن كثيراً من راويات الحديث، وحافظاته يُسمِعْنَ الأجانب عنهن من وراء حجاب"، وقال الإمام الذهبي رحمه الله: "وقد سمعنا من عدة نسوة، وما رأيتهن، وكذلك روى عدة من التابعين عن عائشة، وما رأوا لها صورةً أبداً"، وقد صرَّح بعض النساء بذلك أيضاً، فهذه تلميذة أبي سعيد الخراز المنتسب لعلماء القرن الثالث، تقول: "كنت أسأله مسألة والإزار بيني وبينه مشدود، فأستقري حلاوة كلامه، فنظرت في ثقب من الإزار فرأيت شفته، فلما وقعت عيني عليه سكت، وقال: جرى هنا حدث، فأخبريني ما هو؟ فعرَّفتُهُ أني نظرت إليه، فقال: أما علمت أن نظرك إليَّ معصية، وهذا العلم لا يحتمل التخليط، ولذلك حُرِمت هذا العلم".

ولا ينبغي للمرأة المسلمة المعاصرة أن تستنكر هذا الفهم، فإن نصوص الكتاب الكريم والسنة النبوية، والتطبيق العملي في السيرة والقرون المفضلة لا تفيد في مجملها غير هذا المسلك، فالأمر بالحجاب والقرار في البيت، ووجوب الاستئذان، وغض البصر، وتحريم الخلوة بالمرأة الأجنبية، والمنع من مصافحتها، ومبايعة النبي  لبعض النساء على ترك الخلوة بحديث الرجال، ونهيه لهن عن السير في وسط الطريق، والسفر بغير محرم، ونهي الرجل عن الدخول على النساء، وتخصيص باب في المسجد خاص بهنَّ، وتأخير صفوفهن عن صفوف الرجال، وضبط خروجهن مسرعات من المسجد قبل أن يدركهن الرجال؛ فقد قالت أم سلمة رضي الله عنها: " كان رسول الله  إذا سلم قام النساء حين يقضي تسليمه، ومكث يسيراً قبل أن يقوم، قال ابن شهاب: فأرى – والله أعلم – أن مكثه لكي ينفذ النساء قبل أن يدركهن من انصرف من القوم".

وكذلك خروجهن من صلاة الصبح قبل ظهور ضوء النهار خشية أن يعرفن، فقد قال ابن بطال رحمه الله: "هذه السنة المعمول بها: أن ينصرف النساء في الغلس قبل الرجال؛ ليخفين أنفسهن، ولا يتبيَّنَّ لمن لقيهن من الرجال، فهذا يدل أنهن لا يُقمْن في المسجد بعد تمام الصلاة، وهذا كله من باب قطع الذرائع والتحظير على حدود الله، والمباعدة بين الرجال والنساء خوف الفتنة، ودخول الحرج، وموافقة الإثم في الاختلاط بهن"، ولا شك أن كل هذا احتياط للدين، وحفظ للنفس من الوقوع في المهالك، وقد قال الرسول : "اجعلوا بينكم وبين الحرام ستراً من الحلال، فمن فعل ذلك كان أشد استبراءً لدينه وعرضه..." .

وكذلك مما يدل على هذا الاتجاه اتِّفاق بعض الصحابة، وكثير من العلماء من أصحاب المذاهب الإسلامية الكبرى – بعدما أحدث النساء ما أحدثن – على منع الفتيات خاصة دون المتجالات من الخروج للمسجد، وربما منعن جميعاً حتى من حضور صلاة العيد التي استحبها رسول الله  لهن، وحتى السلام بين الجنسين لم يستحسنه كثير من العلماء إلا على العجائز من النساء، وقد ذكر عن رسول الله  أنه قال: "ليس للنساء سلام، ولا عليهن سلام"، فإذا كان هذا تشدُّدهم في الاختلاط بين الجنسين في دور العبادة، وفي الحياة العامة، فكيف يكون تشددهم في غيرها من مجالات الحياة، كالاختلاط في التعليم، أو العمل، أو الأندية ونحوها ؟! فكل هذه الشواهد والإشارات لا يمكن أن يُفهم منها غير المنع من الاختلاط بين الجنسين لغير حاجة، حتى مع وجود الحجاب الشرعي السَّاتر.