الصفحة الرئيسة @ المقالات التربوية @ التربية الجنسية @ 6- أزمة الشباب الجنسية في مواقف الاختلاط بين الجنسين
من الصعوبة بمكان إغفال طبيعة الافتتان بين الجنسين، أو إهمال آثارها السلوكية عليهما، ولئن كانت قدرة المرأة على ضبط سلوكها تفوق قدرة الرجل في مواقف الاختلاط بين الجنسين إلا أن الفتنة قائمة بينهما، وهي في حق الرجل – لاسيما الشاب- أشد ما تكون وأعنف، خاصة عند حصول الإثارة، مما يُضعف عنده القدرة على الضبط السلوكي، ويحجب عنه الرؤية الناضجة؛ إذ إن الغريزة بما تحمله من قوة وعنف تسيطر على تفكير الشاب، حتى تحصر اتجاهاته وتوجهها نحو إرضاء شهوته الجنسية، وقلَّما يفكر بما يقتضيه العقل أو المصلحة، حتى قال تمام بن نجيح: "إذا قام ذكر الرجل ذهب ثلثا عقله"، وذكر أبو حاتم السجستاني أنه كان في مجلس أبي عبيدة، فقام من مجلسه يريد أن يبول، فاعتذر لطلابه وتلطف بهم، فقال: "الحاقن لا رأي له، فقال غلام حسن الوجه، كان حاضراً: ولا لـمُنْعِظٍ رأي يا أستاذ، فقال: صدق الصبي، اكتبوها عنه"، يقصد بذلك أنه لا عقل لمن أثيرت وتوقدت شهوته.
ويعبِّر أبو مسلم الخولاني عن هذه الحقيقة في طبيعة الشباب بعبارة أدق وأبلغ، فيقول مخاطباً قومه: "يا معشر خولان زوِّجوا نساءكم وإماءكم، فإن النعظ أمر عارم، فأعدوا له عدة، واعلموا أنه ليس لـمُنْعِظٍ أذن"؛ يعني: ليس لمن توقَّدت شهوته فهم، ولا وعي يدرك به عواقب الأمور، فلا يستوعب الخطاب، ولا يستجيب للنصح.
ومن هنا فإن الأنثى مكان للاستمتاع والعدوان الجنسي من الذكر مطلقاً؛ يقول الرافعي : "فإن الذكورة هي في نفسها عداوة للأنوثة، وإن كل رجل ليس ذا رَحِمٍ مَحْرَمٍ يجب أن يكون مرفوضاً " ، معني عند المرأة، وليس ذلك في حق الشباب فقط ، بل حتى وإن كان شيخاً كبيراً، أو معاقاً في جسده، أو ضعيفاً في عقله، ما دام أنه يحمل الرغبة الجنسية؛ بل وحتى الصبي المراهق الذي قارب الحُلُم؛ فإن القدرة على الجماع والتلذذ عنده تسبق القدرة على التناسل، فكل هؤلاء مَخُوف على المرأة، لا بد أن تحذرهم على نفسها، فقد يصدر عن أمثال هؤلاء تجاه المرأة المستحسنة ما يمكن أن يصدر عن الرجل الطبيعي ، أو قريباً منه.
وأما الصداقة البريئة بين الجنسين فأمر بعيد، فإن ظنَّت الفتاة أنه يمكن أن تُقيم صداقة نزيهة مع بعض الشباب، خالية من المضامين الجنسية: فإن هذا الظَّنَّ منها في غاية السَّذاجة، فلو صحَّ من جهتها؛ لكونها أكثر براءة – في هذه السن – في علاقتها بالجنس الآخر؛ فإن علاقة الذكور بها لا يمكن أن تخلو من الهدف الجنسي، الذي يرمي إلى الوقاع، فإن نَظَرَ الشاب إلى الفتاة نَظَرُ شهوةٍ محضة، مع خيال جنسي جامح يصعب ردُّه، مهما ادَّعى الشاب، أو أظهر من النزاهة والطهارة، إضافة إلى أنه في حالة إثارة جنسية دائمة ما دام أنه في جو مختلط مع الجنس الآخر، فإذا حصلت له الإثارة – التي لا بد منها- دون أن تُسكَّن بالإنزال : فإن التوتر الجنسي والكدر يمتلكه، وربما ذهب بعقله حتى يحصل له تفريغ الطاقة الجنسية المتوقدة : إما بالاتصال الجنسي، أو الاستمناء، وبغير هذين الطريقين لا يزول التوتر غالباً؛ ولهذا وجَّهت السنة النبوية الزوج المُثار بسبب الاختلاط المشروع الذي لا بد منه نحو مواقعة الزوجة كعلاج جذري للإثارة، ولم تَلْفِته السنة إلى نهج التَّسكين الروحي بعبادة الصيام إلا إذا عجز عن الاختيار الأول.
وعلى الرغم من أن المرأة تنضج جنسياً قبل الرجل ؛ فإن رغبتها في المضاجعة وقدرتها على الشعور باللذة لا تظهر إلا متأخرة بعض الشيء، بعكس ما هو عند الرجل، الذي يبلغ لياقته الجنسية في الثامنة عشرة؛ إذ يمكنه – في بعض الأحيان – القذف ثمانية مرات يومياً، مع إفراط شديد في ممارسة الاستمناء خلال الفترة ما بين 13- 15 سنة؛ ولهذا يزداد خطر الاختلاط بين الجنسين لاسيما في هذه المرحلة، وقد كشفت إحدى الدراسات الخليجية عن حجم الحرج الذي تعانيه المعلمات، والخجل الشديد من تدريس الذكور في المرحلة الابتدائية، لا سيما لمن تجاوز منهم العاشرة، أو تأخر تخرجه بسبب الرسوب، فهؤلاء يشكلون خطراً على المرأة لما يحملونه من ميل جنسي نحو الإناث.
والواقع المعاصر يشهد بتوجه كثير من الشباب الأعزب – بسبب هذه الإثارة من الأجواء الاجتماعية المختلطة- نحو الفاحشة، والإفراط في الاستمناء، خاصة في هذا العصر، الذي زادت فيه الفتنة بالنساء لكثرة التبرج والاختلاط، والمجاهرة بالفواحش، حتى إن أحد الشباب عبَّر عن معاناته العاطفية بعبارته الخاصة حيث قال: "أنا منذ سن البلوغ حتى الآن لم أتهاون أسبوعاً واحداً، بل ولا يوماً واحداً عن أن أغضب الرب بممارسة العادة السرية، فكل ما أراه أمامي هو عن الجنس، الفتاة أمامي كلها جنس، ونظرتي لها كلها جنس، فمتى أتمكن من الزواج، وهذا ما أعتبره حلماً لقلة الإمكانات المادية، فهل أصوم الدهر كله أم ماذا أفعل؟" .
وهذا الاعتراف الصريح من هذا الشاب ليس خاصاً بالبيئات المنحرفة، بل إن أزكى البيئات إذا حصل فيها الاختلاط بين الجنسين فإن احتمالات وقوع الخطأ بينهما تزيد؛ فالصالحون من الجنسين كالنار الكامنة في الرماد، لا تحرق من جاوزها إلا أن تُحرَّك "، وقد عبَّر ابن عمر – رضي الله عنهما- عن هذه الحقيقة في سلوكه كشاب حصلت له الإثارة فيقول: "وقع في سهمي يوم جَلولاء جارية كأن عنقها إبريق فضة، فما ملكت نفسي أن قبَّلتُها والناس ينظرون"، وكذلك الفضل بن العباس رضي الله عنهما، وهو الشاب الممتلئ حيوية ونشاطاً؛ فرغم التربية الصالحة، والمقام الطاهر في يوم النحر، بجوار النبي الكريم : مازال يتبادل النظر مع المرأة الخثعمية، والرسول يُدير وجهه عنها، وربما مرَّ بعضهن يجرين وهو يتابعهن بنظرة، والرسول يكفُّه بيده، حتى قال له في نهاية المطاف بعد أن كرر النظر مراراً: "ابن أخي، إن هذا يوم من ملك فيه سمعه وبصره ولسانه غفر له".
وكذلك الحال مع بعض أصحاب النبي حينما افتتنوا بامرأة حسناء كانت تصلي معهم خلف رسول الله ، فكان بعضهم يتأخر في آخر صفــــوف الرجـال ليراهـا ، وكان بعضـهم يتقدم مبتعداً عنها كي لا يراها حتى لا يُفتن بها، فأنزل الله فيهــم : + وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ "، فالفتنة قائمة بين الجنسين يصعب كفُّها، ولهذا نهى النبي الرجال عن الدخول على النساء، والخلوة بهن، حتى مع وجــود الحجاب الشرعي الساتر؛ فقال عليه الصـلاة والســلام: " إياكم والدخول على النســــاء "، وفي روايـــة:
" لا تدخلوا على النســـاء ولو كنَّ كنَائن" ؛ يعني مغطيات لوجههن، متسترات حياءً من الناس، مما يدل على عمق أثر الطبيعة البشرية التي تفرض نفسها، وتلح لإشباعها في الأجواء الاجتماعية المختلطة، لاسيما مع الخلوة، رغم وجود البيئة الصالحة والحجاب الشرعي.
هذا الواقع البشري الطبيعي يرد على من يزعم: أن الاختلاط يهذب ويخفف من الإثارة الجنسية، وأنه مطلب حضاري، فإن هذا الزعم مع كونه مخالفاً لأبسط المفاهيم الشرعية، فإن البحث الميداني في بعض الدول العربية أثبت أن الفصل بين الجنسين هو الوسيلة الناجحة للتخفيف من الإثارة الجنسية؛ حيث عبَّر الشباب من الجنسين عن رفضهم للاختلاط، ووسموه بالفساد.
كما أن محاولة تسـكين التوتـر الجنسي بتعميـم الاختلاط، والتوسـع فيه، بحيث لا تحصل بين الجنسين إثارة، فهذه فكرة مخالفة للطبيعة والجبلَّة الإنسانية؛ إذ إن المرأة باعتبارها أنثى فهي مثيرة للرجل بالفطرة، وكل ما يصدر عنها ابتداء من معالم جسمها أو حركة مشيتها، أو طيب ريحها، أو عذوبة صوتها، كل ذلك له أثره الفعَّال في إثارة الرجل الطبيعي، ولهذا إذا تعطَّل شيء من حواس الرجل: تعطِّل بقدر ذلك استجابته الجنسية، كحال فاقدي البصر؛ فإنهم يعانون قدراً من المشكلات في علاقاتهم الجنسية، ومن المعلوم أن حصول الإثارة عند الرجل لا تخضع دائماً لإرادته؛ وإنما تحصل – في كثير من الأحيان- بسبب منبهات عصبية غير إرادية، ولا يمكن كفُّ هذه الإثارة إلا بتضييق فرص الاختلاط بين الجنسين وليس بالتوسع فيها؛ فما زال العالم المعاصر – دون استثناء- يعاني أزمات الاندفاع الجنسي المهووس من بعض الرجال تجاه النساء، من خلال الاغتصاب المباشر العنيف، أو التحرش الجنسي اللطيف، مما اضطر السلطات في العاصمة التايلندية بانكوك إلى تخصيص حافلات للنساء؛ لحمايتهن من تحرش الرجال الجنسي ، وقد تكرر مثل هذا الإجراء في العديد من المدن الحديثة.
ولو أمكن – جدلاً- أن يخفِّف الاختلاط من الإثارة الجنسية بين الذكور والإناث: فإنه مع ذلك فساد خلقي من جهة أخرى؛ فقد يؤدي إلى الشذوذ الجنسي البغيض؛ حين لا يجد الرجال في الجنس المقابل مكاناً للاستمتاع والإثارة، فيبحثون عنهما في غيره، وعندها تزول الحكمة من مبدأ تركيب الشهوة، كما أن وجود العلاقات الشاذة في المجتمع لا يرجع سببها إلى ندرة اللقاء بالجنس الآخر، فقد وجدت هذه العلاقات الشاذة منتشرة حتى في المجتمعات التي تبيح الاختلاط بين الجنسين بصورة واسعة وكبيرة، فلا دخل لمبدأ الفصل بين الجنسين في إثارة مثل هذه الشذوذات الخلقية في المجتمع.
وقد لاحظ بعض المراقبين النفسيين أن الإثارة الجنسية التي يقع فيها بعض الشباب بسبب الخيال والمداعبة، والإسراف في ذلك: كثيراً ما تؤدي بهم إلى فقد جزء من طاقاتهم الجنسية، التي يصعب عليهم بعد ذلك تعويضها، فعلى الرغم من تنوع الممارسات الجنسية في هذا العصر، والتوسع فيها؛ إلا أن الحقيقة تشير إلى أن الدوافع الجنسية آخذة في الضعف والتخاذل، حتى إن نسبة غير قليلة من الشباب، وممن هم في منتصف العمر يعانون من عطل جنسي يحدُّ من كفاءتهم الجنسية.
وأما زعم بعضهم: أن الاختلاط وسيلة جيدة لاقتناص الزوج، فهو مع كونه رأياً لكثير من فئات الشباب، إلا أن الحقيقة الميدانية تشير إلى أن العلاقة المفتوحة بين الشباب والفتيات تنتهي عادةً بالإخفاق، وعدم حصول الزواج، ولو قُدِّر حصوله: فإن احتمالات انهيار الأسرة كبيرة؛ وقد دلَّت إحدى الدراسات الميدانية الكويتية على أن أكثر من 54% من المطلقات في عينة الدراسة قد تعرفن على أزواجهن قبل الخطوبة، ومع ذلك أخفقن في مواصلة الحياة الزوجية، والعجيب أن غالب حالات الزواج في اليابان – رغم الانفتاح الاجتماعي والاختلاط بين الجنسين - لا تتم عن طريق الشباب والفتيات بالاختيار المباشر، بل عن طريق الواسطة الاجتماعية العائلية.