الصفحة الرئيسة @ المقالات التربوية @ التربية الاقتصادية للفتاة @ 28- أثر عمل المرأة على قوامة الزوج


معلومات
تاريخ الإضافة: 3/7/1432
عدد القراء: 3875
خدمات
نسخة للطباعة     إرسال لصديق

لما أراد الله – عز وجل – للرجل أن يتولى زمام الأسرة الإنسانية : زوَّده بأسباب القوامة الفطرية في أصل خلقته ، والأنفة من سلطان زوجته ، وألزمه – إلى جانب هذا – أسباب القوامة الكسبية بتولي الأعمال والإنفاق ، وفي الجانب الآخر هيَّأ الإناث فطرياً للقبول بهذه القوامة ، والاستمتاع بحمايتها الاقتصادية والاجتماعية، وألزمهن – مقابل ذلك – الطاعة والاحتباس لحق الزوج ، فكمُل بهذا التداخل الفطري والكسبي شكل الأسرة العضوية في نظام الاجتماع الإسلامــي، فلا منَّة لأحد الجنسين على الآخر، فكلاهما في حاجة فطرية متبادلة لا تنقطع ، حتى وإن كانا جميعاً في كفاية اقتصادية جيدة.

بل لو قيل : إن المرأة أحوج للقوامة من الرجل؛ لما بعُدَ ذلك عن الحقيقة؛ فإن المرأة لا تشعر بالاستقرار الأسري مع زوج تساويه ، أو تستعلي عليه ؛ ولهذا كثيراً ما تشعر المرأة المتحررة بالاغتراب عن فطرتها ؛ فإنها رغم تمكُّنها الاقتصادي وتفوقها وانطلاقها لا تزال في حاجة إلى الرجل الذي يصعب عليه أن يتخلَّص من سطوته الفطرية ، فتعيش حالة من التناقض النفسي بين حاجتها الفطريــة إلى الرجل ، وبين ضرورة مراعاتها طباعه التسلُّطية ، يقول الشيخ عبد الرحمن الدوسري – رحمه الله- في تفسير القرآن : "  إن المرأة لا تستغني عن النكاح بأي عمل يُتاح لها ، فهي كالرجل في طبيعة التكوين ؛ لأنهما خُلقا من أصل واحد ، فالرجل – أيضاً – لا يستغني بالأعمال عن الزواج ".

ورغم وضوح التوجه الفطري في سلوك غالب النساء والفتيات المعاصرات نحو القبول – الصريح أو الضمني – بتولي الرجال مهام الكسب والإنفاق ، ورغم صدور نص إعلان القاهرة عن حقوق الإنسان في الإسلام عام 1990م ، بحضور وزراء الخارجية، الذي يحمِّل الرجل عبء الإنفاق على الأسرة ، ومسؤولية رعايتها : فإن ثمَّة توجهاً معاكساً – تدعمه جهات مشبوهة – ينطلق بقوة نحو حمل النساء على الاستقلال الاقتصادي عن الرجل
– أياً كانت مكانته منهن – ورفض قوامته ؛ بحيث يتولين كالرجال الكسب والإنفاق، وبالتالي ينتزعن السلطة الأسرية وحق اتخاذ القرار، فلا يبقى للرجل ميزة تؤهله لأكثر من أن يكون نداً للمرأة في أحسن أحواله ، وقد كشف البحث الميداني أن مثل هذه السلوكيات النسوية المستقلة يمكن أن تقع ؛ فإن المرأة حين تتأهل اقتصادياً كثيراً ما تستقل بقرارها دون الزوج ، أو على الأقل يزيد نفوذها في اتخاذ القرارات ، والنبي  حين وصف المرأة الصالحة بقوله:"التي تسرُّه إذا نظر ، وتُطيعه إذا أمر، ولا تخالفه في نفسها ومالها بما يكره"، يعني أنها مطاوعة له ، تراعي مقامه ، وتتلطَّف به ، فهي في وصف النبي  ليست نداً له ، ولا يعني هذا سقوط أهليتها في ملكية مالها ، وحق التصرف فيه، وإنما لا تستقل بقرارها دونه .

ورغم أن الجانب الفطري من قوامة الرجال على النساء يصعب مقاومته ، وإزالة آثاره بالكلية : فإن الجانب الكسبي للقوامة المتصل بالناحية الاقتصادية قد أخذت أركانه تتزعزع وتضطرب ، وتنهار معالمه بتولي النساء الكسب والإنفاق الأسري في ظل الظروف الاقتصادية القاهرة ، وانفتاح المرأة الاجتماعي ، فأصبح كثير من الأسر المسلمة يقوم جانب منها على مورد المرأة العاملة ؛ بل ربما قام أكثر جوانبها على إنفاقها المالي ؛ بحيث تعجز الأسرة عن القيام اقتصادياً بمورد الرجل وحده ، مما حتَّم عليه أن يتنازل لزوجته عن بعض حقوق قوامته مقابل دعمها المالي ، وقد أشار رسول الله  إلى هذه الصورة الاقتصادية الغريبة حين قال : " ما بين يدي الساعة تسليم الخاصة ، وفُشُوُّ التجارة حتى تُعين المرأة زوجها على التجارة... "  .

ورغم أن هذا الوضع الاقتصادي الشاذ لم يحقق للنساء العاملات المساواة المنشودة ، والتحرر المطلوب بقدر ما حقق مزيداً من الرفاهية للأسرة، وخفَّف عن الرجل شيئاً من أعباء النفقة الأسرية : فإنه – إلى جانب ذلك – حطَّ بشكل خطير من مكانة الرجل في الهيئة الأسرية ، وبالتالي في الوسط الاجتماعي ؛ وذلك حين لم تعد أدواره الاقتصادية أكثر إيجابية من أدوار المرأة ، لا من جهة النوع ، ولا من جهة المردود ، خاصة بعد أن لم يعد الرجل يتعفَّف عن دخل زوجته ، ولم تعد هي تتسامح في ممارسة سلطتها الجديدة بشيء من الخشونة غير المعهودة ، ومن المعلوم شرعاً أن الرجل إذا عجز
عن النفقة : اختلت بالتالي قوامته .

ولقد أدَّى هذا الوضع الاقتصادي الجديد إلى صراعات أسرية خطيرة ، وتنافس على القيادة العائلية ، مما أوهن روابط العلاقة الزوجية ، فنقلها من علاقة عواطف وتراحم إلى علاقة مصالح واستغلال، وأضعف– إلى جانب ذلك – بريق التجاذب الجنسي بين الزوجين ، حين لم تعد الزوجة العاملة ترى نفسها موضع استمتاع لزوجها ؛ بل ربما كانت مطالب العمل وضغوطه المبالغ فيها سبباً في القضاء على رغباتها الجنسية ، مما أدى – في مجموعه – إلى ارتفاع نسب الطلاق في غالب دول العالم ، حين اطمأنت الزوجة العاملة على مستقبلها الاقتصادي ، فلم تعد تحتمل أي نوع من الضيم الأسري ، حتى إنها بعد الطلاق لا تفكِّر في تكرار التجربة ما دامت تجد الدخل المناسب ، فاكتسبت المرأة المعاصرة من عملها قوة اقتصادية تغنيها عن الرجل وقوامته ، وجرأة تدفعها لمواجهة شؤون الحياة ومتاعبها بمفردها ، مما أدى في بعض المجتمعات إلى بروز ظاهرة الوالدة المنفردة ، أو المرأة المعيلة ، حيث تقوم الأم مع أطفالها بدورين اثنين في آن واحد ، ولعل هذا السبب هو الذي دفع كثيراً من الشباب المعاصرين نحو الفتاة المتفرغة ، حين ثبت لهم أنها أكثر طاعة ، واحتراماً للزوج، وصبراً على متاعب الحياة الزوجية ، وربما أنها – في بعض الأحيان - أكثر قبولاً لشيء من الضيم والقسوة في المعاملة الزوجية.

ومن هذا المنطلق الواقعي فإن الضابط الأسري في نظام الاجتماع الإسلامي حين ألزم الرجل بالإنفاق والإحسان إلى المرأة ، حتى وإن كانت غنية ، وألزم المرأة بالاحتبـــاس والطاعــــة ، فإنه منع بذلك كل صور التسلط النســوي على الرجــال ، مُعتبراً استخفاف المرأة بحق زوجها انتهاكاً لحدود الله ؛  وذلك ليبقى شطر القوامة الفطري والكسبي قائمين في سلوك الرجال وفي ممارستهم؛ حتى تعمر الحياة ، وينضبط سلك المجتمع ضمن القانون الطبيعي للنوع الإنساني ؛ فإن الثابت تاريخياً أن حركات التمرد النسوي المُخلَّة بالنظام الاجتماعي تسبقها عادة مظاهر ضعف في سلطة الرجال، وضمور في شخصياتهم ، كما أن الوفرة الاقتصادية كثيراً ما تفسد من سلوك النساء ، مما يعطيهن فرصة أكبر للنشوز الخلقي على حساب قوامة الرجال ، الذي عبَّرت عنه السنة النبوية بالطغيان النسائي .

ومن هنا فلا يصح أن يكون عمل الزوجة ذريعة لخلخلة قوامة الزوج في الأسرة بصورة مباشرة أو غير مباشرة ، مع ضرورة الإبقاء على حقه الشرعي في منعها من العمل ، حتى وإن أذن لها في أول الأمر ، أو اشترطت عليه عند العقد ، إذا كان في ذلك مصلحة راجحة للأسرة ، ولا ينبغي لها الممانعة في ذلك حتى تقف معه على الطلاق؛ لأن حاجتها إلى الزوج أعظم من حاجتها إلى العمل ؛ فإن اضطراب الوضع النفسي والاجتماعي والاقتصادي للزوجة العاملة بعد الطلاق أمر واقع قائم يصعب تجاوزه ؛ لهذا يقدِّم كثير من النساء العاملات رغبات أزواجهن على مصلحتهن الاقتصادية في العمل ، فما تزال الإناث في كل عصر – مهما بلغن من القدرة والعدد – بحاجة دائمة إلى قوامة الرجال وتدبيرهم وإشرافهم ، يقول رسول الله  : "من أشراط السَّاعَة: أن يقلَّ العلم ، ويظهر الجهل ، ويظهر الزنا ، وتكثر النساء، ويقلَّ الرجال ، حتى يكون لخمسين امرأة القيم الواحد "، فما حاجة هؤلاء النساء الكثيرات – في آخر الزمان – إلى رجل واحد يلذن به ؟ إلا هذا المعنى الضروري من القوامة الفطرية والكسبية التي تحتاجها المرأة ، مندفعة – في ذلك – بفطرتها الأنثوية.