الصفحة الرئيسة @ المقالات التربوية @ التربية الزوجية للفتاة @ 41ـ الغيرة الجامحة في طبائع الإناث
تُسبب عاطفة الغيرة عند الزوجة وجداً شديداً، وحزناً عظيماً، خاصة إذا اشتدَّت، ولم تجد لها متنفساً تتصرَّف من خلاله، حيث تختل قدرتها وتقْصر عن النظر الصحيح، والتقدير الجيد للأمور، وربما ساقتها شدة الوجْد : إلى الانتقام من نفسها، والإضرار بها . وسبب ذلك يرجع إلى : " أن المرأة خُلقت يتنازعها إحساسان قويان هما : إحساس العاشقة، وإحساس الوالدة، وليس أغلب على نفسها، ولا أملك لمشاعرها من هذين الإحساسين الغريزيين " .
ولما كانت الرابطة الزوجية أقوى الروابط بين اثنين، بحيث يشعر كل منهما بأنه شريك للآخر في كل شيء : كانت داعية التَّغاير بينهما آكد، وأسبابها أوفر، حتى يتغايرا على الدقائق والخفايا، ويعتمدا على الظَّن والوهم، فيُغريهما ذلك إلى التنازع والتخاصم .
ولما كانت أسباب إثارة الغيرة بين النساء أكبر؛ لضيق مجالات التنافس بينهن، خاصة في مجال الحياة الزوجية، حيث التنافس على الزوج، ومحاولة الانفراد به، والاستحواذ على عواطفه : كانت مظاهر التَّغاير أعظم، ووقائع التنافس أشد؛ فإن المرأة إذا شعرت بتعرُّض حبها للخطر بمنافس آخر، انطلقت بكل شراسة للرد عن نفسها، والذود عن ساحتها بكل وسيلة ممكنة . فيغيب عن إحداهن كثير من قدرات الضبط السلوكي، ونظرات البعد العقلي، حتى لربما بلغ بإحداهن هيجان الغيرة إلى الوقوع في جناية عدوانية تستلزم القصاص، وإقامة الحد، أو لربما جاءت بسلوك اجتماعي عام في غاية الشَّناعة، وأقل ما يمكن أن تقوم به الغيرى إذا أغْلقت : أن تجني على الأموال، والأمتعة والممتلكات، أو أن تأتي بكلام وعبارات لا ترضاها حال سكونها، وذهاب انفعالها، أو لربما وصل بها فرط الغيرة إلى أن تتلفَّظ بما قد يُعتبر ردة عن الدين، وقد تفعل الغيرة فعلها بالمرأة العاقر حتى تكون سبباً في حملها، وفي هذا كلِّه يقول الرسول r فيما ورد عنه، في وصف هذه الحالة النفسية التي تعتري بعض النساء : (( إن الغيْرى لا تُبصر أسفل الوادي من أعلاه )) . وقد كان يعتري بعض زوجات النبي r وكثيراً من فضليات النساء شيء من ذلك، بل إن إحداهن لتغار من مُطلقها عند علمها بزواجه بعد أن تكون قد بانت منه، مما يدل على أنهن يُعذرن شرعاً إذا كان الوارد عليهن من الغيرة أشد من قدرة احتمالهن، إلا ما كان من حقوق الآخرين، فلا بد فيه من إحقاق الحق . وشدَّة الغيرة عند المرأة كثيراً ما ترتبط بشهوتها ولذتها، فبقدر لذتها وشهوتها يكون عنف غيرتها وشدتها، ومع ذلك تبقى غيرة الرجل في العموم أعظم وأعنف من غيرة المرأة .
إن محاولة قطع هذا الطبع النسائي بالكلية، ومحو آثاره الانفعالية : أمر بعيد، إلا أن التخفيف من حدَّته ممكن، وذلك من خلال منع أسباب إثارة الغيرة، كإقامة العدل المستطاع بين الضرائر، والعزل بينهن في المساكن، مع صدق التوجه إلى الله تعالى بالدعاء .
وأما من الجهة النفسية فلا بد أن تُعطى الزوجات المتنافسات شيئاً من المتنفَّس والمجال : لتفريغ بعض انفعالات الغيرة في نفوسهن : في صورة مجادلات كلامية، أومكائد لا تصل حدَّ التَّجنِّي والإفساد، وإلى هذا الحد يكون الأمر جائزاً شرعاً، وهذا من حكمة التعامل مع هذه الانفعالات النسائية الحادة .
والفتاة المسلمة لا بد أن تعرف أن الغيرة أمر مكتوب على العنصر النسائي، كما أن الجهاد مكتوب على الرجال، ولهن الأجر على الصبر والتحمل، وعليها ألا تلتفت للمغرضات ممن يسْعيْن لإغارة صدور الفتيات المعاصرات من مبدأ التعدد، ووسمه بما لا يليق بالتشريع الإسلامي، وليكن نهجها معهن كما فعل رسول الله r مع امرأة كانت تسعى بالنميمة بين نسائه، حيث دعا عليها حتى ماتت .
ومما ينبغي أن تُنبَّه إليه الفتاة - بعد الصبر والحرص على الأجر - أن الزوجة الثانية فتاة مثلها، وأخت لها، وفي حاجة إلى النكاح، وقد تكون هي في يوم ما في موقعها وحاجتها، فلترض لها ما ترضاه لنفسها، ولا تستفرد بالرزق دونها، ولتقبل بما قسم الله تعالى لها .