الصفحة الرئيسة @ المقالات التربوية @ التربية الزوجية للفتاة @ 37ـ حق الزوجة في الاستمتاع الجنسي


معلومات
تاريخ الإضافة: 20/8/1427
عدد القراء: 49828
خدمات
نسخة للطباعة     إرسال لصديق

من المتفق عليه أن للفتاة الزوجة حقاً واجباً في الجماع، وهو آكد حقوقها، وأعظمها على الزوج؛ فإن عقد الزواج يُحلُّ للطرفين معاً : أن يستمتع كل واحد منهما بالآخر؛ ولهذا أفتى العلماء بالتفريق بين الرجل وزوجته إن كان خصياً، أو عنِّيناً لا يصل إليها، أو امتنع عن جماعها لغير سبب مُلجئ، كما أنهم حثوه على إتيان زوجته ليُعفَّها حتى وإن لم تكن له رغبة في الوصال . إلا أنه - مع ذلك - لا يلزمه إجابتها في الحال إلى الفراش كما يلزمها إجابته إلى ذلك حين يدعوها؛ وذلك يرجع إلى اختلاف طبيعة السلوك الجنسي بين الذكور والإناث؛ فالمرأة بطبيعتها، ونوع تركيبها العضوي يمكنها الاستجابة في أي وقت، في حين يعجز الرجال عن إجابتهن في كل وقت، حتى وإن رغبوا في ذلك، وهذا يرجع إلى طبيعتهم، ونوع تركيبهم العضوي، وبناء على ذلك ألزمت المرأة بإجابة زوجها إذا دعاها للفراش، ولم يُلزمه هو بذلك .

وقد أنكرالرسول r على من امتنع عن الجماع من أصحابه بسبب العبادة، فلم يقبلها سبباً كافياً لترك الواجب، وبيَّن أن للزوجة حقاً في ذلك، خاصة وأن المؤمن الحريص على الخير قادر على أن يجمع بين طول العبادة وتكرار الوقاع بصورة حسنة . وإن كان تركه للجماع بسبب عجز في جسمه : أخذ من الأدوية التي تقوي الشهوة وتثيرها، حتى تعينه على أن يُعفَّ زوجته، فإن لم ينفعه ذلك، فإنه لن يعدم وسيلة مشروعة يُعفُّ بها زوجته، ولو في فترات متباعدة معتدلة .

ولا يكفي في حق الزوجة مجرد الجماع، فإنه أقل مراتب الاستمتاع بالنسبة لها؛ بل إن لها حقاً في حصول الإشباع، بحيث تصل إلى ذروة الاستمتاع بإنزال الماء، وتحصل لها درجة الإحصان، التي تُعفُّها عن الانحراف الخلقي، وفي هذا يقول الرسول r مبيِّناً هذه القضية الزوجية الخاصة : (( إذا جامع أحدكم أهله فليصدقها، ثم إذا قضى حاجته قبل أن تقضي حاجتها فلا يُعجِلها حتى تقضي حاجتها ))، فيكون جماعه لها جماعاً صادقاً ناصحاً، فلا يفارقها حتى يعلم يقيناً بسكون غُلمتها بالإنزال، وحصول درجة الإشباع الموجبة للمحبة بينهما، ودوام الألفة؛ فإن الشبق الشديد يضر بها في نفسها وجسمها إذا لم يُسكن بالإنزال .

وفي الجانب الآخر فقد منع الإسلام بنظامه التربوي كل ما يُنغِّص على الزوجة اسْتيفَاءَ حقها في هذا المجال الخاص؛ فمنع العزل عنها ما دامت حرة، إلا بإذنها؛ لأنه جماع ناقص يضر بها، وحرَّم إتيانها في الدُّبر؛ لأنه موضع لا غرض لها فيه، بل تتضرر منه، ولا يأتي هذا الموضع إلا قبيح النفس، منْتكس الطبع، وكل ذلك حتى تُعطى حقها من الاستمتاع المشبع، الذي يحقق لها درجة الإحصان، المُعفَّةِ عن الحرام، ويحصل من ذلك النسل، الذي هو المقصود الأسمى من النكاح .

ومن لطائف ما يُنقل عن السلف في التوافق الجنسي بين الزوجين، وتمام الملاطفة بينهما، ولا سيما بعد الفراغ من لقائهما : تقول السيدة عائشة رضي الله عنها : " تتخذ المرأة الخرقة، فإذا فرغ زوجها ناولت تمسح عنه الأذى، ويمسح عنها، ثم صلَّيا في ثوبيهما " .

ورغم هذا التصور الواضح في المجتمع المسلم حول هذه القضايا النسائية الخاصة، ومع إسهاب العلماء في بيانها، والحديث عنها بالتفصيل والوضوح : فإن العالم الغربي بقي إلى بداية القرن العشرين جاهلاً بكثير من هذه القضايا، يعامل النساء كما كان يعامل العربي الجاهلي زوجته، فلا يرون للنساء حقاً مشروعاً في الاستمتاع، أوحصول درجة الإشباع، في الوقت الذي كانت فيه الفتاة المسلمة زمن الرسول r وخلفائه تُقَرُّ على مطالبتها بهذا الحق، فتُصرِّح إحداهن بضعف زوجها الجنسي، وتُلمح أخرى بانشغال زوجها عنها، فتثني عليه بدوام الصلاة والصيام، ثم تقول : " لم يُفتِّش لنا كنفاً، ولم يعرف لنا فراشاً "، وتشكو إحداهن جفاء زوجها إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فتقول :" إني امرأة شابة، وإني أتتبَّع النساء "؛ بل وحتى المُبادأة - في بعض الأحيان - من الزوجة لزوجها في هذه المسائل الخاصة لم تكن مستهجنة في ذلك الزمن، رغم أن الرجال عادة لا يحبذونها من المرأة .

وحتى فترات حيض الزوجات لم تكن فترات سكون عاطفي؛ فإن الميل الجنسي لا يزال موجوداً عندهن، والرغبة في الزوج قائمة؛ لهذا كان رسول الله  r يراعي ذلك منهن، فيباشر ويخالط الحائض من نسائه ليلاً طويلاً، ولا يعزل فراشه عنهن في هذه الفترة .

ولما كانت طبيعة الأنثى الجنسية أميل إلى العمق الاستمتاعي أكثر من ميلها إلى كثرة الوقاع؛ بحيث تستدرك بعمق اللذة عندها كثرة الوقاع عند الرجل : فإن العلماء أوجبوا لها على زوجها وقعة في كل شهر على الأقل في الحالات الاعتيادية؛ لأن الشهر بالنسبة لغالب النساء أمر معتاد، لا يتضررن منه، واشترطوا ألا تزيد فترة الهجران في الحالات النادرة على أربعة أشهر، أو ستة أشهر على أقصى تقدير، فإن الزيادة على ذلك يمكن أن تسوق الزوجة الشابة إلى انحرافات خلقية كبيرة، ولا شك أن وطء الزوجة بقدر كفايتها وحاجتها : أكمل وأفضل، مالم يؤثر ذلك على زوجها في بدنه ومعاشه، وقد أثبت الواقع أن عدم التوافق الجنسي بين الزوجين يقف خلف عدد كبير من حالات الطلاق، وانهيار الأسر .

ويلحق بحقها في الاستمتاع الجنسي : ما يتبعه ويجمِّله من التزين لها بحسن الثياب، وطيب الرائحة، ونظافة البدن، والخاتم ونحو ذلك مما يليق بالرجال، فإن رسول الله r كان يوجِّه أصحابه إلى مثل ذلك، فيقول : (( إن أحسن ما اختضبتم به لَهَذا السواد، أرغب لنسائكم فيكم، وأهيب لكم في صدور عدوِّكم )). وكان عليه السلام يأمرهم بالاغتسال بعد العمل البدني الشاق، والعناية بشعر الرأس واللحية . وكانت عائشة رضي الله عنها توجِّه النساء بأن يأمرن أزواجهن بإزالة أثرالبول والغائط بالماء فتقول لهن : " مُرْنَ أزواجكنَّ أن يستطيبوا بالماء، فإني أستحييهم، فإن رسول الله r كان يفعله "، وكان ابن عباس رضي الله عنهما أيضاً يؤكد على هذه المسألة، ويأمر أصحابه بنظافة أعضائهم التناسلية، وتعاهدها بالغسل، وجاء مرة رجل إلى عمر رضي الله عنه، فقال له : " ماحبسك ؟ قال :عرست، قال : فهلا غيرت ثيابك ؟ "، وكان رضي الله عنه يقول للرجال : " فوالله إنهن ليُحببن أن تتزينوا لهن، كما تحبون أن يتزينَّ لكم " .

إن مما ينبغي أن تدركه الفتاة المتزوجة أن حصولها على كمال الاستمتاع مرهون بعمق علاقتها بزوجها، فإن حوافز الأنثى الجنسية أكثر انتشاراً وتعقيداً وغموضاً من حوافز الرجل، فهي أكثر اعتماداً على الزوج في اكتشافها وإثارتها، فكلما كان الحب والتفاهم بينهما أعظم : كان سعيُ الرجل لتكيُّفها واستمتاعها أكبر، وإن أسوأ ما يمكن أن يصيب الزوجة في هذا المجال الخاص : فقدان الاستمتاع بالكلية، أو ما يُسمَّى بالبرود الجنسي، حيث تنفر من اللقاء الجنسي بزوجها، وتشعر معه بالغثيان، وقد يحصل لها - من خلال اللقاء - آلام وجروح في الجهاز التناسلي، وربما عبَّرت عن ضيقها بأن تتوجه نحو أولادها بمزيد من المبالغة المفرطة في الاهتمام والرعاية؛ تعويضاً عن نقصها في هذا الجانب .

ولا شك أن النساء في العموم يختلف بعضهن عن بعض اختلافاً بيِّناً في الرغبات الجنسية، وطرق إثارتها، أكثرمن اختلاف الرجال فيما بينهم؛ فما زالت معالم الحياة الجنسية عند المرأة مجهولة بالمقابل لما هو معروف من معالمها عند الذكور، إلا أن الثابت علمياً أن وعي الفتاة الجنسي بصورة صحيحة : يساعدها على حلِّ هذه المشكلة، والتخفيف من آثارها، فقد تكون المشكلة عضوية، بحيث تفقد الأنثى عنصراً من عناصر تكوينها الجنسي، فتحتاج إلى علاج . وقد تكون مشكلتها اقتصادية، بحيث يقلقها الفقر، أو سياسية حيث الاضطرابات والحروب التي تزعزع أمن المجتمع، فإن هذه المتغيرات المختلفة، والأحوال الاجتماعية المضطربة : تؤثر على توازن الأنثى العاطفي، واستقرارها الوجداني؛ حيث ينعكس قدْرٌ من مجموع هذه المتغيرات السلبية على رغباتها الجنسية، ودرجة استمتاعها .

كما أن خوف الزوجة من حصول الحمل : يعيق كمال استمتاعها، وربما ساقها إلى البرود، في حين تكون الزوجات الراغبات في الحمل : أكثر استجابة واستمتاعاً، كما أن أسلوب العزل بالطريقة البدائية لتنظيم الحمل : يعيق كمال الاستمتاع، ووربما ساقها أيضاً إلى البرود الجنسي، كما أن هجر الممارسة الجنسية بالكلية لمدة طويلة قد يؤدي إلى ضعف استجابة أعضائها التناسلية، وبالتالي يُقلِّل من الدافع الجنسي . ولعل الحالة النفسية المضطربة عند الزوجة: أعظم أسباب البرود الجنسي؛ لأن الحياة الجنسية مرتبطة عندها بحالتها النفسية، فهي " أكثر من الرجل حاجة لتوافر العوامل النفسية والعاطفية؛ لكي تُثار، ولكي ترتضي جنسياً " : فالقلق، والكآبة، والخوف، والخبرات الأسرية، المؤلمة المتعلقة بالأب في قسوته وسوء معاملته، أوالتعرض لصدمات جنسية في الطفولة، أو سوء اللقاء الأول بالزوج، أو سماع أخبار حوادث الفتيات المؤلمة، وخبراتهن الخاصة مع أزواجهن، كل هذه الأسباب النفسية يمكن أن تؤدي إلى مشكلة البرود الجنسي عند الزوجة، وتعيق كمال استمتاعها، وربما كانت سبباً في تقويض الأسرة وانهيارها؛ مما يدل على ضرورة وعي الفتاة بهذه المسائل المهمة، حتى تتجنب سلبياتها، وتحصل لها فوائدها، وفي الجانب الآخر : يُنصح بضرورة وعي الرجال بها حتى يتمكنوا من قيادة زوجاتهم برفق نحو مباهج الحياة العاطفية ضمن مفاهيم الإسلام للتربية الجنسية .