الصفحة الرئيسة @ المقالات التربوية @ التربية الزوجية للفتاة @ 35ـ حق الزوج في الاتصال الجنسي


معلومات
تاريخ الإضافة: 20/8/1427
عدد القراء: 3017
خدمات
نسخة للطباعة     إرسال لصديق

تختلف الغريزة الجنسية عن باقي غرائز الإنسان في كونها لا تقف عند حدِّ خدمة الشخص نفسه؛ بل تنطلق لخدمة النوع الإنساني، في حين تخدم الغرائز الأخرى كالأكل، والتنفس، وحب البقاء : الإنسان بصفته فرداً . ومن هنا تتطلب هذه الغريزة لبقاء النوع شيئاً من العطاء والتضحية بالدخول في علاقة كاملة منفتحة مع شخص آخر؛ تتحقق بلقائهما أسباب استمرار الحياة، فكانت سنة الله تعالى في لقاء الذكر والأنثى للتناسل والتكاثر؛ حيث قال سبحانه وتعالى : { يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكروأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا … } [الحجرات:13].

ولتحقيق هذا الهدف من التناسل والتكاثر بثَّ سبحانه وتعالى بين الجنسين داعية الشهوة الملحة، والرغبة الجامحة، فجعلها أعظم دافع نحو النكاح، وجعل إشباعها ركناً من أركان الحياة الزوجية، بحيث تتشوه هذه  الحياة، وتضطرب إذا اختلَّت العلاقات الجنسية بين الزوجين، وربما كان نصيبهما : الإخفاق، وانهيار الأسرة؛ فقد دلَّ البحث الميداني على أن التعثُّر في الحياة الجنسية بين العشيرين : سبب رئيس وراء وقوع كثير من حالات الطلاق، كما دلَّ - في الجانب الآخرـ على أن الانسجام الجنسي بينهما : سبب أكيد للسعادة الزوجية واستقرارها؛ وذلك يرجع إلى أن بقاء الأسرة " مرهون بالتوافق الجنسي بين الزوجين، ولُحْمة هذا التوافق، وسُداه هو الجماع المشبع، وعلى تنظيم النشاط الجنسي عند الإنسان : ينهض الاجتماع، وترتقي الحضارات، ويشعر الرجال والنساء بالأمان، ويصلح حال الأولاد" .

ومن هذا المنطلق لفهم العلاقة بين الزوجين : جعل العلماء الوطء في الفرج هو المقصود من عقد النكاح، بحيث لو قام عذر مانع من تحقيق الإيلاج - ولو بغير استمتاع كامل - كان ذلك العيب سبباً كافياً في فسخ النكاح، وردِّ المرأة بالعيب؛ بل " لو اشترطت المرأة على الزوج حال العقد أن لا يطأها، أو على أن يطأها في الليل دون النهار، أو على أن لا يدخل عليها سنة : بطل النكاح؛ لأن ذلك شرط ينافي مقتضى العقد " الذي أبيح به الاستمتاع بينهما، ففي الوقت الذي يُجمع فيه العلماء على أن الرتقاء التي لا يمكن أن يلج فيها تُرد بهذا العيب : لا يعتبرون العُقم في المرأة عيباً تُرد به لإمكان الإيلاج، ويربطون بين وجوب النفقة على الرجل، وبين حقه في الاستمتاع الجنسي بزوجته، حتى إن بعض العلماء لا يوجبون على الرجل كفن زوجته إن هي ماتت لانقطاع حقه في الاستمتاع .

والفتاة تدرك من خلال هذا البيان : أن الاتصال الجنسي بين الزوجين أمر أساس للحياة الزوجية، وضروري لبقائها، وأنه من العلاقات الحسنة، والنعم التي أنعم بها المولى U على عباده من الذكور والإناث؛ حيث رتَّب عليه الأجر والثواب، وجعله من أبواب الصدقة، ومن أقلِّ ما يمكن أن يقوم به الإنسان من أعمال البر والإحسان، إذا عجز عن كبارها، وحثَّ على الإكثار منه، وحدَّد موقع الإيلاج من المرأة، وسنَّ له ذكراً خاصاً، وجعله سنة المرسلين عليهم السلام، مما يدل بوضوح على مكانة هذه العلاقة، وطهارتها في المفهوم الإسلامي .

ورغم هذا فإن عدداً كبيراً من الفتيات تشوهت مفاهيمهن الجنسية، وغلب عليهن الجهل، حيث يرين : أن العلاقة الجنسية بين الزوجين تنافي الأخلاق الكريمة، وأن الجنس والأخلاق لا يمكن أن يلتقيا، حيث فهمن هذه العلاقة على طريقة الكنيسة الغربية التي جعلتها شراً محضاً في ذاتها، وبعضهن يعتبرنها نوعاً من الاستعباد الذي لا مفرَّ منه؛ لأداء الواجب الزوجي، بحيث لا تعدو علاقة هؤلاء بأزواجهن : علاقة جنسية فحسب .

هذه التصورات الشاذة عن الطبيعة الجنسية بين الزوجين إذا تشرَّبت بها الفتاة : انعكست آثارها على علاقتها الزوجية : فقد تشمئز من دورها باعتبارها أنثى : فترفض الجماع؛ لعدم وجود الدافع الجنسي الكافي لتحقيقه، فتكتفي منه بما دون الإيلاج، وربما أصبحت الأعضاء التناسلية - آلة الاستمتاع - موضوعاً لاشمئزازها واحتقارها، وأقل ما يمكن أن تُحدثه مثل هذه المفاهيم الخاطئة عندها هو : البرود الجنسي، وعدم التلذذ بالجماع، وترك التجاوب العاطفي مع الزوج : فتفقد دورها الإيجابي بصفتها أنثى، وتُصبح حياتها الأسرية في خطر الانهيار، وصحتها النفسية والجسمية مهددة بالأمراض .

إن كثيراً من هذه المشكلات الجنسية يمكن أن تنتهي إذا حصل للفتاة العلم الصحيح، والمعلومات الكافية عن حقيقة العلاقات الزوجية، فغالب هذه المشكلات تنبعث من المفاهيم الخاطئة عن طبيعة الحياة الجنسية عند البالغين، والجهل الكبير بهذه العلاقات، وما يجب أن تكون عليه .

إن مما ينبغي أن تدركه الفتاة : أن الاتصال الجنسي بين الزوجين ليس مجرد رغبة جنسية محضة، منحصرة في الأعضاء التناسلية المخصصة للجنس؛ بل هي رغبة شاملة، تستوعب كل كيان الإنسان، وتشترك فيها كل طاقاته : الجسمية، والنفسية، والعاطفية، والعقلية؛ لتكوِّن مزيجاً متكاملاً من الرغبات المتنوعة، والموجَّهة نحو الموضوع الجنسي، حيث تشترك ثلاثة مستويات في العملية الجنسية بين الزوجين " فالمستوى الفسيولوجي يتمثل في الإشارات العصبية والرسائل الهرمونية، والمستوى العقلي يتمثل في الانتباه والتركيز والتخيل والتذكر، والمستوى الروحي يتمثل في الحب والمودة والرحمة بين الزوجين، فالهرمونات الجنسية لا تكفي في تفسير السلوك الجنسي عند الإنسان "، ومن هنا يتضح أنه لا يُغني في العلاقة الجنسية بين الزوجين مجرد الأداء الجنسي فحسب؛ بل لا بد معه من درجة كافية من الكَيْف، الذي عبَّر عنه رسول الله r بقوله : (( الكيس، الكيس … )).

كما أن من الضروري أن تتيقن الفتاة : أن الجنس عامل أساس من عوامل الحب بين الزوجين، بحيث لو ضعُفت العلاقة الجنسية بينهما، أوعُدمت - مع وجود دواعيها الطبيعية - كانت درجة المحبة بينهما في غاية الهبوط، أوالاضمحلال؛ لأن الاتصال الجنسي المُشْبع :مادة الحب الأولى؛ ولهذا يُخفق في العادة العاجزون جنسياً عن تكوين علاقة حبًّ سوية مع الجنس الآخر .

والعجيب أن بعض فلاسفة الغرب يُضْفُون على علاقة الحب بين الزوجين من معاني الإخلاص والعبادة والقدسية والخلود ما يُخرجون به هذه العلاقة من طبيعتها الفطرية العاطفية إلى طبيعة روحانية غريبة، " وليس من شك أن الحب الذي يجده الزوجان أحدهما للآخر مهما عفَّ ورق، لا يمكن أن يصفو من رغبة الجماع، وهي على صبغة الحلال فيها : رغبة جسدية خالصة "، فلا بد أن تبقى هذه القضية في العلاقات الخاصة بين الزوجين واضحة المعالم في ذهن الفتاة وهي تقدم على الحياة الزوجية .