الصفحة الرئيسة @ المقالات التربوية @ التربية الزوجية للفتاة @ 34ـ أول ليلة في فراش الزوجية


معلومات
تاريخ الإضافة: 20/8/1427
عدد القراء: 8095
خدمات
نسخة للطباعة     إرسال لصديق

يستحب للمسلم إذا دخل على زوجته ليلة الزفاف أن يدعو الله ويسأله من خيرها وخير ما جبلت عليه، ويضع يده على رأسها، ويصلي معها ركعتين، وعليه أن يلاطفها، ويمازحها ويداعبها حتى تنهض شهوتها، فإذا أراد إتيانها قال : " بسم الله، اللهم جنبني الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا "، فإذا انقضت حاجته وفرغ فإنه لا ينزع حتى تفرغ هي أيضاً وتنقضي حاجتها، ومراعاة ذلك من أعظم أسباب الألفة بين الزوجين .

وليس من الغريب على دين الإسلام الذي يعلم المسلم آداب قضاء الحاجة في الخلاء، أن يهتم بهذه الجوانب من العلاقات الخاصة بين الرجل والمرأة، ويضع لها آدابها، ونظامها الذي يكفل للأزواج دوام الألفة والسعادة، فليس من الغريب أن يهتم الدين بهذه الناحية التي ربما ظن البعض أن العقلاء يترفعون عن الحديث فيها فضلاً عن الله ورسوله، ولكن الذي ثبت علمياً أن هذه العلاقة الجنسية بين الأزواج علاقة مهمة جداً، فقد أفادت بعض البحوث والدراسات المتعلقة بالوراثة وعلم الأجنة : " أن المعايب الخلقية التي تصاحب قضاء الناحية الجنسية بين الزوجين تنتقل إلى أولادهما .. ومتى تم الإخصاب في ظروف ملائمة، كان جديراً بأن يكون ذلك بشير خير لإنسان جديد " . فإذا كان الوالدان أو أحدهما فاقداً الوعي تحت تأثير مخدر أو خمر أو نحو ذلك، وحدث إخصاب بينهما في ذلك الوقت، كان المولود في الغالب ضعيفاً من الناحية العقلية، أو مصروعاً، أو مجنوناً .

لهذا فإن العلاقة الجنسية بين الزوجين علاقة هامة ومصيرية؛ إذ يترتب عليها طبيعة وكيان المولود الجديد، وبناء على ذلك شرع الذكر والبسملة عند الإيلاج، مما يوحي ويشعر بقداسة هذه العلاقة ونظافتها في التصور الإسلامي.

ولا شك أن العلاقة بين الرجل وزوجته أكبر من مجرَّد علاقة جنسية، حيث إن هذه العلاقة لا تعدو أن تكون جانباً من جوانب الحياة الزوجية، إلا أنها عامل مهم، وضروري لدوام الحياة الزوجية وازدهارها .

ولقد اختص المولى U أنثى الإنسان بغشاء البكارة دون سائر إناث باقي الحيوانات؛ ليُميِّز بين البكر والثيب، حيث يتصدر هذا الغشاء فتحة الفرج، إلا أنه لم يثبت طبياً أيُّ فائدة صحية له، إلا كونه شاهداً مادياً للفتاة العفيفة على براءتها من الفاحشة أمام من يتهمها، مما يدل على ارتباطه الوثيق بجانب الأخلاق والشرف، وعلاقته القوية بضبط النسب، وحق الزوج .

وقد كان تعظيم شأن البكارة معروفاً عند كثير من الأمم، حتى أهل الكنيسة في العصور الوسطى، حيث تُطالب الفتاة بالعفة قبل الزواج، وربما مارست بعض القبائل طقوساً دينية حول الفتاة الصغيرة للمحافظة على بكارتها، وكذلك العرب في جاهليتهم : كانوا يفخرون بسلامة نسائهم من الفواحش، فيعرضون دم البكارة على الناس بعد ليلة البناء بهن . وما زالت هذه العوائد تمارس عند بعض المسلمين في المجتمعات الإسلامية المعاصرة، فلا تزال بعض القبائل تمارس عادة التجمع لانتظار خروج القميص من غرفة نوم العروس ملطخاً بدم البكارة، فيبتهجون لذلك، وربما صاحوا وغنَّوا، فإذا لم يتم ذلك كانت مشكلة ومأساة اجتماعية، إلا أن هذه العادات آخذةٌ في الزوال، أو الضعف على أقل تقدير؛ بسبب تطور المجتمعات الحديثة، والانطلاقة التحررية في سلوك الفتيات الخلقي، حيث لم تعد للبكارة قيمتها المعنوية التي كانت عليها في السابق في المجتمع المسلم، وأصبح كثير من الفتيات ينتهكن حرمتها بدافع المغامرة، أو التجربة، أو التقليد للفتاة الغربية .

وأخذت بعض البلاد العربية تسنُّ الأنظمة والقوانين التي تخفف من وطأة تأثير زوالها المعنوي، ما دامت الفتاة راغبة في التخلص منها، وأما من بقي متعلقاً بأهميتها فإن الجراحة الطبية يمكن أن تُعيدها صناعية تشبه ما كانت عليه، فلم تعد البكارة - في كثير من المجتمعات المعاصرة - دليلاً كافياً على شرف الفتاة وطهارتها، مما يجعل من الضروري إعادة المفاهيم الإسلامية الصحيحة المتعلقة بالشرف والفضيلة إلى أذهان الفتيات، والتأكيد على أهمية العفَّة والطهارة حفاظاً على حق الله تعالى، وحق الزوج في الاطمئنان إلى شرف زوجته، وسلامة نسله .

ورغم حق الزوج الشرعي والطبيعي في فض البكارة، والمطالبة به؛ فإن بعض المجتمعات بعوائدها الاجتماعية المنحرفة في القديم والحديث : تسلبه الحق لتعطيه لسيد القبيلة، أو لرجل الدين، أو لطاغوت من الطواغيت الجبابرة، أو لأحد الأقرباء، أو للزوج نفسه ليفضَّها بأصبعه، أو من خلال الجراحة الطبية، وكل هذه طرق مخالفة للشرع والفطرة .

فأما مخالفتها للشرع فإن للبكارة شرفها، فمن أزال بكارة أنثى ولو بغير قصد فإنه يضمن مالياً ويُغرَّم، ومن حق الزوج أن يعلم ذلك ابتداء قبل العقد ما دام يخطب الفتاة على أنها بكر . ولا يجوز في ذلك رتق الغشاء مطلقاً، حتى وإن حصل فضُّه عفوياً بالوثبة، أو الحيضة، أو حمل الشيء الثقيل أو نحو ذلك، فهذه الأمور العفوية لا تخرج الفتاة عن كونها بكراً، وفي الوقت نفسه لا تسمح لأحد في الطَّعن في شرفها وعفَّتها؛ فقد أجمع العلماء على أن الزنا لا يثبت على الفتاة البكر بمجرد اكتشاف زوال بكارتها، وإنما يثبت بالإقرار، أوالشهادة، أو الحبل .

وأما مخالفة هذه العادات والتقاليد من جهة الفطرة : فإن الزوجين في حاجة نفسية لممارسة فض البكارة بصورة طبيعية دون تدخل أي عنصر آخر، وذلك للطبيعة العدوانية المتضمنة للرغبة في الإخضاع عند الذكور، والتي تحمل طابع السَّادية، وما يقابلها في طبائع الإناث من الرغبات المازوشية، المتضمنة لشيء من الميول السالبة، والرغبة في الخضوع والاستسلام، بحيث لو تمت عملية إزالة  البكارة بصورة غير طبيعية : أثر ذلك على نفسية الفتى ضعفاً وانهزامية، وخيَّم على الفتاة شعور تجاه زوجها بالاحتقار، مع ما تزيده هذه الطرق غير الطبيعية في نفس الفتاة من التوتر والاضطراب، بل إن مجرد زوال البكارة بطريقة عفوية، من جراء وثبة عنيفة، أو حيضة شديدة، مع تمام العفة والطهارة : يزعج الزوج، ويقلقه؛ لكونه لم يمارس ذلك بنفسه، في حين يُعتبر النجاح في هذه العملية : إنجازاً سعيداً، وخبرة حسنة، ومؤشراً لحياة زوجية مستقرة، خاصة عند الفتاة فإن للرجل الأول في حياتها مكانة خاصة ثابتة في ذاكرتها، لا يمكن أن تزول حتى وإن طُلقت، في حين لا تجد المطلقة قبل الدخول بها شيئاً من ذلك تجاه مُطلقها، وفي هذا المعنى يقول علي بن أبي طالب رضي الله عنه لمَّا سُئل عن الشيء الذي لا يُنسى ؟ قال : " المرأة لا تنسى أبا عذرها … "، يعنى زوجها الأول الذي دخل بها، فإذا فُضَّت البكارة بغير الطريقة الطبيعية : فات الفتاة على الخصوص هذه الخبرة والمتعة الخاصة، وحُرمت لذَّتها النفسية والمادية إلى الأبد، في حين لا يحصل هذا الأثر النفسي بعمقه عند الشاب ما دام قادراً على تكرار تجربة الزواج من جديد .

إن هاجس البكارة، والخوف من فضِّها : شُغلٌ يُقلق في الغالب الفتاة العروس، ويُعكِّر حماسها للحياة الزوجية : فيُؤثر عليها نفسياً فتشعر بالتعاسة والبؤس - حتى على مستوى الرؤى والأحلام - وربما يصل تأثير ذلك إلى بعض قوى جسمها حين يقترب منها زوجها، فتتقلص عضلات الفخذين والمهبل - بصورة إرادية أو غير إرادية - حتى يصبح الجماع عسيراً، أو مستحيلاً . وأقل ما يمكن أن تحدثه الفتاة الحائرة القلقة : التَّمنُّع الشديد، الذي قد يصل إلى حد انكسار شهوة الرجل، أو عداونه عليها، فليس كل الأسوياء من الرجال يستطيع أن يصبر، ويراعي ذلك من الزوجة إلا النادر منهم .

وأما تمنُّع الاستحياء من الفتاة العذراء، الضابطة لمشاعرها العاطفية، والتي لم تعرف الرجل قطُّ : فهو من السلوك الطبيعي، الذي لا يلبث طويلاً حتى يزول، ففاطمة رضي الله عنها بنت رسول الله r : لما دخل عليها عليٌّ رضي الله عنه بكت، وما تمكَّن منها إلا بعد ثلاث . فمن النادر أن " يدخلن فراش الزوجية بنفس تلك الحماسة الطيبة التي يدخل بها الرجال "، إلا أن المقياس النموذجي لأقصى مدة يمكن ان يستهلكها الزوجان الطبيعيان - دون عوائق طبيعية مانعة - أسبوع واحد، حتى تستأنس الزوجة، وتذهب وحشتها، وتتحقق الألفة، فقد خُصَّت البكر بسبعة أيام لحاجتها لذلك، ولتمكين الزوج من معالجتها، والتلطُّف بها؛ لما جُبلت عليه من النفرة من الرجال؛ إذ لم تعرفهم، ولم تباشرهم، كحال الثيب التي خُصت بثلاثة أيام، وليس عندها من النفرة ماعند البكر المستوحشة، بحيث لو زادت المدة المخصصة للبكر عن أسبوع - ولو بقناعة الرجل - تُعد خللاً في العلاقة بينهما، يحتاج إلى علاج .

إن مما يساعد الفتاة على تجاوز هذه القضية : أن تعلم أن البكارة ليست شؤماً على الفتاة؛ بل هي من النعم الربانية، فلو كانت من المساوئ لما خصَّ الله بها نساء أهل الجنة، فإن البكارة لا تنفك عن إحداهن، كلما أتاها زوجها: عادت بكراً كما كانت.

ومما يساعد على ذلك أيضاً: أن تدرك الفتاة دورها بصفتها أنثى، فإن هناك علاقة قوية بين شعورها بأنوثتها، وبين سهولة إقبالها على فض البكارة بصورة طبيعية دون معاناة كبيرة، وبقدر تنكُّبها للمسلك الأنثوي في أخلاقها، وميلها نحو الاسترجال : بقدر ما تبغض دورها الأنثوي، وتستنكف عن قبول صورة الاختراق الجسمي والنفسي اللذين تتطلبهما هذه العملية الطبيعية الفطرية .

ومن المستحسن أيضاً : أن ترافق الفتاة العروس ليلة الدخول بها امرأة عاقلة مجرِّبة، تصحبها إلى بيتها الجديد، وترشدها حتى تُسلمها إلى زوجها ليختلي بها كما هي السنة والعرف في القديم  والحديث . مع أهمية الدعاء الخالص بالتوفيق، والرقية الشرعية كما فعل الرسول r بفاطمة وعليٍّ رضي الله عنهما ليلة البناء .

وأما ما يجب على المجتمع تجاه العروسين فهو تجنيبهما الخبرات النفسية المؤلمة المتعلقة بهذه القضية الخاصة، والتي يُثيرونها عادة من خلال العادات والتقاليد الخاطئة، ومراسيم ليلة الزفاف، حتى إن الشاب - في أول الأمر - يكون في غاية اللياقة البدنية والنفسية، فإذا خلا بزوجته تحت هذه الظروف الاجتماعية المحرجة : كان في غاية الضعف والخور، فلا بد من كفِّ المجتمع عن مثل هذه العادات القبيحة، ولا سيما إذا عُلم أنه لا يجوز لأحد أن يسأل الرجل بعد دخوله بزوجته: " هل وجدتها بكراً أو لا ؟ لأن في هذا هتكاً لستر المسلمين، كما أنه ليس من الواجب على الفتاة العفيفة حين تفقد بكارتها بطريقة عفوية كالحادث ونحوه : أن تخبر زوجها بذلك قبل الخطوبة، ثم إن هناك بعض الفتيات الأبكار قد تصل نسبتهن إلى (15%) من الإناث يدخل بإحداهن الزوج فلا يتمزق غشاء بكارتها، بل ربما تُخلق إحداهن بلا غشاء من أصل الأمر، وكل هؤلاء يُعتبرن من الأبكار قطعاً، لا تضرُّهن هذه الأحوال في شيء .

وعلى الرغم من اهتزاز مفهوم البكارة في هذا العصرعند كثير من الناس، وضعف الشعور بأهميتها، وما رافق ذلك من هبوط أخلاقي عام : فإن نسبة كبيرة من الناس في المجتمعات الإسلامية لا تزال تعطي البكارة في الفتاة حقها ومكانتها، وتربطها بالعفة والشرف، حتى إن الفتاة البكر حين تسقط وتغفل فتقع في الفاحشة : تفضل الموت على أن تعيش بهذا العار في وسطها الاجتماعي، فقد سجَّلت بعض البلاد حالات انتحار لبعض الفتيات بسبب فقدهنَّ بكارتهن، وربما استغل بعض الأطباء ظروف بعضهن الاجتماعية المحرجة فيجري لهن عملية رتق البكارة مقابل مبالغ كبيرة، ولعل هذا الوضع الاجتماعي كان وراء اتجاه بعض الفقهاء المعاصرين نحو الفتوى بجواز رتق البكارة مطلقاً، لكل من ابتليت بذلك، سواء كان ذلك بإرادتها، أو بغير إرادتها، إلا من كانت مشهورة بالزنى، معروفة به، أو دخل بها زوجها دخولاً صحيحاً، وذلك لما في هذا الإجراء من الستر، وعدم تعريض الفتاة لمعاناة نفسية في المجتمع، قد تؤدي بها إلى الهلاك .