الصفحة الرئيسة @ المقالات التربوية @ التربية الجنسية للفتاة @ 17ـ ختان الإناث من الوجهة التربوية


معلومات
تاريخ الإضافة: 24/8/1427
عدد القراء: 3715
خدمات
نسخة للطباعة     إرسال لصديق

17- ختان الإناث من الوجهة التربوية

الختان هو الخفض أو الإعذار للجارية الصغيرة، وهو عملية جراحية خاصة بإناث بني آدم، تُجرى لهن عادة قبل البلوغ، تُستأصل فيها القُلْفة الصغيرة التي تعلو البَظْر كالقلنسوة، بين الشفرين الصغيرين فوق فتحة المهبل، تُشبه في شكلها العام عرف الديك، وتماثل في طبيعة تركيبها قُلفة الحَشَفَة التي تٌستأصل من القضيب عند الذكور، وهو من العادات الصحية القديمة، التي تعاقبت خبرات كثير من الشعوب على الأخذ بها، حتى بعض المجتمعات الأوروبية الحديثة إلى عهد قريب، وما تزال كثير من المجتمعات الإسلامية -ذكوراً وإناثا- منذ القديم وحتى اليوم تُمارسها وتُؤيدها، إلا أنها لا تجعل من ختان الإناث موسم فرح وبهجة كما هو الحال في ختان الذكور.

ورغم انتشار خفض الإناث في كثير من المجتمعات الإسلامية المُتعاقبة: فإن العلماء منذ القديم، وحتى في هذا العصر مُتنازعون في حُكمه على ثلاثة أقوال: بين الوجوب المُلزم وهم القلة، وبين إنكار مبدأ سُنِّيته، وبين القول بالاستحباب وعليه الأكثرون، ومنشأ هذا التنازع قائم على اختلافهم في الحكم على أسانيد الروايات النبوية الواردة في شأن خفض البنات بين القبول بها، وبين ردِّها، إلا أنه رغم هذا التنازع: فإن إجماعهم قائم -في العموم- على مبدأ المشروعية المطلقة على أقل تقدير، حتى وإن لم يكن ذلك واجباً، أو سنة، أو مستحباً، خاصة وأن صاحب الشريعة عليه الصلاة والسلام قد نصَّ صراحة على: أن ذلك الموضع من الأنثى موقع للختْنِ، حيث قال في الحديث الصحيح: (( إذا جلس بين شعبها الأربع، ومسَّ الختان الختان: فقد وجب الغسل)).

وعادة الخفض في المجتمعات الإسلامية كغيرها من العادات التي تتعرض لجانبي الإفراط والتفريط: بين من ينكرها جملة دون تفصيل، ويعتبرها ممارسة همجية إجرامية في حق الإناث، ويعقد المؤتمرات التي تدين ممارستها، ويسنُّ القوانين التي تجرِّم وتعاقب متعاطيها، وبين من يتعمق في الأخذ بها حتى يتعدى حدود المشروع فيها إلى درجة الإضرار بصحة الفتاة العامة: النفسية، والجسمية، والجنسية، وكلا الاتجاهين مذموم: فالفئة الأولى يردها الإجماع، الذي يستحيل نقضُهُ، وأما الفئة الأخرى فيردها الضمان المالي، الذي يصل أحياناً -بحسب حجم الجُرْم- إلى مقدار الدِّية الكاملة، فالتطبيق الخاطئ في بعض المجتمعات لختان الإناث، وتجاوزهم في ذلك، لا يبرر لأحد المنع المطلق من تطبيق الحكم الشرعي في ختانهن، وقد مرت فترة قريبة على الغربيين لم يحبذوا فيها ختان الذكور، فلما تبين لهم فضله وأهميته: أخذوا به، فقد وصلت نسبة الآخذين في حق الذكور 85%، ولعلهم حين يتبين لهم في المستقبل فضله في حق الإناث: يأخذون به أيضاً.

والخفض على منهج السنة النبوية إذا أجري على أصوله الجراحية دون مبالغة، وكان بين يسير القطع، وبين الاستئصال الكامل، اللذين عبر عنهما الرسول r بالاشمام والإنهاك: كان هذا الخفض من الناحية الجسمية نافعاً وصحياً، ولا ضرر منه على الفتاة؛ إذ لا يعدو أن يكون عملية تجميلية صغيرة لا تغير كثيراً من منطقة الأنثى التناسلية، أما آثاره التربوية على سلوك الفتاة الجنسي من تلطيف الميل الجنسي عندها، وتوجيهه نحو الاعتدال: فهي المقصودة بالدرجة الأولى من عملية الخفض؛ إذ لا يُتصور أن تُكشف العورات، وتُنْتهك حُرمة الأجساد لغير جليل من الأمر.

وقد اتّضح من خلال أعمال التشريح الطبي، والبحوث الميدانية المتعددة، وخبرات الشعوب المتراكمة: أن البَظْر -الذي يقصد بعملية الخفض- هو زناد شهوة الأنثى الجنسية، وسرُّ إثارتها، ومركز دائرة استمتاعها، فرغم التوزيع الطبيعي لمواضع الإثارة الجنسية في أجسام الإناث، إلا أن هذا العضو منهن يحظى بحساسية مرهفة زائدة -تفوق حساسية القضيب عند الذكر- مع قدرته الفائقة على التوتر والانتشار، حيث تُغذِّيه شبكة دقيقة من الأوعية الغنية بالدماء، تجعل من هذا العضو الصغير أداة عنيفة للتهييج الجنسي، الذي تأباه -ولو كان بصورة مشروعة- تربية الفتاة وثقافتها الدينية، حتى إن مجرد احتكاكه المباشر بملابس الفتاة -بصورة عفوية- كافٍ لحصول شيء من الإثارة الشهوية؛ ولهذا حُفظ هذا العضو المثير مُخبَّأً بين شفْرين صغيرين، محمياً بعظم العانة المكسي بالأنسجة الدهنية السميكة، ليبقى بعيداً بعض الشيء عن الاحتكاكات العفوية المثيرة أو العنيفة، وإلى هذا الحد تبقى معاناة الفتاة الجنسية من هذا الموضع في حدود إطارها الطبيعي، الذي لا يكاد يغيب عن تجربة الفتاة الشابة.

وتظهر المشكلة الجنسية عند الفتاة إذا تجاوز نمو البَظْر -لسبب ما- حدَّ الاعتدال، حتى يبرز من مكْمنه؛ ليصبح أداة إثارة دائمة، وإزعاج جنسي: بحيث يعوق الرجل عن كمال الاستمتاع في المناسبات الزوجية، ويزيد من نهم الفتاة الشَّبقي حتى لا تكاد ترتوي من بعْلها، مما قد يسوقها بالتالي إلى شيء من الارتكاس الفطري فيما يُسمى: بالتثْبيت البَظْري، فلا تستمتع بصورة كافية من الموضع الذي يُولج فيه الرجل؛ لكونه منعزلاً بعض الشيء عن موقع البظر، إلى جانب أنه أقل حساسية وإثارة منه، فتبقى متعتها خارجية، محصورة في هذا العضو المُتضخم.

وأقبح من هذا وأرذل: أن يدفعها جُوعها الجنسي، وحاجتها المتنامية للإشباع نحو الشذوذ الجنسي، فتستنكف مقام الأنثى، وتأبى أن تكون فراشاً لمتعة الرجل، فتتشبه بمسلك الذكور في طباعهم وجراءتهم؛ ولهذا تُسمى المرأة الوقحة من هذا الصنف: "بظْرير" نسبة إلى هذا المتاع من الأنثى، وقد وُجد بالفعل أن هناك علاقة كبيرة بين ضخامة هذا العضو، وبين الشذوذ الجنسي عند بعض الإناث، وطباع الاسترجال في سلوكهن؛ ولهذا فقد كانت معالجة نمو البظر الزائد عن حدِّه الطبيعي موضع اهتمام عند بعض الأطباء، وهو ما يُسمى بالأدب الجراحي.

ومن هنا يأتي دور الختان؛ ليقوم بعملية خفض لهذه الطاقة الشهوية الناشزة في سلوك الأنثى الجنسي والخلقي، وتعديلها على نحو يتناسب -إلى حد ما- مع مقدار طبيعة المهبل الشهوية، ليبقى موضع منْبت الولد الذي قصده الشارع الحكيم: مطلوباً من الجنسين، عامراً بمياه الرجال؛ لتقوم بذلك أسباب الحياة البشرية.

ومن جهة أخرى فإن الأنثى بطبيعتها الخاصة، وبما تفرضه عليها الظروف الاجتماعية، والإلزامات الشرعية: تتعرض بصورة كبيرة لفترات من الامتناع الجنسي، والحرمان العاطفي، والتربُّص والانتظار، الذي تحتاج معه إلى شيء مما يُعينها على تسكين الغُلْمة، وكسْر الشهوة، خاصة وأن طبيعة استمتاعها الجنسي تفتقر -بصورة كبيرة- إلى طرف آخر، مما قد يدفعها نحو الانحرافات الجنسية المختلفة، وقد أثبت البحث الميداني والتاريخي أن الفتيات المختونات أقل انحرافاً جنسياً من غير المختونات؛ ولهذا كان بعض الأوروبيين -إلى عهد قريب من القرن العشرين- يتعاطون الختان لضبط سلوك الفتيات الجنسي، وحفظهن من الانحراف الخلقي.

ولا يُفهم من هذا أن الفتاة المختونة فاقدة للشهوة الجنسية -كما يزعم البعض- أو محرومة من حاجتها الكافية من الاستمتاع؛ فإن الشارع الحكيم لما أوصى بالإشمام ونهى عن الإنهاك: قصد تعديل الشهوة، ولم يرد قطْعها، فإن في قطعها نقضاً للحكمة من مبدأ تركيبها مع ما في ذلك من تنفير الأزواج، ومن جهة أخرى فإن في تركها متوافرة: مَخُوْفٌ على سلوك الفتاة الخلقي.

ورغم أن البظراء تُثار بصورة أسرع، وتجد من اللذة الجنسية أكثر مما تجده المختونة، فإن المختونات أيضاً هن الأخريات يستمتعن بصورة جيدة وطبيعية، إلا أنهن مع ذلك في مأمن من الإثارة الجنسية غير المرغوب فيها، ومع هذا فليس كل الفتيات يُخفضْن؛ بل يُراعى في ذلك طبيعتهن الوراثية والمزاجية، وظروفهن الاجتماعية، وعادة بلادهن؛ بحيث يدور حكم ختانهن مع الأحكام الخمسة حسب الحاجة في غير إضرار، مع ضرورة وجود تلك الفضلة الزائدة التي تصلح أن تكون موضعاً للقطع من الأنثى في غير تكلّف؛ فإن بعض الفتيات -من أصل الخلْقة- لا يملكن موضعاً للختْن.

ومع كل ما تقدم فإن الختان في الجملة: فطرة إنسانية، ومكْرمة نسائية، وطهارة حسِّية وروحية، وشعيرة إسلامية، وعلامة بارزة على أهل التوحيد، يُعرفون بها، وما زال كثير من المجتمعات الإسلامية -بصورة طبيعية معتادة- يأخذون بناتهم بالخفض كما يأخُذونهن بثقب الأذن، وخرم الأنف، فلا ينكر أن يكون قطع هذه الجلدة علماً للعبودية؛ فإن الوسم بقطع طرف الأذن، وكيِّ الجبهة، ونحو ذلك في كثير من الأرقاء علامة مُميزة لساداتهم، يُعرفون بها، فلا يُنكر أن يكون قطع هذا الطرف علامة على عبودية صاحبه لله تعالى، فيكون الختان علماً لهذه النسْبة الشريفة، مع ما فيه من الطهارة والنظافة واعتدال الشهوة.

وعلى الرغم من أن مبدأ الختان في -الجملة- شريعة معلومة في أصل دين أهل الكتاب من اليهود والنصارى، مع أنهم يأخذون به في حق الذكور دون نكير، ويقرُّون عمليات تصغير أثداء النساء، ووشم الأجساد للزينة، وخرق الألسن للحلي، بل وخرق ذكور الرجال أيضاً لوضع الحلي، إلى غيرها من صور التشويه الخلقي، وأقبح من ذلك تواطؤهم على إباحة اللواط والزنا والخمر والتدخين، وأنواع من المخدرات، ومع كل ذلك يشاغبون المسلمين في مبدأ مشروعية ختان الإناث، ولا شك أن مجاراة الغرب في أهوائهم لن تقف عند حد، فإن اعتراضاتهم لن تنتهي عند تنازل المسلمين عن مشروعية ختان الإناث، وإنما تفضي إلى ما هو أبعد من ذلك بكثير، وصدق الله تعالى إذ يقول: {وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ …} [البقرة:120].