الصفحة الرئيسة @ المقالات التربوية @ التربية الجنسية للفتاة @ 14ـ حفظ الفتاة من الوقوع في فاحشة الزنا
14- حفظ الفتاة من الوقوع في فاحشة الزنا
يعتبر الزنا من كبائر الذنوب، الموجبة لغضب الله تعالى وغيرته، والجالبة للهلاك والدمار الشامل، لما فيها من الاعتداء على حق الله تعالى، وانتهاك حرمة الفرج الحرام؛ إذ هو في الشريعة أعظم جُرماً من انتهاك حرمة الأموال.
ومع كون الزنا علاقة جنسية محرَّمة بين ذكر وأنثى، يستويان فيها أمام الشريعة في مبدأ المُؤاخذة والمحاسبة: فإن الفتيات المنحرفات ألصق بهذه الجريمة الخلقية من غيرها من الجرائم، وأكثر تورطاً فيها من الذكور، ولهذا يُعد وصف البغاء وصفاً خاصاً بالمرأة الفاجرة، وقد أشار المولى U في كتابه العزيز إلى هذا المعنى حين قدَّم ذكر الزانية على الزاني في إقامة الحد.
وقد شهدت المجتمعات المعاصرة ولاسيما غير المسلمة -بنسب مرتفعة- انتشار فاحشة الزنا بصور لم يسبق لها مثيل في التاريخ خاصة بين الفتيات، حيث تعيش 60% من الشابات مع رجال دون عقود زواج، وما بين 50-75% من الإناث يُنجبن أطفالاً خارج نطاق الزواج، وفي تقرير للمعهد الوطني الفرنسي للأبحاث الديموغرافية أن 40% من نسب الولادات تتم خارج نطاق الحياة الزوجية، وقد كشفت دراسة أجريت في بعض دول أوروبا عام 1992م أن 99% من الإناث يفقدن بكارتهن بوصولهن سن السابعة عشر، بل إن البكر دون السادسة عشرة يندر وجودها في بعض هذه البيئات الاجتماعية المنحرفة، ومن أعجب ما يُروى في هذا الشأن: أن طفلاً "ترك اسم أبيه ناقصاً في الاستمارة المدرسية، وقد أفاد الطفل بأنه غير متأكد ممن عساه أن يكون أباه … وعندما حضرت الأم إلى المدرسة، أظهرت شدَّة أسفها لأنها هي أيضاً لم تكن متأكدة من اسم والد الطفل، ولم تُظهر أي ارتباك في ذكر هذا الأمر".
وقد نتج عن هذا الوضع العالمي المنحرف: توسع الفتيات الهائل في علاقاتهن وممارساتهن الجنسية لتشمل حتى المحارم من الذكور، وتصل ببعضهن الغواية الجنسية إلى حد الاحتراف، بحيث يقعن تحت سلطان شبكات الدعارة العالمية أو المحلية المنظمة، فتصبح إحداهن كالأمة المُسْترقة لا خلاص لها، في الوقت الذي يتَّفق فيه العالم على محاربة البغاء، وتجمع كل الدول على منع الرِّق بصوره المختلفة؛ خاصة ما يُسمى بالرقيق الأبيض، الذي تُمْتلك فيه الفتاة الحرة معنوياً للقوَّادين، يستذلُّونها جسدياً بهدف الربح المادي، كما كان الفجَّار في عصر الجاهلية يستخدمون الإماء، وهذا النوع من الرق المعنوي أقبح -في الحقيقة- من الرق الحسي، الذي يعرفه صاحبه، ويسعى فيه لخلاص نفسه.
ولئن كانت المتاجرة بأعراض النساء أو ما يسمى بالبغاء التجاري أمراً قديماً فإنه في هذا العصر أوسع من ذي قبل، وأكثر شيوعاً، فقد ارتبط بالحياة الحضارية، وأصبح ظاهرة من ظواهرها المعتادة، ولاسيما في الفترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، التي شهدت توجهاً عالمياً صريحاً، ومتزايداً نحو نشر المعرفة الجنسية، والتسامح في العلاقات المحرمة بين الجنسين، حتى إن ألمانيا اعترفت مؤخراً بالبغاء، واعتبرته مهنة رسمية كسائر المهن الأخرى.
إن العالم الإسلامي المعاصر لم يكن بمنأى عن هذه الانحرافات الجنسية بصورها المختلفة: فإن ظهور الزنا نبوءةٌ صادقة، وتتبُّع سَنَنِ أهل الكتاب سبيل هذه الأمة المحتوم، فما من انحراف عندهم -أيا كان نوعه- إلا كان للأمة نصيب منه حتى زنى المحارم، وقد شهد واقع المجتمعات الإسلامية المعاصر صوراً مشابهة -بنسب مختلفة- تطابق - إلى حدٍّ ما- جميع أنواع الانحرافات الجنسية في المجتمعات الكافرة، حتى إن الأمة الإسلامية اليوم لا تنتظر من أنواع الانحرافات الجنسية المتوقَّعة في ديارها إلا التسافد في الطرق، وافتراش النساء فيها، اللذين أخبر بوقوعهما المعصوم عليه الصلاة والسلام.
وتتَّضح المشكلة بصورة أوضح بالنسبة للعالم الإسلامي حينما تسجل الإحصائيات الرسمية أن جريمة الاختلاء المحرّم بين رجل وامرأة تأتي ثاني الجرائم الأخلاقية من جهة الترتيب في المملكة العربية السعودية، التي تُعد أكثر دول العالم محافظة وأمناً، مما ينبه إلى خطر داهم، ويشير إلى نسب في دول أخرى عربية وإسلامية تفوق هذه كماً وكيفاً.
وقد لاحظ الباحثون أن العوامل التي تدفع الفتاة للوقوع في فاحشة الزنا بأنواعها وأساليبها المختلفة ترجع غالباً إلى ثلاثة أنواع من العوامل:
عوامل اجتماعية: من حيث تفريط المجتمع في المبادئ والقيم الأخلاقية، من خلال إشاعة الفواحش والتحريض عليها بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، وتعطيل حدود الله تعالى، مما يجرِّئ المنحرفين على الوقوع في الفواحش، إلى جانب ضعف مهمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فلا يجد المنحرفون في المجتمع من يردعهم عن الوقوع في الانحرافات، أو على الأقل ينصحهم بترك الخطأ، والالتزام بالآداب والأحكام الشرعية.
عوامل أسرية: من حيث تحلُّل الروابط العائلية، وكثرة المنازعات الوالدية، وسوء التربية بضياع القيم الدينية والأخلاقية، والقسوة الأبوية المفرطة، مع فقدان الرقابة الأسرية الواعية على سلوك الفتيات ، إلى جانب ظروف الأسرة الاقتصادية المُختلَّة، التي تُلْجئ الفتاة بقسْوتها -في بعض الأحيان- إلى الاتجار بجسدها في المجتمع، وتدفعها داخل الأسرة للاحتكاك الجسدي بمحارمها، إذ لا تستطيع الأسرة الفقيرة لضيق المكان: أن تطبِّق آداب الاستئذان، ومبدأ التفريق بين البالغين في المضاجع، فضلاً عن تطبيقها هذا الأدب الإسلامي مع الأطفال المقاربين للبلوغ.
عوامل شخصية: من حيث طبيعة الفتاة العدوانية، ورغبتها في الاستقلال عن الأسرة، وبلوغ حدِّ الرشد، والاطمئنان من خلال احتكاكها بالجنس الآخر على كمال نموها الأنثوي، وقدرتها على الحمل، مع اشتداد جوعها العاطفي، وافتقارها إلى الحب، ورغبتها في الاستمتاع الشهواني، إلى جانب إخفاق الحياة الزوجية، والحقد على عنصر الرجال، وضعف مستوى الإدراك العقلي، وشعور بعضعهن بالاحتقار الاجتماعي، والرغبة في مزيد من الكماليات المادية، فلئن كان هناك نسبة من محترفات البغاء سلكن هذا الطريق المنحرف بسبب الفقر: فإن نسبة كبيرة منهن سلكنه لمجرد الرغبة في الرفاهية المادية، وتحسين وضع أسرهن الاقتصادي، والمنافسة مع القرينات، ولما يحملنه في نفوسهن من الفسق والفجور، حتى إن بعضهن يدخلنه تطوعاً بلا إكراه، ولا يرغبن العدول عنه، فتندفع إحداهن بطيشها، وفجورها في مهاوي الرذائل والقبائح الخلقية.
إن هذه العوامل المتعددة رغم أهمية بعضها وخطورته، وضرورة إشباعها: لا يمكن أن تكون عذراً كافياً لوقوع الفتاة في مهاوي الفاحشة والرذيلة؛ فإن الإسلام لا يُجيز للفتاة المسلمة -تحت أي ظرف- أن تُمكِّن بإرادتها رجلاً من نفسها، يستمتع بها بغير حق وهي قادرة على دفعه، إلا أن تُغْلب على أمرها، فلا تستطيع شيئاً.
والواجب الشرعي يحتم على المجتمع والأسرة أن يقوم كلٌ بواجبه تجاه الفتاة، بما يحقق رغباتها، ويسد حاجاتها، ويحفظها من الانحراف ضمن الحدود الشرعية، وفي الجانب الآخر فإن الواجب الشرعي على الفتاة أن تلتزم بما أوجبه الله عليها من المحافظة على نفسها وعرضها، وأن تجاهد في هذا السبيل مستعينة بالله، سواء قام المجتمع والأسرة بواجباتهما تجاهها، أم لم يقوما، فإن تقصير المجتمع أو الأسرة في واجباتهما، لا يُعفي الفتاة من القيام بواجبها تجاه نفسها قدر استطاعتها.