الصفحة الرئيسة @ المقالات التربوية @ التربية الجنسية للفتاة @ 6ـ تقبُّل الفتاة للدورة الشهرية


معلومات
تاريخ الإضافة: 24/8/1427
عدد القراء: 2912
خدمات
نسخة للطباعة     إرسال لصديق

7- تقبُّل الفتاة للدورة الشهرية

إن محاولة علاج المشكلات المتعلقة بالدورة الشهرية، والتخفيف من آثارها السلبية على نفس الفتاة، وصحتها العامة: ينطلق في منهج التربية الإسلامية من أربع نواح مهمة، وذلك على النحو الآتي.

الناحية الأولى: شرعية، حيث ربط نظام الإسلام بين الحيض، وبين العديد من الأحكام الشرعية المتعلقة بالعبادات والمعاملات، حتى إن المتأمل يجده طبيعة فطرية مهمة لضبط عبادات النساء، وعلاقاتهن الزوجية؛ لهذا أوجب الشارع الحكيم عليهن تعلُّم أحكامه، وجعلهن في كل ذلك مؤْتمنات على ما يجري في أرحامهن، مُصدَّقات فيما يخبرن عن أحوالهن الخاصة، فهذا النزيف الدموي المتكرر من هذه الجهة نعمة، وليس بنقمة.

الناحية الثانية: نفسية، حيث تجد الفتاة في تقبُّلها لهذه الطبيعة الأنثوية، وحسن توافقها معها: تعزيزاً لجانبها المعنوي؛ لأنها بتوافقها، ورضاها عن هذه الحالة النسائية الفطرية، تمارس عبادة لله تعالى وتؤجر عليها؛ وذلك من خلال أسلوب الترك لبعض أنواع من الشعائر التعبدية، فهي لا تترك هذه العبادات لكونها أصبحت بالحيض نجسة، أو ناقصة الأهلية، فإنها بإجماع المسلمين طاهرة الذات، كما أنها كاملة الأهلية؛ وإنما تترك بعض العبادات طاعة لله تعالى حيث أوجب ذلك عليها زمن الحيض، لا لمجرد كونها تنزف دماً، فإن المُستحاضة هي الأخرى تنزف دماً -وكلاهما نجس بالإجماع كسائر الدماء السائلة- حتى إن الأطباء لا يفرِّقون بينهما من جهة المدة لو لا أن الشارع الحكيم فرق بينهما، ومع هذا لا تمنع المُسْتحاضة من العبادات والممارسات التي تُمنع منها الحائض والنفساء، فلا تأثير لدم الحيض على شخص الفتاة باعتبارها إنساناً، وإنما تأثيره في المنع من الجماع، وعلة ذلك الضرر الثابت، وفي الأثر عن عائشة رضي الله عنها قالت: "إذا حاضت المرأة حَرُمَ الحجران"؛ يعني الفرج والدبر، وأما تأثيره في سلوكها العبادي فلا يُعلَّل؛ لكونه عبادة، والعبادات لا تعلَّل؛ إذ الأصل فيها الانقياد والخضوع، فالأمر التعبدي هو "الأمر الذي لا تدرك له علَّة، ولا يتوصل العقل إلى معرفة كُنْه سرِّ تشريعه، كعدد ركعات الصلوات المفروضة"، ومع هذا فأمر الحيض مُنْحصر في: الصلاة، والصيام، والمكوث في المسجد، وقراءة القرآن، وما عدا ذلك فهي كما كانت قبل الحيض وبعده، وهذا هو حدُّ نقصان الدين عند الحيَّض من النساء، وفي الحديث:((  نقصان دين النساء الحيض)).

الناحية الثالثة: صحية، من حيث أن سيلان دم الحيض -في حد ذاته- دليل على اكتمال نمو الفتاة، وسلامتها الصحية، وقدرتها على التناسل، فإذا اجتمع إلى ذلك: اعتدال عدد أيامه، وانضباط زمن سيلانه: كان دليلاً جيداً على كمال صحة الفتاة النفسية والجسمية، في حين تُعد الفتاة التي لا تحيض ناقصة مَعِيبة؛ فإن انقطاع الحيض -في حد ذاته- يأس وحرجٌ، واحتباسه، أو اضطراب سيلانه: مرض وأذى، فعُلم من ذلك أن الحيض صحة للفتاة، تتخفَّف بخروجه من آفاته وعلله -تماماً- كما تتخفف من باقي أنواع الفضلات التي تتأذى باحتباسها، مع كونه أمارة سلامتها للإنجاب؛ ولهذا لما أراد الله تعالى إكرام نبيه زكريا u : أصلح له زوجه بأن جعلها صالحة للولادة برد الحيض إليها بعد أن كانت عاقراً؛ فالحيض صلاح للنساء، "والفتاة القابلة لأُنوثتها بشكل خالٍ من الصراعات، والمتوافقة مع انتمائها الأنثوي: تنتظر الحيض باعتزاز كدليل على المرور إلى النضج، والأنوثة الفعلية".

الناحية الرابعة: اجتماعية، حيث الخجل الشديد الذي ينتاب الفتيات من سيلان الدم، وما يصدر عنه من رائحة كريهة، مما قد يسوقهن إلى بعض السلوكيات الاجتماعية والصحية الخاطئة، تحاشياً منهن للحرج الاجتماعي والأسري، وقد عالج نظام الإسلام التربوي بصورة جذرية هذه الناحية بإجازة مخالطة الحائض بصورة طبيعية دون تحفُّظ؛ حتى تبقى قضية الحيض في حدود حجمها الطبيعي، تخدم صحة الفتاة العامة، وتضبط نظام عباداتها ومعاملاتها الشرعية، وقد وضع رسول الله r من خلال معاملته للحُيَّض الأسلوب الاجتماعي الأمثل، الذي يحدُّ من معاناة الفتيات لهذه المسألة، ويحصرها في زاويتها المحدودة ؛ فقد كان يبلغ من الحائض مبلغاً عظيماً: فيؤاكلها ويشاربها، ويصلي بجوارها، ويقرأ شيئاً من القرآن في حجرها، وربما خالطها مباشراً لها، فلا يتحاشى من ذلك إلا الجماع، حتى إنه ربما وضع خدَّه وصدره الشريفين على فخذ إحداهن وهي حائض، بل ربما نال دمُها رحْلَه على دابته، أو كساءَه الذي يُصلي فيه، أو ثوبه مما يلي جسده الشريف حتى يراه الناس، فلا يزيد في كل هذه المواقف المتعددة على الأمر بغسْله دون نكير، أو تثريب، فلم يثبت عنه عليه الصلاة والسلام في كل جوانب عشرته للنساء عموماً، ولزوجاته خصوصاً ما يدل على استقذاره، أو نفوره من شخص الحائض، أو مما ينساب منها؛ لكونه يصدر عنها تلقائياً بغير إرادة منها، فهذه الصور الواقعية للممارسة النبوية تبقى مثالاً حياً للطريقة الاجتماعية الصحيحة في رعاية الفتيات، والنساء عموماً حين يتلبَّسن بحال الحيض أو النفاس.

ومع كل ما تقدم في هذه النواحي الأربع تبقى مسألة الدماء الطبيعية بالنسبة للأنثى وأوليائها أداة حبسٍ وتعطيل، لا تنفك معاناتها النفسية والاجتماعية عن تجربة الفتاة الحائض، مهما كان نصيبها التربوي من الرعاية والعناية الخاصة، ومهما كان مقام وليِّها من الفضل والسؤْدد؛ ففي حجة الوداع لما حاضت عائشة رضي الله عنها، تمنَّت أنها لم تحج ذلك العام، وقالت متذمِّرة منكَّسة: "… لا أحسب النساء خلقن إلا للشر"، ولما بلغ رسول الله r عند نفْره من منى خبر حيض صفية بنت حيي رضي الله عنها، وكونها بسبب حيضها سوف تعوق الركب عن السفر: دعا عليها بالعُقم، وحلق الرأس، بما هو معلوم عند العرب في مثل هذه المواقف المحرجة، حيث قال لها: ((عَقْرَى حَلْقى، إنك لحابستُنا… ))، ومن هنا فلا بد أن توطن الفتاة نفسها على مكابدة هذه الأنواع من المعاناة الطبيعية التي لا بد منها، مع الرضا بها على أنها نوع من الابتلاء الذي يتطلب الصبر، مع التقبل لها، والتوافق معها، دون تذمُّر ، أو تسخُّط.