الصفحة الرئيسة @ المقالات التربوية @ التربية السياسية للفتاة @ 12ـ الأنوثة والمسؤولية العسكرية
إن نظام الإسلام في إعفائه للإناث عن المسؤولية العسكرية يراعي منهن التكوين الطبيعي والاستعداد الفطري في جانبين رئيسين:
الجانب الأول: جسمي، يُراعى فيه محدودية قدرات الإناث البدنية التي تبدو واضحة لأول وهلة، فلا يصلحن – غالباً– للمهمة العسكرية ومعاناتها الصحية؛ لهذا غلب على الجندية في عصورها المختلفة طابع الرجولة، فلا تزال حتى في هذا العصر– الذي تطورت فيه الآلة الحربية – تفتقر إلى القوة الجسمية، والمهارات الحركية التي تتعارض بوضوح مع الطبيعة الأنثوية، فلاتزال القطع والمعدات الحربية محتاجة في تشغيلها إلى كمال البنية الجسمية العامة، والمهارات اليدوية العالية؛ لهذا فإن الأسلحة بشكل عام – خاصة المعقَّدة منها – قد هُيِّأت فنيِّاً لاستخدامات الرجل، وأعدت تقنياً حسب قدراته وطبيعته الجسمية، بحيث تشكل القطعة الحربية مع الرجل الذي يتعامل معها وحدة فعالية متجانسة ومتطابقة. فإذا ما قُدِّمت الفتاة المُجنَّدة إلى تلك القطعة الحربية قام التنافر بينهما. ولهذا لا يُعرف للمرأة أسلحة تستعملها غير تلك التي أعدت للرجل، بل ولا يعرف عنها اقتناء السلاح، أو الاهتمام به، حتى اللاتي كنَّ يخرجن مع النبي r في بعض غزواته لم يكن يخرجن بالسلاح؛ ولم يثبت عن أيٍّ من زوجات النبي r أو نساء آل البيت أنهن حملن السلاح قط؛ وإنما يلتقط بعض النساء الجلدات السلاح– حال الهزيمة– من أرض المعركة، كما فعلت فريدة النساء أم عمارة نسيبة بنت كعب رضي الله عنها يوم أحد؛ فرغم مشاركتها في القتال لم تخرج بسلاح، وإنما خرجت بسقاء ماء للجرحي. وأم سليم رضي الله عنها لما خرجت بمجرَّد خنجر تدافع به عن نفسها: أنكر عليها زوجها أبو طلحة رضي الله عنه، ورفع أمرها للنبي r، بل إن المرأة الفاضلة ربما تُذم بحملها القوس وركوبها الخيل؛ لما فيه من التشبه بالرجال. ومن هنا جاء قصر أسهم الغنائم على المقاتلة من الرجال، وإنما تُعطى المرأة الغازية من العطاء العام ولا يُسهم لها كما يُسهم للرجال. وقد كان من بين أسباب كراهية رجل الجاهلية للمرأة كونها ضعيفة عن حمل السلاح، والدفاع عن القبيلة، مما حطّ من مكانتها عندهم؛ ولهذا تشير إحدى الدراسات المعاصرة إلى أن مساواة المرأة بالرجل لا تتأتى إلا حين تتمكن المرأة من القيام بالمهمة العسكرية كالرجل. ولعل التوجه الغربي المعاصر نحو تجنيد النساء: إفراز من إفرازات الدعوة للمساواة بين الجنسين.
ورغم بروز هذه الطبيعة الأنثوية العامة: يبقى للشذوذ النسوي حدوده الواقعية التي لا يتعداها، فكما أن في عظماء الرجال من يجبُن عن القتال، فإن في بعض طبقات النساء – في كل عصر – من قد تساوي بعض الرجال في القوى البدنية، ومهارات التدريب القتالية، وتتفوق – بصورة نادرة– في الصبر والجَلَد على القتال والفداء، حتى لربما كانت الجراح والموت عند إحداهن أهون ما يكون، بل ربما وُجد منهن من تقود الجيوش، وتغزو بالرجال: وكل ذلك لا يُغير من الحقيقة الفطرية شيئاً؛ إذ لكل قاعدة شواذ، والحكم دائماً في مثل هذه الأمور للأغلب والأعم، والمرأة المقاتلة لا تكاد توجد إلا على الندرة؛ ولهذا لا يذكر أحد من النساء عند ذكر قوائم أسماء شهداء بعض المعارك الإسلامية.
ومع ذلك فإن سلطان الأنوثة الفطري لا يمكن أن يتخلف بالكلية حتى عن سلوك نوادر النساء، فلابد أن يظهر إحْكامه – ولو من بعيد– في صور من الكفِّ والإلجام لاندفاعهن الحاد؛ فالنساء الخارجيات اللاتي لا يُعرف لهن– في الجملة– مثيل في الفداء والجلد على القتال؛ لما يعتقدن من وجوب الجهاد عليهن: إذا هُدِّدن بكشف عوراتهن أحجمن عن القتال، فقد كان يكفي جمهرتهن للكفِّ عن القتال: أن تُقْتل إحداهن ثم تُلقى عارية في الطريق بغير ثياب، ولهذا كان الخارجيات زمن عبيد الله بن زياد إذا دُعين إلى القتال قلن: " لولا التعرية لسارعنا"، فأيُّ قيمة للبدن تبقى لإحداهن بعد ذهاب الروح غير هذا المعنى الأنثوي الفطري المُلح، الذي يبقى متماثلاً– ولو بصورة هزيلة– أمام تيار العنف السلوكي العارم في أبلغ صوره النسائية.
الجانب الثاني: نفسي: يُراعى فيه محدودية طاقة التحمل النفسي عن الإناث، فإن " الحياة العسكرية تتسم بشدة ضغوطها النفسية على الفرد"، وتهدده بصورة مباشرة – من خلال قسوة التجربة القتالية– في سلامته النفسية، التي تعكس – بالتالي– آثارها السلبية على جوانب صحته العامة، حين لا يكون له من القوى النفسية ما يكفي لحفظ اتزانه الداخلي، وقد عاش هذه المعاناة والاضطرابات النفسية حوالي ثلث الجنود الأمريكيين الذين شاركوا في حرب بلادهم مع فيتنام. فرغم اشتراك الجنسين في مجمل هذه المعاناة، وانعكاساتها النفسية، فإن آثارها في الإناث أعظم، وفعلها فيهن أبلغ؛ إذ هن بالفطرة أكثر خوفاً من الرجال، وأشد منهم قلقاً من الموت وأسبابه، وأعظم تأثراً بمواقف العذاب والآلام، حتى إن شدة معاناتهن النفسية لتنعكس بصورة سلبية على سلامة أداء وظائفهن العضوية والعقلية، وربما كان مجرَّد الخبر المُفزع سبباً كافياً لاضطراب إحداهن النفسي، وإسقاط حملها.
بناء على هذه الحقائق الفطرية – المتقدمة– في كيان الإناث الخلْقي والخلُقي، وما تعكسه من آثار سلوكية واضحة على الجانبين النفسي والجسمي بما يحدُّ من تمام عطائهن العسكري بوجه عام : يمكن في ضوء هذه المعطيات الفطرية تفسير أسباب تخلفهن العسكري العام من جهة العدد، ومن جهة القيادة. فرغم الانفتاح القانوني الذي يشهده العالم المعاصر أمام مشاركة النساء في الميادين العسكرية المختلفة، وانخراط فئات منهن في غالب قطاعات السلك العسكرية بفروعه المتنوعة، حتى أمكن تكوين فرق نسائية كاملة في بعض البلاد؛ إلا أن مجمل أعدادهن – رغم ذلك – لاتزال قليلة إذا ما قُوبلت بأعداد الذكور؛ ففي حرب الولايات المتحدة الأمريكية مع فيتنام – وهي من حروب النصف الثاني من القرن العشرين – شارك ثلاثة ملايين من الرجال عبر سنوات الحرب مقابل سبعة آلاف امرأة، يعني بنسبة (0.2%) فقط. كما أن توليهن المناصب القيادية العليا يكاد يكون معدوماً بوجه عام؛ فلا تُوكل إليهن قيادة عسكرية، أو مهمة ميدانية، فقد غلب على طبيعة أعمالهن الأدوار الإدارية، والمهمات المُساندة، وانحصرت مشاركتهن العسكرية الفعلية ضمن حدود رمزية تضمن سلامتهن من الهلاك. إضافة إلى مهمة الترفيه العسكري – غير المُعلنة– التي يقوم بها كثير من الفتيات المجنَّدات ضمن الفرق العسكرية الحديثة.