الصفحة الرئيسة @ المقالات التربوية @ التربية السياسية للفتاة @ 10ـ مكانة الرجل في الإدارة النسوية
من خلال الاستقراء التاريخي عُلم أن العمل السياسي لا يمكن أن تمارسه المرأة– مهما كانت متفوقة– إلا من خلال سلطة الرجال المباشرة أو غير المباشرة، بمعنى أنها لا يمكن أن تقوم بنفسها سياسياً حتى يحملها الرجال على القيام، ولا يمكنها أيضاً أن تنهض بأعباء الإدارة السياسية إلا من خلال عون الرجال. وهذه صورة تاريخية وواقعية لا تتخلف، فلا يُعرف في التاريخ الإنساني– قديمه وحديثه– المجتمع الأمومي الذي ترأس فيه المرأة مجتمع الناس، وتُدير من خلال الوسط النسائي شؤون الحياة. فهذه السيدة عائشة رضي الله عنها في خبر موقعة الجمل لم تخرج عن نفوذ آراء الرجال وإدارتهم لا في أول الأمر ولا في آخره، حتى إنها لما تغيَّر اجتهادها السياسي، وعزمت على الرجوع عن مذهبها في الخروج لم يمكِّنها الرجال من ذلك حتى غالطوها، وثنوها عن رأيها، ودفعوا بها للمضي في إتمام الأمر. وكذلك لما تبيَّن لها الأمر بعد جلاء الفتنة عاتبت عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قائلة له: "ما منعك أن تنهاني عن مسيري ؟ قال: رأيت رجلاً قد استولى عليك وظننت أنك لن تُخالفيه يعني ابن الزبير". وهذا الواقع التاريخي هو على عكس ما يصوره بعضهم، من أن السيدة عائشة رضي الله عنها كانت القائد الفعلي لهذا الجيش، والمحرك الحقيقي لدفَّة المعركة.
وهكذا كنَّ في التاريخ السياسي لا يعملن إلا في وسط رجولي ينهض بهن، حتى وإن بلغت إحداهن قمة هرم الإدارة السياسية، فإن كل من يقوم تحت يدها أو جُلُّهم من القادة والأمراء والمستشارين ونحوهم لا يكادون يتعدون جنس الذكور كما هو الحال مع ملكة سبأ فقد كان تحتها ألف رجل من القادة ليس بينهم امرأة واحدة. وهن اليوم أيضاً رغم الانفتاح الاجتماعي، وشيوع الحرية السياسية، وقيام مبدأ المساواة القانونية: لا يكاد يتجاوز أداؤهن السياسي أن يكون ثماراً لجهود الرجال الإدارية والتنظيرية، ولا تعدو ولايتهن السياسية– في غالب الأحيان– الناحية الصورية والشكلية، بل إن تبنِّيهن العمل السياسي من أول الأمر لا يخرج عن إرادة أوليائهن من الرجال، وحثِّهم وتشجيعهم. كما أن تعاونهن النسائي فيما بينهن في الميدان السياسي والإداري يكاد يكون معدوماً؛ إذ يقوم بينهن تنافس شديد، فما أن تصل إحداهن إلى موقع سياسي أو إداري مرموق حتى تتنكر لبنات جنسها، في حين يجدن راحة أكبر، ودعماً أعظم عند تعاونهن السياسي مع الرجال، مما يدحض خرافة المجتمع الأمومي الذي تترأس فيه جماعة النساء شؤون الحياة الاجتماعية والسياسية، فهذه المرأة منذ القديم تصل إلى أعلى مراكز اتخاذ القرار فلا تستعين إلا بالرجال، وكأن العمل السياسي لا يصلح إلا للرجال، وأشباههم من النساء.