الصفحة الرئيسة @ المقالات التربوية @ التربية السياسية للفتاة @ 8ـ غياب المرأة عن واقع الشورى السياسية في صدر الإسلام


معلومات
تاريخ الإضافة: 24/8/1427
عدد القراء: 2442
خدمات
نسخة للطباعة     إرسال لصديق

رغم وضوح هذا التوجه السياسي نحو حصر الشورى في الكمَّل من الرجال في الزمن الأول يريد بعضهم: أن يحملوا المرأة المسلمة المعاصرة– أياً كانت – العبء السياسي بكامله كما يتحمله أهل الحل والعقد من صفوة الأمة معتمدين في ذلك على موقف وحوادث تاريخية وفردية.

إن مما ينبغي أن يُعلم أن حوادث التاريخ الفردية، وما حفَّ بها من ظروف سياسية واجتماعية واجتهادية: لا تصلح أن تكون ديناً يتعبَّد به الناس، أو نهجاً عاماً يُقيمون عليه حياتهم، ويتركون ما بين أيديهم من دلالات النصوص الواضحة، والمواقف الجماعية المتواترة، والشواهد الحسيِّة الثابتة: إلى مواقف فردية، وحوادث عينية لا تنهض بشيء  عند التمحيص والمذاكرة.  فهذه الاستشارات والآراء النسوية  المتفرقة التي سجلها التاريخ الإسلامي – على فرض صحتها في الجملة – فإنها لا تتجاوز الممارسة الاجتماعية العفوية، التي لا ترقى لمستوى الشورى السياسية الملْزمة أو المعْلمة، ولا تصل إلى الحد المراد منها في تمكين النساء المعاصرات من المجالس النيابية والترشيح والانتخاب.  كما أن أعظم مشورة على الإطلاق أدلت بها امرأة في ذلك الجيل الفريد كانت من أم سلمة رضي الله عنها يوم الحديبية حين أخذ النبي r بمشورتها، ومع ذلك لم يُبْنَ عليها مهم في الأمة، ولم يتوقف امتثال الصحابة لأمر النبي r على مشورتها رضي الله عنها فهم أطوع خلق الله تعالى له؛ وما حصل منهم بعد مشورتها لابد حاصل في نهاية الأمر، وإنما كان أثر مشورتها الفعلي في قطع أملهم من إمكانية  تغيير اجتهاد النبي r في المسألة حين رأوه يحلق رأسه.  في حين لو قوبلت هذه المشورة– على جلالتها– مع مشورة سلمان الفارسي رضي الله عنه بحفر الخندق يوم الأحزاب: فإن الفارق يصبح في غاية الوضوح بين أعظم مشورة يمكن أن تقدمها امرأة في ذلك الزمن الفريد وبين مشورة صحابي جليل من عامة الصحابة، توقف مصير الأمة على رأيه.

وقد وقف أصحاب النبي r موقفاً مشابهاً لهذا الموقف في حجة الوداع، فقد روت السيدة عائشة رضي الله عنها أن رسول الله r دخل عليها مغضباً، وذلك حين أمر من لم يكن معه هدي أن يحلق أو يقصر ويحل من إحرامه ويجعلها عمرة، فتباطأ الصحابة رضي الله عنهم في تنفيذ الأمر، ظناً منهم أن في الأمر سعة، وكون رسول الله r نفسه لم يحل؛ لكونه قد ساق الهدي، وهيبة منهم للإتيان بالعمرة في أيام الحج، فقد كانوا يستعظمون ذلك زمن الجاهلية.  ومع كل هذه الظروف امتثل الصحابة رضي الله عنهم ممن لم يسق الهدي بالأمر، فحلقوا وقصروا، ولم ينتظروا مشورة أحد من الناس، ولا حتى عائشة رضي الله عنها التي عاشت الحادثة وروتها، فلو لم تشر أم سلمة رضي الله عنها على رسول الله r بالحلق يوم الحديبية: لحلق هو عليه الصلاة والسلام– كما هو مفروض– ولحلق الصحابة رضي الله عنهم أيضاً كما حصل في حجة الوداع، فالأمر حاصل بمشورتها وبدونها.

وأما مبايعة بعض النساء للنبي r: فليس فيها حجة تُؤهل الإناث لعضوية أهل الاختيار والشورى؛ لأنها بيعة إيمانية أخلاقية تتعهد فيها المرأة بالالتزامات الإيمانية والأخلاقية، وليست بيعة لترشيح النبي r للقيادة السياسية، فتأهيله عليه السلام للقيادة لا يفتقر إلى شورى أو موافقة من الأمة، وإنما يستمد سلطته من النبوة، في حين كانت بيعة الرجال سياسية يلتزمون فيها الجهاد إضافة إلى التزامهم الإيماني والأخلاقي، ولهذا سُميت بيعة الرجال في العقبة الأولى: ببيعة النساء – رغم أنه لم يكن فيها نساء – لأنها خلت من الالتزام السياسي.  ومع ذلك فإن هذا النوع من البيعة خاص بالنبي r ، فقد أجمع المسلمون على أنه لا يجب على الإمام مبايعة النساء بهذه الطريقة؛ ولهذا لم تكن بيعة النساء الإيمانية أو الأخلاقية ضمن اهتمامات  الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم، رغم حرصهم الشديد على متابعة رسول الله r ، فلم يثبت أن امرأة جاءت تبايع خليفة بعد رسول الله r، وإنما هنَّ – كسائر عموم الأمة– تبع لأهل الحل والعقد؛ " فلا يلزم كل الأمة أن يأتوا إليه يضعون أيديهم بيده"، وإنما يلزمهم الانقياد لطاعته في المعروف.