الصفحة الرئيسة @ المقالات التربوية @ التربية السياسية للفتاة @ 2ـ واقع المرأة المعاصرة في السياسة العامة
تتعارض الأنوثة بصورة واضحة في واقع الحياة السياسية المعاصرة من جهة ضعف حضور النساء السياسي وتمكنهن القيادي، رغم الانفتاح السياسي الكبير الذي تشهده نساء هذا العصر، وإعلانات حقوق الإنسان، ورفع شعارات المساواة، وصدور القوانين العربية والعالمية التي تسمح للإناث بالمشاركة السياسية، وتولي جميع المناصب القيادية على قدم المساواة الكاملة بالرجال، ودعم ذلك كله بالمؤتمرات العالمية، والندوات المحلية بما لا يدع مجالاً للشك في صدق هذا التوجه نحو تمكين نساء العالم سياسياً واجتماعياً.
ورغم الإنجازات الكبرى التي حققها هذا التوجه العالمي ضمن حدود القانون الدولي والمحلي من حيث إقْحام زُمر من طبقات النساء العربيات والمسلمات المتعلمات في معترك الميدان السياسي بجميع فروعه وتشكيلاته، والبلوغ ببعضهن أعلى المناصب السياسية والإدارية بكل أنواعها دون استثناء – على تفاوت في ذلك بين الدول– حتى أصبح مجرَّد قصْر ميدان من الميادين السياسية على الرجال : مدعاة للاستنكار السياسي والاستهجان الاجتماعي، فرغم كل هذه الإنجازات السياسية العربية المذهلة، وما سبقها من الإنجازات العالمية في سبيل تمكين النساء السياسي: فإن واقع الإحصاءات العالمية الحديثة يشير بوضوح إلى تخلف حضور النساء السياسي على جميع المستويات، وفي جميع الدول قاطبة بما فيها الدول الصناعية المتقدمة، بشكل يبعث على خيبة الأمل مقابل الجهود الكبيرة الرامية لدعمهن الاجتماعي، وتمكينهن السياسي؛ فإن تمثيلهن في البرلمانات حتى عام 1990م لا يزيد في العالم عن (14%)، ولا يتجاوز في الدول المتقدمة عن (13%). وكذلك تولي المناصب الوزارية فإن حضورهن فيها لا يكاد يتعدى (5.7%) حتى عام 1994م. وأما منصب رئيسة دولة فإنه قد بلغ أقصى مداه التاريخي عام 1994م حين اجتمع في عام واحد ولأول مرة (10) نسوة في مناصب رئاسات الدول، ضمن (177) دولة يعني بنسبة (5.6%) فقط. والذي يظهر من خلال التتبع أن النساء اللاتي وصلن إلى مناصب قيادية مهمة في العصر الحديث قليلات جداً، كما أن هذا الإنجاز لم يحصل لهن إلا بعد بداية النصف الثاني من القرن العشرين، فلم تبلغ امرأة منصب رئيس وزراء في بريطانيا– التي تعتبر واجهة الحضارة الغربية– إلا مرة واحدة عبر تاريخها الطويل، ولم يحصل قط أن تولت امرأة رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية، ومن العجيب أن حكومة الكيان الصهيوني على أرض فلسطين، والتي تمثل في المنطقة العربية الإسلامية الامتداد الديمقراطي الغربي: لم تتسع لأكثر من وزيرة واحدة مقابل سبعة عشر وزيراً ضمن الحكومة المؤلفة عام 1999م.
قد لا يكون غريباً أن تتخلف النساء في دولهن التي تسيطر عليها أحزاب سياسية متنافسة، فلا يجدن من أصوات الساحة الشعبية ما يدعم ترشيحهن؛ لأن الناخبين في الغالب يُدلون بأصواتهم للرجال، ولكن تبقى المسألة في غاية الغرابة حين يكون تأخرهن السياسي خاضعاً للقرار الإداري وليس للانتخاب، فالأمم المتحدة التي ما فتئت منذ زمن تنادي بحقوق النساء العامة، وتتابع الدول – بقوة القانون الدولي– في تنفيذ قراراتها الجماعية الخاصة بتمكين النساء السياسي والاقتصادي: فإن نسبة النساء في إدارتها العليا حتى عام 1993م لا تتجاوز (13%)، وأما منصب الوكالة للأمين العام فلا تكاد نسبتهن تتعدى (2.3%)، وهذه نسب متدنية لمنظمة تتبنى الدفاع عن المرأة والتمكين لها.
وقد خاضت إحدى الدول الخليجية عام 1999م تجربة إشراك المرأة في الانتخابات، فلم تفز أيُّ امرأة، رغم الدعم السياسي لمشاركتهن؛ ولعل سبب هذا الإخفاق يرجع عند الناخبين إلى رفضهم مبدأ المساواة السياسية بين الجنسين، فقد دلَّت إحدى الدراسات الخليجية على عينة جامعية من الطلاب والطالبات أن أكثر من نصف العينة يرفضون مبدأ المساواة السياسية بين الجنسين، وثلث العينة تقريباً متردد في الأمر، ولهذا يُلحظ أنه حتى عام 1991م لا توجد امرأة واحدة في برلمانات عشر دول عربية. وهذا يدل على أن الواقع الاجتماعي– في الغالب – لا يدعم توجه المرأة السياسي.
ومن العجيب أن دعوة تحرير المرأة التي كان من المفروض أن يتولى قيادتها النساء أنفسهن بقيت تحت قيادة الرجال وإشرافهم منذ بدايتها عام 1870م وحتى ظهور أول شخصيات نسائية تحمل هذا العبء عام 1918م.
ومن هنا يظهر جلياً أن الأنوثة– بما تحمله من النقص الفطري– هي العائق الحقيقي أمام تمكين النساء السياسي؛ إذ لا ينقص هؤلاء النسوة– في الغالب– الذكاء الفطري، أو المعرفة السياسية، وإنما تنقصهن الذكورة التي تفرض نفسها بدافع الطبيعة الفطرية بين أمم لا تؤمن بالفروق الجنسية، فإذا اجتمع إلى هذا التخلف الواقعي: الحكم الشرعي، والعامل التاريخي فإن تخلف النساء السياسي يصبح سمة عليهن، ويصبح بالتالي توليهن للإدارة السياسية شذوذاً يتعارض مع الأنوثة.