الصفحة الرئيسة @ المقالات التربوية @ التربية الفنية للفتاة @ 1ـ موقف التربية الإسلامية من مهارات الفتاة اليدوية


معلومات
تاريخ الإضافة: 23/8/1427
عدد القراء: 3575
خدمات
نسخة للطباعة     إرسال لصديق

الحمد لله والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين, أما بعد فقد جاءت الشريعة الإسلامية الخاتمة لتستوعب كافة أنشطة الإنسان الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والرياضية, وكل ما يمكن أن يدخل ضمن حركة الإنسان التطورية, وسعيه الحضاري, بما يكفل استيعاب طاقاته المختلفة, ويضمن توجيهها ضمن إطاره الإيماني, وقيمه الخلقية نحو الغاية الكلية التي ما وُجد الإنسان إلا من أجلها, وهي العبودية الخالصة لله تعالى, بحيث تنتهي كل مساعي الإنسان وحركته لتصب في هذه الغاية النهائية, كما قال الله سبحانه وتعالى : {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون} [الذاريات:56], وفي الحديث: " … حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً", فليس للإنسان غاية صحيحة ينشدها إلا هذه الغاية العظيمة، التي من أجلها وُجد.

ولقد تشعَّبت مجالات أنشطة الإنسان المعاصر تشعباً لم يسبق له مثيل، وتنوعت بحيث يصعب حصرها واستيعاب أنواعها، وأخذت كثير من هذه الأنشطة مكانها ضمن المناهج التعليمية، وأصبحت لها جمعياتها المحلية والعالمية، ومنافساتها الدولية، حيث تحكَّمت في غالب هذه الأنشطة – مضموناً وتوجهاً– قوى حضارية، وثقافات أجنبية أخرجت كثيراً منها عن الإطار الإسلامي ومفاهيمه التربوية، بحيث يصعب إعطاء الصفة الشرعية لكثير من هذه الأنشطة المختلفة.

ولقد تأثرت الأنشطة الفنية ومهارتها اليدوية بما تأثرت به كافة الأنشطة الإنسانية الأخرى؛ حيث داخلها الخلل من الوجهة الشرعية حين خلت كثير من هذه المهارات من الضوابط الشرعية، التي تعطيها صفة القبول ضمن الثقافة الإسلامية، كما داخل هذه المهارات الخلل من الوجهة الفنية حين خلت كثير من هذه المهارات من الضوابط الفنية، التي تعطيها صفة القبول الفني.

ولقد توسعت مجالات الأنشطة الفنية ومهاراتها المختلفة حتى أصبحت جزءاً من المنهج المدرسي، الذي يتربى عليه التلاميذ – ذكوراً وإناثاً– عبر مراحل  تعليمهم، ولما كانت غالب هذه الأنشطة الفنية قد نشأت وازدهرت خارج إطار الحضارة الإسلامية فقد خالطها كثير من المخالفات الشرعية، وفقدت العديد من مقوماتها الفنية، التي قد تُخرجها عن حدِّ المشروعية والقبول الفني.

والتربية الإسلامية بمنهجها المتميز تستوعب كل أنشطة الفرد– ذكراً كان أو أنثى – ضمن إطارها الرباني؛ بحيث تحكم سير المسلم في حركته الحضارية البنائية ضمن الحد المشروع، بما في ذلك أنواع المهارات اليدوية الفنية، التي تستهوي – في الغالب – الفتيات؛ لكونها مهارات متعلقة – إلى حد كبير– بالمشاعر والإحساس والذوق، التي تزدهر ألوانها عند الإناث بصورة كبيرة.

ويقصد بالمهارات اليدوية: القدرة الفائقة على القيام بالأعمال الحركية المعقدة بسهولة ودقة، من خلال التآزر البارع بين أعضاء الجسم المختلفة، خاصة بين اليدين والعينين؛ بحيث لا يمكن حصول المعرفة بهذه المهارات دون  مزاولتها، وممارستها عملياً. ومن هنا تظهر علاقة المهارات اليدوية بصحة الفتاة الجسمية؛ حيث يتوقَّف نجاحها في ممارسة هذه المهارات على سلامة أعضائها الجسمية وحواسها، أكثر من توقُّفها على درجة ذكائها وتفوقها العقلي؛ بل إن الصحة العقلية – ككل– ليست شرطاً ضرورياً لنجاح الفتاة في المهارات اليدوية المختلفة؛ فإن هذه المهارات العملية – في حد ذاتها– تُعد وسائل صحية لتأهيل المعاقين، وإعادة بنائهم العقلي والنفسي من جديد.

وتُعتبر الفنون الجملية – كمصطلح أوروبي حديث– بما تشمله من النظم الجمالية في مجال: الحياكة، والتطريز، والنقش، والرسم، والنحت، وغيرها: الميدان الطبيعي لمهارات الفتيات اليدوية، فإنهن بالطبع أميل من الذكور إلى الممارسات العملية المحسوسة، أكثر من ميلهن إلى القضايا الفلسفية الفكرية. ومن جانب آخر فإن هذه الفنون وسيلة الفتاة الناجحة للتعبير: عن مشاعرها، وأحاسيسها، وانفعالاتها، وأعماق تجاربها الباطنة، كما أنها وسيلتها الفعَّالة للتنفيس عن طاقاتها النفسية المكبوتة، حيث يخفُّ – من خلال التعبير الفني– حدَّة توتُّرها العصبي، ومشاعر ضيقها، وإحساسها بالكآبة.

وقد فتح نظام الإسلام التربوي للمسلم مجال الإبداع والعطاء الفني كأوسع ما يكون, حتى جعله ميداناً مباحاً للاحتراف الصناعي والتكسب. مع أن هذه الفنون عادة ما تكون ضمن الهوايات الشخصية, والمطالب الذاتية التي لايرجو صاحبها من ورائها كسباً مالياً؛ وإنما هي للممارسة الممتعة في حد ذاتها. إلا أنه رغم هذا الانفتاح فإن هذه المهارات الفنية – في العموم – تخضع لضابطين : أحدهما شرعي, يضبط عمل الفتاة من جهة الحظر والإباحة داخل إطاري العقيدة والأخلاق, والآخر فني يضبط مهارات الفتاة ضمن فنِّيَّات وشروط الأداء الفني.

ويمكن في ضوء ما تقدم تلمس موقف التربية الإسلامية من هذه المهارات الفنية وذلك على النحو الآتي:

1- تتوقف مهارات الفتاة اليدوية على سلامة حواسها الجسمية أكثر من توقفها على درجة ذكائها ونضجها العقلي، وهذا يتطلب رعاية الفتيات من ناحية الصحة الجسمية، بما يحقق لهن درجة كافية من القوى التي تمكنهن من الاستمتاع بطاقاتهن الجسمية بكفاءة كاملة.

2- تمثل المهارات اليدوية بالنسبة للفتيات مجالات جذب وإثارة واهتمام، وهذا يتطلب مزيد اهتمام المؤسسات التربوية بأنواع المهارات المختلفة والتوسع فيها بما يُمكن للفتيات تحقيق رغباتهن، والاستفادة من طاقاتهن في أنشطة فنية إيجابية.

3- يستوعب التوجيه التربوي الإسلامي في كتاب الله تعالى وفي سنة رسوله r، وفي تراث الأمة العلمي والثقافي: جميع أنشطة الإنسان المختلفة، بما في ذلك مجالات المهارات اليدوية على اختلاف أنواعها، وهذا يفرض على المؤسسات التربوية الرجوع بجميع أنواع المهارات إلى المصادر الشرعية للوقوف على حكم تعليمها، ومدى جواز تمكين التلاميذ –ذكوراً وإناثاً– من ممارستها.

4- ترتبط جميع مهارات الفتاة اليدوية بمنهج الإسلام التربوي بحيث تصب جميعها في رحاب الله تعالى ومرضاته، فتكون عبادة تُؤجر عليها وتُثاب بها، مما يستوجب ضبط هذه المهارات بالضوابط الشرعية التي توجهها الوجهة الإسلامية، فتكون بذلك مقبولة عند الله تعالى.

5- يدخل الخلل من الناحية الشرعية على مهارات الفتاة اليدوية من جهة مهارة التجسيم لذوات الأرواح، المتضمنة للمضاهاة بخلق الله تعالى، وكذلك من جهة مهارة العزف الموسيقي على الآلات الوترية ونحوها، وهذا يوجب تجنيب الفتاة هاتين المهارتين، وكل ما يكون مشابهاً لهما من المهارات الفنية الحديثة، بحيث تُعرض هذه المهارات على المختصين الشرعيين لإجازتها من الناحية الشرعية، قبل اعتمادها على الطالبات في المؤسسات التربوية.

6- يُعتبر الخط العربي وأنواعه الفنية من أوسع وأفضل وأجمل مهارات الفتيات المسلمات، ولاسيما إذا ارتبط بنشر الحكمة من آيات الله تعالى، وأحاديث الرسول r، وما فيه موعظة وأدب وذكر من تراث الأمة الثقافي، فليس هناك ما يمنع من ممارسة الفتيات لمثل هذه الأنشطة، وهذا يستلزم التوصية باعتماد الخط العربي مادة أساساً لأنشطة الفتيات الفنية، في جميع مراحل التعليم.

7- المهارات اليدوية بأنواعها الفنية المختلفة تخضع لمبدأ الاعتدال بين الإفراط والتفريط، والإسراف والتقتير، فلا يصح أن تستهلك جلَّ الأموال، أو تستنزف كل الأوقات، مما يوجب تدريب الفتيات على نهج الاعتدال في خوض هذه الأنشطة، بما يحقق الهدف المنشود منها، دون الإضرار بواجباتهن الشرعية، وتكاليفهن الاجتماعية.

8- ترتبط قيمة عمل الفتاة اليدوي بسمو هدفه وغايته، ودرجة جماله وإتقانه، بحيث يفقد العمل المُنْتج – أياً كان – قيمته بقدر ما يفقد من درجة جماله وإتقانه، وسمو هدفه وغايته، وهذا يوجب توجيه الفتيات للتأكيد على الناحية الجمالية ونبذ الفوضى والتشويه في العمل الفني، مع أهمية الجودة في الإنتاج، إضافة إلى ضرورة وجود الرسالة السامية النبيلة التي يحملها العمل الفني إلى الناظرين، باعتباره الهدف الخيِّر الذي تسعى إليه من خلال إنتاجها.