الصفحة الرئيسة @ المقالات التربوية @ التربية النفسية للفتاة @ 13ـ حاجة الفتاة إلى الثقة بالنفس


معلومات
تاريخ الإضافة: 23/8/1427
عدد القراء: 2651
خدمات
نسخة للطباعة     إرسال لصديق

إن الثقة بالنفس أساس الإبداع الإنساني، ومنطلقه الراسخ للإنتاج والتميُّز، وهي من الصفات الإنسانية المشاعة بين طبقات الناس ذكوراً وإناثاً، فهذه أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها لما كثر اللصوص بالمدينة اتخذت خنجراً تحت وسادتها، وهذه الفاضلة كمالية بنت قاضي مكة نجم الدين محمد الطبري، من صالحات القرن الثامن الهجري كانت صاحبة همة عالية، حتى حكى عنها زوجها فقال: "إنها لو حاولت جبلاً لأزالته"، وقد أشارت إحدى الدراسات الميدانية الحديثة إلى عدم وجود فروق بين الجنسين في سمة الثقة بالنفس؛ وذلك سبب الانفتاح الاجتماعي الذي تشهده المرأة المعاصرة، ومشاركتها الواسعة في الحياة العامة مع الرجال، ومع ذلك فإن هذه الصفة الإنسانية -ككل صفات الإنسان- تخضع لعاملي الإفراط والتَّفريط؛ بحيث تزيد هذه الثقة حتى تَقْطع بصاحبها وتورده المهالك والصعاب، فإن غالب انحرافات الفتيات النفسية تطرأ عليهن من اندفاعهن غير المعقول نحو سلوك النساء الكبيرات، فتتعرض إحداهن لصدمة نفسية شديدة عندما تكتشف بُعْد الشُّقة بين آمالها المنشودة، ومستوى قدراتها المتاحة.

وربما انساقت إحداهن من فرط ثقتها بنفسها إلى مخالفة الفطرة: كأن تُعرض عن النكاح بالكلية حتى لا تبقى تحت سلطان قوامة الرجل عليها، فإذا قُدِّر لها النِّكاح -والحالة هذه-  كانت مالكة لبعلها، تسوسُهُ بأمرها، وربما سلكت إحداهن ما هو أبعد من هذا لعمق ثقتها بنفسها حتى تتحدَّى السلطة السياسية، كما فعلت امرأة أبي عبيدة بن الجراح t لما دخل عليها أمير المؤمنين عمر بن الخطاب t يتهدَّدها، ويتوعدَّها في حُلي ثمينة وصلت إليها من الروم، حيث قال لها: "والذي نفسي بيده لأسوءنَّك، قالت: والله ما تقدر على ذلك، فقال عمر: لا، قالت: لا والله، فأشفق أبو عبيدة أن تبدر منه إليها بادرة، فقال: بلى والله يا أمير المؤمنين إن شئت لتفعلن، فقالت: كلا والله ما هو على ذلك بقادر، فقال عمر: لكأنَّك تدلِّين؟ قالت: إنك لا تستطيع تسلبني الإسلام، قال: لا والله، قالت: فوالله ما أبالي ما كان بعد ذلك.

وكما أن تمادي الفتاة في الثقة بنفسها مذموم، يوردها الصعاب: فإن هبوط همتها، بضعف ثقتها بنفسها أيضاً هو في الجانب الآخر مكروه ممقوت؛ إذ يسوقها إلى فقدان الثقة بالآخرين، وعدم المبالاة بهم، مع الشعور بالحقارة والدونية، اللتين تدفعانها بالتالي إلى الشعور بعقدة النقص، واتهام الآخرين بعيوبها، والثرثرة في غير طائل، وربما التكبر والاستعلاء، لتدرأ نقص نفسها، وهبوط همَّتها، وأقل ما يمكن أن يحدث للفتاة المنهزمة نفسياً: الإغراق في أحلام اليقظة لإشباع طموحها، وآمالها المتعثِّرة، حتى لربما أصبحت هذه الأوهام الحالمة هي قاعدة الفتاة لحل مشكلاتها المعقدة، وإشباع حاجاتها الملحة، وتحقيق أمنياتها المنشودة؛ فإن نسبة كبيرة جداً من الشباب غارقة في مثل هذه الأوهام الخيالية، يبحثون من خلالها عن الجاذبية والقوة والثروة والنجاح، ويشبعون عن طريقها المُوهم آمالهم وتطلعاتهم الشخصية.

إن المجتمع الذي تعيش في وسطه الفتاة، وتحتك بمؤسساته المختلفة يتحمَّل القسط الأكبر من هذه المشكلة النفسية؛ فإن الشخصية -سليمة كانت أو شاذة- لا تعدو أن تكون طاقماً من العادات والممارسات التي ألفتها واعتادتها من خلال توافقها في الوسط الاجتماعي، فإما أن تكون نتاجاً إنسانياً سوياً مكتملاً لتفاعل اجتماعي سليم، وإما أن تكون نتاجاً شاذاً مقْتضباً لتفاعل اجتماعي سقيم، فالشعور بالدونية الذي يُكرِّسه المجتمع -أحياناً- في نفوس الإناث، حتى كَوَّن عندهن شعوراً عاماً بالتَّدنِّي وعدم الكفاءة، والإحساس بالاغتراب الاجتماعي، إلى جانب التعثر الاجتماعي في التوفيق بين متطلبات الفتيات في سن الشباب وحاجاتهن الفطرية الملحة، وبين العادات والتقاليد والآداب الاجتماعية المرعية، إضافة إلى مخلَّفات الطفولة وخبراتها النفسية المتراكمة؛ كل ذلك بمجموعه يضغط على نفس الفتاة، متعاضداً مع طبيعة مدَّخراتها الفطرية الوارثية؛ ليكوِّن في النهاية شخصية إنسانية مهزوزة مريضة، مثقلة بالهزائم النفسية، والنواقص الذاتية.

إن مما لا شك فيه أن للاستعداد الفطري ومدَّخراته المتفوِّقة أثراً كبيراً في تنمية الثقة بالنفس، إلا أن الثابت في كثير من الدراسات أن هناك علاقة قوية موجبة بين الاتجاه الديني لدى الشباب وبين الثقة بالنفس، وأن للشعائر التعبدية -خاصة الصوم- أثرها الإيجابي البالغ في التخفيف من الشعور بالإحباط النفسي.

ولما كان احترام النفس، وتقديرها هو حجر الزاوية في منهج التربية الصحيحة: فإن أحوج ما تحتاج إليه الفتاة نفسياً: أن تظل بصورة دائمة مستشعرة أهميتها كفرد في المجتمع، وأنها محل تقدير الجماعة واعتبارها؛ فقد كان رسول الله r يمارس شيئاً من ذلك مع بعض نساء زمانه، فقد قال مرة: "دخلت الجنة فسمعت خَشْفة، فقلت: من هذا؟؛ قالوا: هذه الغميصاء بنت ملحان أم أنس بن مالك"، وكان السلف من الصحابة، ومن بعدهم على نهج رسول الله r في احترام الشباب وتقديرهم، والرفع من معنوياتهم وقدراتهم، وإحياء الثقة في نفوسهم.

ومع كل هذا فإن على الفتاة الشابة أن تدرك: "أن الواقع الآدمي بما يتضمنه من تفاعلات وعلاقات متبادلة بين أفراد الجنس البشري هو واقع يتصدى بالإحباط والتنازع لكل فرد في الوجود، ولا مفرَّ لأي فرد من مواجهة أوضاع معوِّقة أو معطِّلة لإشباع حاجاته في جميع مراحل حياته"، فلا بد أن توطِّن الفتاة نفسها على مجابهة الإخفاق بالرضا والتسليم، والمحاولة من جديد، مع القناعة الكاملة والقبول بقدراتها وإمكاناتها كما هي دون خداع وتشوُّفٍ يذهب بها بعيداً عن الواقع الحقيقي، ويُعرضها بالتالي لإحباطات جديدة، وصدامات نفسية لا نهاية لها.