الصفحة الرئيسة @ المقالات التربوية @ التربية النفسية للفتاة @ 11ـ اتزان الفتاة النفسي


معلومات
تاريخ الإضافة: 23/8/1427
عدد القراء: 2712
خدمات
نسخة للطباعة     إرسال لصديق

يُعتبر التكيف الداخلي ركناً أساسياً في الصحة النفسية، بحيث يتمكن الفرد من التوفيق بين دوافعه المتعارضة، والصمود بكفاية أمام أزمات الحياة الاجتماعية المختلفة، مع القدرة على الاستمتاع بالحياة، والشعور بالرضا، ولا يمنع ذلك من أن يصاب الشخص المتزن نفسياً -أياً كان موقعه وذكاؤه- بشيء من الاضطراب النفسي المؤقت الذي لابد منه في الحياة الاجتماعية؛ فإن الصحة النفسية لا تعني خلو الفرد تماماً من أعراض المرض النفسي؛ لأن تمتع الفرد باستقرار النفس نسبي الدرجة؛ فقد يخرج الشخص أحياناً عن اتزانه في صور شتى من الاضطراب، ولا يُعتبر بذلك مريضاً نفسياً؛ لأنه وإن خرج عن اتزانه يملك -مع ذلك- القدرة الكافية لمجابهة المشكلات، والتمتع بالإيجابية في مواجهتها، مع شعوره في العموم بالسعادة والكفاية، وإنما تكمن المشكلة في فقدان التوازن النفسي بصورة دائمة ومستمرة، فإن "كل ما يصيب الإنسان في الحياة من شر، وكل ما يلحقه من فساد وشقوة هو نتيجة حتمية لفقدان التوازن في داخل النفس، وبالتالي في واقع الحياة".

ولئن كان القلق ركيزة قوية لكثير من الإنجازات البشرية، والمحرك نحو العديد من الإبداعات والابتكارات الجديدة، فإنه مع ذلك الأساس في جميع الأمراض النفسية، واختلالات الشخصية، واضطرابات السلوك، ويُعد القلق - باعتباره مرضاً نفسياً من أعظم أعراض فقدان التوازن، والشباب في العموم لديهم - بصورة متنامية- اتجاه نحو القلق، وهو عند الفتيات -خاصة المتعلمات منهن- أشد وأعظم كما دلَّ على ذلك كثير من الدراسات، فقد يسوقهن هذا الاضطراب النفسي نحو أحلام اليقظة هروباً منه، وربما كان دافعاً وراء كثرة البكاء التي تتميز بها طبيعة الفتاة الانفعالية في سن الشباب، وكذلك شدة التقلب المزاجي، وربما كان وراء الإفراط في ساعات النوم، والأحلام المنامية المزعجة الكئيبة، واضطراب الدورة الشهرية، وربما أصاب بعضهن قلق الوسواس القهري الذي يعجزن عن رده، فيلْقين منه العنت الذهني، والنفسي، والجسمي.

إن كل هذه المظاهر النفسية المتطرفة تعود في غالبها إلى فقدان التوازن النفسي الذي يرجع سببه في الغالب إلى الصراع النفسي بين إرادة الخير، وإرادة الشر، والشعور بالإثم وتأنيب الضمير، وربما رجع إلى التناقض الوجداني بين عاطفتين أو رغبتين تعارض إحداهما الأخرى، أو إلى شعور الفتاة بالنقص، أو بسبب الحمل أحياناً، ولعل تأثير الشيطان الذي يغفل عنه كثير من الناس وراء غالب الاضطرابات والأمراض النفسية، فإن للجن قدرة خارقة في التأثير على الإنسان، والنفوذ إلى جوفه، وقذف الخواطر المزعجة في قلبه، وربما وصل سلطان تأثيره في النساء خاصة إلى ما هو أبلغ من ذلك، وأعظم من الضرر والأذى والتسلُّط.

إن مدار مشكلة التوازن النفسي ترجع في أصل الأمر إلى الضعف الروحي، واستفحال المادية المقيتة المستحكمة في حياة كثير من الناس، وفقدان البيئة الصحية الصالحة لنمو الفرد بصورة سوية، ولن يستقر حال الفتاة النفسي إلا بإحياء جانبها الروحي؛ فإن العلاقة قوية بين التدين وانخفاض درجات القلق، ولا بد أيضاً من كفِّ الأسباب المثيرة للقلق، وتدريبها على ضبط توازنها النفسي في المواقف الاجتماعية المختلفة، ومتابعتها في ذلك بصورة تربوية مستمرة، حتى تصبح مواجهة المشكلات ملكة عندها، تقابلها بالعقل والإيمان.