الصفحة الرئيسة @ المقالات التربوية @ التربية النفسية للفتاة @ 9ـ اقتناع الفتاة بهويتها الأنثوية
تشير بعض الدراسات إلى وجود حالات كبيرة من المعاناة النفسية عند كثير من الفتيات تجاه نوعهن كإناث، مما أدَّى إلى ظهور اتجاه نسائي منظم ضد عنصر الذكور، وبروز ما يُسمى "بعقدة الذكورة"، مما أسفر عن توجه عالمي خطير نحو إلغاء الفوارق التي توحي باختلاف الجنسين، وظهور معالم هذا التوجه المتداخل في كثير من الأوساط الاجتماعية المعاصرة، حتى أصبحت دعوة الإناث صريحة لأن يتخذن طريقاً تربوياً وسطاً بين معالم الرجولة، ومعالم الأنوثة.
إن بعض المنشغلين بعلم النفس يحاولون إرجاع هذه المعاناة النفسية النسوية إلى ما يسمُّونه "بعقدة القضيب"، المتضمنة حسد البنات للأولاد لفقدانهن هذه الآلة، فيبنون كل هذا الصراع الحديث، والتنافس بين الجنسين على هذه القضية النفسية، والحقيقة أن "حدثاً خارجياً كرؤية قضيب الولد لا يمكن مطلقاً أن يكون هو وحده المسؤول عن حدوث صدمة نفسية للبنت، أو عن إصابتها باضطرابات باطنية خطيرة"، فإن مفاجأة فقده عند البنت قد لا تقل عن مفاجأة وجوده عند الولد، كما أن بروز الثديين عند الأنثى يمكن أن يلعب -بناء على هذا المفهوم المنحرف- مع الذكور نفس الدور الذي يلعبه القضيب مع الإناث، بما يُسمى: "عقدة الثدي"، إلا أنه لا يبعد أن يكون هناك نوع مفاجأة عند كليهما في أول الأمر، ثم تنتهي بالتَّعوُّد وتُنسى، كما يُفاجأ أحدهما بالتشوُّه العضوي في جسم الآخر، ثم يعتاد عليه ولا يستنكره.
إن الواقع يدل على أن مصدر هذه المشكلة النفسية في الحقيقة يرجع إلى سببين رئيسين:
الأول: سوء معاملة الإناث في كثير من المجتمعات الإنسانية -في القديم والحديث- والحطُّ من قدرهن، وتقديم الذكور عليهن، بما في ذلك مجتمعات الدول المتقدمة مثل أمريكا واليابان، حتى استقر في نفوس كثير منهن: أنهن سبب متاعب الحياة ومشكلاتها.
الثاني: عدم قناعة بعض الفتيات بدورهن الأنثوي، حيث يَنْسقن بالتالي إلى عدم التكيف، وفقدان الهوية الجنسية، وظهور مشكلات، وصراعات نفسية واجتماعية بعيدة المدى.
إنَّ حل هذه القضية النفسية عند الفتيات لا يتم من خلال طمس أطوار الرجولة، أو تغييب أطوار الأنوثة، فإن هذا نهج تمقته الشريعة ابتداء في كل صوره السلوكية منها، أو الجراحية، فالذُّرية الإنسانية إما رجال، وإما نساء، و "الخنثى" لا يُعدُّ نوعاً مستقلاً؛ لهذا يُرد إلى أحد نوعي الإنسان؛ بل إن أردأ حالات الإنسان عندما يكون مشكلاً يصعب رده إلى أحد النوعين، فلن يكون خلط النوعين حلاً على فرض إمكانية حدوثه، ولكن الحل الصحيح في إعادة بناء نفسية الفتاة من جديد على أن تعرف أن الحقيقة الإنسانية واحدة، وأنها قبل أن تكون أنثى، أو امرأة، أو بنتاً فهي إنسان قبل كل شيء، وأن الذكورة والأنوثة لا قيمة لها في ميزان العدل الرباني، حيث اقتضت الحكمة الربانية شيوع الطبيعة الزوجية في نظام الكون، فهي دليل عظمة الخالق سبحانه ووحدانيته حين خلق الذكورة والأنوثة كوسيلة لاستمرار النوع في آلاف من المخلوقات، بما فيهم الإنسان، فتشعَّبت -بناء على ذلك- الطبيعة الإنسانية بكل مقوماتها إلى شعبتين: شعبة من الذكور وأخرى من الإناث، تحمل كل شعبة منهما نفس الصفات الإنسانية الأساسية التي تُميِّز نوع الإنسان عن غيره من المخلوقات، ثم اختلفت درجات كل شعبة عن الأخرى في بعض جوانب: نفسية، وجسمية، وسلوكية… اقتضتها مصلحة الإنسان، وطبيعة مهام الحياة الدنيا، فتقديم الرجال أو النساء في بعض هذه المهام لا ينقص من قدر النوع الآخر، بل يكمِّلُهُ ويتمِّمُهُ.
ثم إن الذكورة والأنوثة لا يمكن استيعاب أحدهما وإدراكه دون الآخر، كما لا يمكن استيعاب وإدراك الليل دون النهار، والأبيض دون الأسود، فكل منهما يمثل الوجه المغاير للآخر، والإسلام بمنهجه الفريد يريد من الأنثى: "أن تعلم وتشعر بأن أنوثتها ليست نقصاً، بل هي ركن في الحياة الإنسانية كرجولة الرجل، فلا تقوم الحياة الإنسانية الكاملة بأحدهما دون الآخر، ونتيجة ذلك أن تحرص على أن تكون أنوثتها كاملة؛ لأن كمال أنوثتها هو الذي يجعلها امرأة كاملة مفضَّلة.
ومن جهة أخرى لا بد أن يُعيد المجتمع تقويمه لعنصري الذكورة والأنوثة على مبدأ الحق الإلهي، كما قال الله تعالى: {وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتَ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلاَ يُظْلَمُونَ نَقِيرًا} [النساء:124]، فلا يقوَّم الإنسان بناء على جنسه، بل على مبدأ العمل الصالح الذي وضعه الله تعالى مقياساً صادقاً للتقويم، مع ضرورة حشد كل الوسائل المشروعة في البيت والمدرسة والمجتمع لتعزيز السلوك الأنثوي عند الفتيات، والتركيز - بصفة خاصة- على دور "الوالدين فهما أكثر وكلاء التطبيع الاجتماعي أهمية في عملية إكساب الفرد الدور المناسب لجنسه؛ بسبب التعزيزات التي يُقدِّمانها له، وأنماط السلوك التي تصدر عنهما، والعلاقات العاطفية التي تربطهما به"، مع الاستعانة بالمخزون الفطري في طباع الإناث، والذي يفرض وجوده، ويلح بنفسه على منهج التربية، وفي سلوك المربين، فإنه من أعظم وسائل تعزيز الدور الأنثوي عند الفتيات.