الصفحة الرئيسة @ المقالات التربوية @ التربية النفسية للفتاة @ 4ـ خطر الانحرافات النفسية على صحة الفتاة العامة
إن للحياة النفسية عند الإنسان تأثيرها العميق والبالغ في كيانه الإنساني ككل، خاصة من الجهة العقلية، ومن الجهة الجسمية، حتى إن ظاهر عمل الإنسان - صالحاً كان أو فاسداً - مرتبط بطيب نفسه وخبثها، فما يجري في باطنه من خير أو شر لا بد أن يظهر نصيب منه على جوارحه، خاصة على قسمات الوجه، فإن "آثار الأعراض النفسانية الحاصلة في القلب إنما تظهر على الوجه، فإن حصل الفرح في القلب ظهرت النضرة والإشراق والإسفار في الوجه، وإن حصل الحزن والخوف في القلب ظهر الكلوح والغبرة والسواد في الوجه"، وفي الخبر: "من كثر همُّهُ سقم بدنه ….."، بل قد تبلغ معاناة الهمِّ النفسي بصاحبها أشد من مجرد السُّقم الجسماني، فقد تسوقُهُ إلى تحطيم الذات، والتخلص منها بالانتحار، وهذا أعظم وأبلغ ما يمكن أن يصل إليه المرض النفسي بصاحبه، خاصة في فترة الشباب عند الجنسين، وعند الفتيات بصورة أخص؛ إذ هن أكثر محاولة للانتحار من الذكور، لاسيما في هذا القرن الأخير الموصوف بالتوتر النفسي، الذي عمَّ جميع المجتمعات الإنسانية المعاصرة.
إن الضغط النفساني الذي يسوق صاحبه إلى تحطيم الذات لا بد أن يكون في غاية الشدة والألم، بحيث يُغلق على المريض منافذ الرؤية السديدة، والبصيرة الصائبة، ويُنسيه حبَّ الذات، وألم الانتحار رغبة في التخلص من جحيم عذاب النفس، وشديد قلقها وتوترها، ولعل في خبر السيدة عائشة رضي الله عنها في حادثة الإفك المشهورة ما يُجلِّي هذه الصورة، ويُوضِّح عمق الأثر النفسي المؤلم الذي ينتاب الفتاة الشابة في موقف اجتماعي مُحْبط، حيث تصف عظيم معاناتها النفسية وألمها فتقول: "لما بلغني ما تكلموا به هممت أن آتي قليباً فأطرح نفسي فيه".
إن هذا التوتر النفسي الشديد لا يبعد - في ظروف الحياة الاجتماعية المعاصرة - أن تتلبس به الفتاة المسلمة في ظرف اجتماعي مؤلم، فقد دلَّ الواقع على وجود حالات كثيرة من الانتحار ومحاولات الانتحار بين الفتيات المسلمات، ومن المعلوم أن حالات الانتحار في الحياة المعاصرة في زيادة مستمرة لاسيما بين فئات الشباب من الجنسين، حسب ما دلَّت عليه الدراسات العلمية؛ ففي المملكة العربية السعودية التي تعد من أكثر دول العالم أمناً وأماناً تضاعفت فيها جرائم الانتحار في سبع سنوات من (105) حالة انتحار عام 1981م إلى (209) من حالات الانتحار عام 1988م، وعلى الرغم من كثرة حالات الانتحار التي تقع من الذكور، إلا أن محاولات الانتحار بين الإناث أكثر، واعتداؤهن على أنفسهن أعلى.
وفي الجانب الآخر فإن صحة النفس وسلامتها من الأسقام تنعكس على الفتاة بهجة وصحة في البدن، وفي الحديث قال عليه الصلاة والسلام:(….. طيب النفس من النعيم) أي مما يُتلذذ به، ويُستمتع به بذهاب الظلمة، وحصول الإشراق، فلا بد أن تنال جوانب شخصية الفتاة المختلفة نصيبها من سعادة الباطن ونقائه، وسلامته من التوترات النفسية، والأمراض العصابية فهن - كما يظهر- في حاجة ملحة إلى الصحة النفسية، وآثارها الإيجابية لتحقيق السلامة العامة.