الصفحة الرئيسة @ المقالات التربوية @ التربية العقلية للفتاة @ 48ـ أثر وسائل الإعلام في إعاقة مواهب الفتاة العقلية
تميل الفتيات في هذه المرحلة من عمر الشباب إلى الكلمة المكتوبة عبر وسائل الإعلام المقروءة, فيملن إلى القراءة في مجال الأسرة, والشخصيات, والحيوانات, والقصص العاطفية, والفكاهية, وشيء من أخبار العلوم والمخترعات، فيجدن أمامهن كمًّا هائلاً من المنشورات الصحفية التي يصعب حصرها, ويجدن من بينها أكثر من مائتي مجلة عربية خاصة بالإناث, ليس من بينها من المجلات الإسلامية إلا العدد القليل, فَشَغُفَ الفتيات والنساء عموماً بهذه المجلات, حتى أصبحت "إحدى القنوات أو الأدوات المؤثرة في فكر وشعور وسلوك جمهور النساء"، وهذا التأثير ليس بغريب؛ فإن للصحافة المنشورة تأثيرها الخاص والمتميِّز على جمهور القراء, رغم مزاحمة الوسائل الإعلامية الأخرى لها, خاصة إذا مُزجت معارفها المنشورة ضمن القصص العاطفية المثيرة, فإنها تقع موقعها من النفس, وتصبح طُعُوماً تُصاد بها القلوب.
إن الخطورة في هذه المطبوعات لا تكمن في مبدأ القراءة, فإن القراءة في حد ذاتها مفيدة, وإنما الخطر يكمن في المضمون العقدي, والفكري, والأخلاقي الذي تحمله هذه المنشورات, وما تخلِّفه على القارئ من آثار نفسية وعقلية: تعطِّل طاقات الفتاة العقلية, ومواهبها الفطرية, وتوجهها فيما لا طائل وراءه من تافه الاهتمامات, ورذيل الاتجاهات, فقد حصرت هذه الوسيلة الإعلامية نفسَها في قضيتين هما من أشد أسباب الضُّمور العقلي, والفساد الفكري والخلقي:
الأولى: إشغال الإناث بسفاسف الأمور, التي حذَّّر من التمادي فيها رسول الله r : كالملابس والزينة, وأنواع الأطعمة, وأخبار الناس, والتسلية واللهو, مع الإحجام شبه الكامل عما يتصل بالدين والآداب الإسلامية, وما له علاقة جادة بالفتيات قبل سن العشرين, وكأن هذه المجلات وُضعت لغير الفتاة والمرأة العربية المسلمة.
الثانية: الإثارة الجنسية, عبر: القصة الغرامية, والمقالة الأدبية, والقصيدة الشعرية, والصورة الفاضحة, والمتتبع للنشاط "الأدبي في العالم اليوم ليدركه الذهول حين يرى كيف طغت الصلة بين الجنسين على الأدب طغياناً فاق كل تقدير, حتى غدت كلمة الأدب مرادفة لما سمَّوْه الجنس", وقد جرى ذلك وما زال يجري على يد جمع من الشاعرات والأديبات النصرانيات, وممن يُجيزون الفجور في الأدب, وممن حملوا على عاتقهم مسؤولية الترويج للجنس عبر الوسائل المقروءة.
إن هذا الأدب الفاضح المكشوف عبر الكلمة المكتوبة أشد تأثيراً في نفس الفتاة, وأعظم إثارة لعواطفها من الصورة الفاضحة نفسها؛ فإن جمال الكلمة, وحسن صياغتها يسهم بقوة في تكوين الأثر النفسي والعاطفي عندها, ثم إن هذا المضمون الساقط الذي يحمله هذا الأدب المنحل لا يعدو أن يكون تسلية غير بنَّاءَه, "تستنزف جهداً ووقتاً, وتنتهي إلى إفلاس وجداني, ومرض خلقي, وقلق نفسي, أعراضه: إدمان في طلب التسلية, وقلَّة حماس عند القيام بالأعمال الجدية, وخيال يعزل عن الواقعية", ويصرف فكر القارئ عن المشكلات الأساسية إلى التافه من الاهتمامات, وإن أعظم ما يعترض عقل الإنسان في مسيره نحو الهداية: قوة الشهوات الغريزية في أعماقه حين تهيج, فإن نور العقل يخفت عندها ويضعف, ويفقد قدرته على المقاومة, لهذا كان جلُّ اهتمام المفسدين من النصارى ينصب في هذا الجانب الثقافي من الأدب, حيث ركَّزوا معاول هدمهم, وأنشطتهم المشبوهة ووجَّهوها جميعاً للسيطرة على دور النشر والطباعة مع بدايات انتشار الصحافة العربية, منذ منتصف القرن التاسع عشر الميلادي, ودفعوا بجمع من النساء النصرانيات لتبنِّي إصدار مجلات نسائية تخاطب المرأة المسلمة, واستكتبوا كلَّ من يمكن أن يخدم موضوع تحرير المرأة, حتى الأقلام المستعارة, فتربَّى على هذا التوجه المنحل، ونشأ عليه جمع من الفتيات المسلمات اللاتي أصبحن بعد ذلك -بقصد أو بغير قصد- أدوات أدبية فاعلة للإسهام في تغريب أخواتهن المسلمات.
وما أن حلَّت العقود الأخيرة من القرن العشرين حتى استحكمت قبضة الغرب على التوجهات الإعلامية العالمية بكل أنواعها وفروعها, وظهرت أيدي اليهود خلف كل هذا الركام الإعلامي الواسع الممتد منذ زمن بعيد؛ ليبقوا على ما كانوا عليه دائماً خلف كل رذيلة وقبيحة, فانطلقت الأصوات المخلصة عبر جمع من المؤتمرات والندوات الإسلامية: تُبَيِّن الخطر, وتوضح الطريق, وتوصي بتطهير هذه الوسائل بأنواعها من هذا الزخم الفاسد, والسعي في توجيه هذه الوسائل لنفع المسلمين, ونشر الفضيلة والمعرفة, إيماناً منها بأن مفهوم التربية الإسلامية يشمل كلَّ مؤسسات المجتمع التي يمكن أن تؤثر في الإنسان, فلا بد أن تتوجه جميعها نحو هدف وغاية نبيلة واحدة تتعاون على تحقيقها.