الصفحة الرئيسة @ المقالات التربوية @ التربية العقلية للفتاة @ 39ـ صعوبة تلقي الإناث للعلم وأثرها في ضعف إنتاجهن العلمي


معلومات
تاريخ الإضافة: 23/8/1427
عدد القراء: 2349
خدمات
نسخة للطباعة     إرسال لصديق

إن طبيعة نظام الاجتماع الإسلامي يفرض على الإناث نمطاً سلوكياً أقلَّ مرونة، وأكثر ضبطاً؛ ليتناسب مع طبيعتهن الخُلُقية والخلْقية، والدور الاجتماعي المناط بهن؛ حيث كُره لهن البروز من البيوت، ورفع الصوت، وحُرِّم عليهن السفر الطويل بغير محرم، وأمرن بالإخبات للأزواج وطاعتهم. وكل هذا لا بد أن يُعيق مجال تفوقهن العلمي؛ لأن المتفوق في علمه"لا يكون كذلك حتى تكثر تجربتُهُ, ويكثر صوابُهُ, ويشتدَّ حِلمُهُ, ويحسُن تدبيرُهُ, ولا بد من كثرة حجٍ وغزو, وصلاة وصوم وصدقة, وذكر وقراءة قرآن, وأمر بالمعروف ونهي عن المنكر".

وهذه الممارسات الممحِّصة -في العموم- لا تكاد تجتمع لأنثى منفردة عن الرجل مهما بلغت, إلا أن تعتمد عليه, وتنبغ عن طريقه؛ فالرجل هو وسيلة المرأة للعلم والتفوق, فهذه السيدة عائشة رضي الله عنها لم تبلغ ما بلغت من التفوق العلمي إلا بمقام رسول الله r منها, وكذلك عموم المتفوقات, في حين لا يكون العكس صحيحاً؛ إذ لا سبيل لبروز الرجل وتفوقه على طريق النساء, فتجهيل الرجال يتبعه في العادة تجهيل للنساء, وتعليم الرجال هو بالتالي تعليمٌ للنساء, فغالب المتفوقات من النساء قديماً إنما تلقين العلم في البيوت عن طريق المحارم من الرجال: الأب، الجد، العم، الزوج ونحوهم، يقول ابن أبي الوفاء الحنفي بعد أن ذكر بعض الأحكام التي تختلف فيها المرأة عن الرجل: "وهذه الأشياء كلها مانعة لهن من التعليم والتعلم، اللهم إلا أن تكون الواحدة منهن في قعر بيتها، مستغنية بعلماء بيتها، كزوج وعم وأخ وخال وأب، إلى غير ذلك من الألزام".

وقد ضاقت على الفتيات في السابق فرص التعليم خارج البيوت والمدن مقابلة بما أتيح من الفرص التعليمية للذكور، فإن اختلاطهن بالرجال في المؤسسات التربوية ممنوع شرعاً؛ ولهذا لم يرتبط تعليم المرأة المسلمة في السابق بالمدارس العامة، فقد كانت -كما يظهر- خاصة بالرجال من المدرسين والطلاب, فلا يُذكر النساء عند ذكر المدارس الإسلامية.

وكذلك في مجال الرحلة, وتكبد مشاق السفر والتنقُّل الذي كان وسيلة الطلاب للعلم في ذلك الوقت, وشرطاً ضرورياً لبنائهم العلمي, ومع ذلك لا يقدر عليها جميع الطلاب, فهي جهد شاق, وعناء لا يناسب طبيعة ودور الفتاة في الحياة الاجتماعية الإسلامية, حتى إنه لا تكاد تُوصف امرأة منهن بالرحلة العلمية إلا القليل النادر منهن, وما زال أسلوب الرحلة بالنسبة للإناث حتى اليوم يختلف في قيوده وحريته عن الرحلة بالنسبة للرجال, فالرجال - بصورة عامة- أكثر ميلاً للسفر والهجرة من النساء، وإذا أضيف إلى مسألة الرحلة قضية أسلوب وشروط منح الإجازات العلمية للطلاب: كانت المسألة في حق النساء في غاية التعقيد؛ فقد كانت الإجازة العلمية التي تُؤهل الطالب للتدريس والفتوى في غاية الصعوبة, لا تُعطى له إلا بعد المرابطة مع الشيوخ, وملازمة حلقاتهم, والطعن في السن, وبعد التمحيص الشديد, والاختبارات الشاقة, وهذا الأداء -في الغالب- لا يناسب الإناث، فليست الإجازة للتدريس والفتوى كالإجازة في رواية الحديث، التي لا تتطلب أكثر من إتقان تحمل الرواية, ثم حسن أدائها, وكثيراً ما تعطى بغير ملازمة, ولا حتى لقيا, وربما أعطيت للجميع, ولها صور متعددة, لا ترقى لأسلوب الإجازة في ميدان الفقه والفتوى؛ ولهذا تكثر الإجازة للنساء في ميدان الرواية بصورة خاصة, وهو من أوسع ميادينهن العلمية.

ولا ينبغي للفتاة المسلمة المعاصرة أن تستهجن هذا الوضع الاجتماعي الطبيعي, فإن نسب المتعلمين من الذكور دائماً أكبر على المستوى العالمي من نسب المتعلمات من الإناث, ولا يشذُّ عن هذا الوضع إلا بعض دول الخليج العربي في بعض المراحل التعليمية, وفرص التعليم المتاحة لهم أوسع وأكبر من الفرص المتاحة للإناث، وعددهم في الجامعات العالمية والتعليم العام حتى في الدول المتقدمة المعاصرة أكثر في الغالب من عدد الفتيات, فقد تصل نسبتهم إلى (74%) من إجمالي أعداد الطلاب, وبالتالي يقل عدد حاملات الشهادات العليا من النساء ليصل في أمريكا إلى (13%) فقط في فترة السبعينات من هذا القرن، مما ترتب عليه انخفاض عدد الأستاذات في الجامعات الغربية ليتراوح ما بين (11%-27%) حسب إحصاءات عام 1990م.