الصفحة الرئيسة @ المقالات التربوية @ التربية العقلية للفتاة @ 35ـ محدودية أسماء الإناث في كتب التراجم


معلومات
تاريخ الإضافة: 23/8/1427
عدد القراء: 3152
خدمات
نسخة للطباعة     إرسال لصديق

يظهر من كتب التراجم أن أعداد النساء المذكورات -في العموم- قليلة إذا ما قُوبلت بأعداد الرجال، بحيث تزداد أعداد تراجمهن في هذه الكتب كلما ضعُفت شروط الانتقاء والتمحيص عند صاحب الكتاب، وتقلُّ تراجمهن تبعاً للعلم والفضل والمكانة والشهرة، وشدة شروط المُترجِم, وفي كلا الحالين فهنَّ قليلةٌ أعدادهن بالنسبة للرجال، فمن العلماء من ضمَّن كتابه (10%) من النساء، ومنهم من ضمَّن كتابه (7%), ومنهم من ذكر (3.5%) منهن, وربما اكتفى بعضهم بذكر (3%) فقط، ومنهم من اقتصر على ذكر (2.1%) من النساء, وربما انخفضت نسبتهن إلى (1.5%) فقط، أو ربما إلى (1%), أو (0.7%), أو حتى (0.1%), والبعض لم يزد على ذكر ثلاث فقط, والبعض اكتفى بذكر اثنتين, وربما اكتفى بعضهم بذكر واحدة فقط, والبعض لم يذكر منهن حتى واحدة.

وهذا التوجُّه الغالب في كتب التراجم لا يرجع إلى إنكار فضل النساء وما عند بعضهن من علم، فإن الأمة مُجمعة على أن خبر الشخص لا يُردُّ بسبب الجنس؛ وإنما حال النساء في الغالب على الستر وعدم الذكر, فإن نصف المحدِّثات تقريباً من التابعيات, ممن لهن رواية في الكتب الستة المشهورة: مجهولات الحال غير معروفات عند أصحاب الحديث؛ لذا كره بعض السلف من التابعين الرواية عن النساء إلا عن أزواج النبي r خاصة دون غيرهن من النساء؛ لكونهن معلومات الحال, ومعروفات الفضل. وما كان لعلماء الأمة الأماجد أن يتعصَّبوا ضد النساء, لولا أن أحوال النساء المعلومة, ووضعهن الاجتماعي يفرض هذا التوجه في التعامل معهن.

والناظر في موسوعات تراجم الصحابة يجد هذا التوجه الاجتماعي واضحاً بيِّناً, فرغم أن النساء يشكِّلن نصف المجتمع النبوي -كما هو الحال في المجتمعات الإنسانية- إذ إن مجرد لُقيا المؤمن للنبي r تثبت بها الصحبة والفضل، ومع ذلك فإن نسبة تراجم النساء في هذه الموسوعات منخفضة، تتراوح ما بين (12.5%) إلى (13.2%), وربما بلغت عند البعض (23.7%) كأقصى تقدير, وربما أيضاً هبطت عند آخرين إلى الصفر.

والعجيب في الأمر أن نسب أعداد تراجم النساء تكاد تكون ثابتة الانخفاض عبر الأجيال البشرية المتلاحقة وإلى اليوم, وكأنها من القضايا الاجتماعية المطردة, والمتواطأ عليها؛ فرغم المناداة في هذا العصر بحقوق النساء، والسعي الحثيث في تحريرهن، ودفعهن للمشاركة الجادة في كل مرافق الحياة العامة التي تُبرزهن في المجتمع، وتُظهر جهودهن: فإن ذكر أخبارهن في كتب التراجم الحديثة يكاد يكون معدوماً عند البعض، وربما لا تزيد عند أحدهم عن (0.5%) .

ورغم أن أحد المؤلفين تصدى لجمع تراجم كل من اشتهر بأمر -أياً كان- من الرجال و النساء؛ فإن نسبة النساء عنده لا تكاد تزيد عن (2.5%) تقريباً من المجموع الكلي للتراجم, وفي موسوعة حوت أكثر من (1600) ترجمة لمشاهير القرن العشرين، بلغت نسبة النساء فيها (6%) فقط, وأما موسوعة "أعلام النساء" لكحالة فإن مجمل عدد النساء فيها, مع المستدرك عليه, والتكملة له: (2910) امرأة، فرغم أنه أوسع كتاب في أعلام النساء من جهة العدد, حيث انتظم تاريخ العرب والمسلمين عامة: فإنه مع ذلك لم يبعد كثيراً عن الموسوعات القديمة، بل قد لا يُقابل بها من جهة العدد: فإن ابن حجر جمع في "الإصابة" أكثر من (1500) امرأة من مجتمع واحد صغير، والسخاوي ذكر أكثر من (1000) امرأة من قرن واحد, فكيف لو جمعنا أخبار النساء عبر التاريخ الإسلامي كله؟.

وأما من جهة النوع والانتقاء: فإن في موسوعته إلى جانب الصحابيات الفاضلات, والعالمات الفقيهات, والمحدثات الحافظات, والعابدات من صالح نساء المؤمنين: فقد أورد جمعاً كبيراً من الحرائر والإماء ممن نُسبن إلى المجون والفجور ممن لا تفخر الأمة بأمثالهن, ولا تعتز بانتسابهن إليها، إلى جانب ذكره جمعاً من قريبات الرجال المشاهير, مع إيراده بعضاً من غير المسلمات, وعدداً من النساء المغمورات والمجهولات دون تراجم لهن, حيث جمع -كما يظهر- كل اسم وقع له من أسماء النساء عبر التاريخ العربي والإسلامي دون انتقاء؛ ولهذا ظهرت موسوعته كبيرة, وإلا فلو قُدِّر لباحث أن يجمع من الرجال على نهجه في جمع أسماء النساء: لكانت موسوعة بشرية لا مثيل لها.

وهذا النهج في جمع التراجم دون انتقاء كثيراً ما ينهجه المشتغلون بتراجم النساء, حين لا يجدون من يُترجَم لهن من المتفوقات فيعدلون إلى مطلق الجمع دون ضوابط أو تمحيص, وأعجب من هذا من تجمع في تراجم النساء قريباً من (30%) من غير المسلمات, عدا المغنيات والعاشقات والساحرات والكاهنات والجواري الساقطات, ثم تقدِّمهن للمجتمع الحديث على أنهن الدر المنثور, وربات الخدور!! ومن المعلوم تاريخياً أن غالب القيان والجواري المطربات، اللائي أشغلن الناس في زمنهن بأشعارهن المطربة، وما يُسمى بالفن: كن منحرفات السلوك ومنحلات الأخلاق، يتخفَّين بستار الظُرف وصناعة الفكاهة والطرب، ولا شك أن هذا النوع من النساء لا حاجة للأمة في ذكر أخبارهن وأحوالهن المخجلة، وإنما الأولى الإعراض عن ذلك إلى ذكر الصالحات من نساء الأمة ولو كن قليلات، فالقدوة والأسوة الحسنة توجد غالباً في القليل من الناس.

والمقصود مما تقدم أن كتب التراجم في كل عصر أغفلت أخبار النساء بصورة طبيعية تتناسب مع أحوالهن من جهة، ومع درجة التفوق والاشتهار من جهة أخرى.

ومن خلال هذا الأساس، وما تم استعراضه من الفقرات: اتضح أن الرجل والمرأة لم يخلقا ليتنافسا في مضمار واحد، فلكل منهما ميدانه ومجاله، وإنما خُلقا ليتعاونا ويتكاملا، فمبدأ المقابلة التنافسية بينهما، ولا سيما في القضايا الفكرية أمر مرفوض من أساسه.