الصفحة الرئيسة @ المقالات التربوية @ التربية العقلية للفتاة @ 29ـ واقع إنتاج الإناث في العلوم الشرعية


معلومات
تاريخ الإضافة: 20/8/1427
عدد القراء: 2690
خدمات
نسخة للطباعة     إرسال لصديق

من خلال الاستقراء للكتب التي اهتمت بذكر المؤلفين في العلوم الشرعية المختلفة اتضح أن مجال التفسير وعلوم القرآن، وأخبار مشاهير القرَّاء الذين ذُكروا ليس بينهم امرأة واحدة. وكذلك الحال في مجال العقيدة؛ إلا أن أحدهم ذكر اهتمام إحداهن برواية كتاب "الرد على الجهمية".

وفي دراسة حديثة للرسائل الجامعية في التفسير وعلوم القرآن في أربع جامعات سودانية كانت نسبة الإناث من هذه الرسائل31%.

وأما مجال الفقه والفتوى فلم يُذكر بالفقه حتى نهاية زمن التابعين سوى إحدى عشرة امرأة بين سبعة عشر ومائة من الفقهاء، ولم يذكر ابن حزم رحمه الله من بين الصحابة المكثرين سوى عائشة رضي الله عنها، وعندما عدَّد جملة المُفتين من أهل القرون المفضلة لم يُورد سوى (21) امرأة من أصل (452) عالماً من أهل الفتوى. وأما في القرن المتأخر فلا يُذكر من النساء واحدة، وفي دراسة سعودية حديثة استوعبت جميع المتخصصين في الشريعة منذ فتح مدينة الرياض وحتى الآن، كان عدد النساء فيها (46) امرأة فقط بنسبة (2.6%).

ومن خلال استعراض تراجم النساء في التاريخ الإسلامي يظهر لبعضهن اهتمام بالفقه والفتوى، إلا أن عددهن قليل إذا قُوبل بعدد الرجال، فإن مشاهير فقهاء المذاهب الإسلامية المشهورة وغيرها لم يُذكر بينهم نساء، إلا أن تكون السيدة عائشة رضي الله عنها وحدها.

وعند الحديث عن طبقات علماء المذاهب الأربعة ومن نُسب إليهم من الفقهاء عبر القرون من: الأحناف والمالكية والشافعية والحنابلة فإن عدد النساء مع ما قد يتكرر من أسمائهن لا يكاد يتجاوز (130) امرأة، مقابل الألوف من رجال هذه المذاهب وفقهائها.

والعجيب أن المطلع على كتب الفقه لا يكاد يجد فتوى لامرأة تتناقلها هذه الكتب إلا لعائشة وقليل جداً من أخواتها من الصحابيات رضي الله عنهن.

وكذلك الحال في مجالي: القضاء، وأصول الفقه لا تذكر النساء حتى في هذا العصر، إلا بشيء يسير قليل جداً من المؤلفات، وأما عند ذكر مطلق علماء الأمصار ممن عُرف عنهم العلم فإن نسبتهن تتراوح ما بين (1%-1.6%)، وربما لا يُذكرن مطلقاً.

وأعجب من هذا ألا تُذكر النساء حتى بنسخ الكتب، فعند الحديث عن نُسَّاخ كتب الفقه وأصوله لا يُذكر من النساء إلا واحدة أو اثنتان فقط.

وأما مجال الحديث النبوي وروايته عبر القرون الإسلامية، فرغم أنه أكثر مجالات المرأة اهتماماً وإنتاجاً؛ لكونها بالطبع تعتمد على حاسة السماع أكثر من غيرها من الحواس؛ ولكون رواية الحديث من العلوم والمعارف التي انتشرت بين المسلمين كأوسع ما يكون، حتى شغفوا بها، واستكثروا منها، ولا سيما في القرون الأولى، ومع ذلك فإن الواقع يشهد بقصور شديد للنساء في هذا المجال أيضاً إذا ما قُوبل إنتاجهن بإنتاج الرجال من المحدثين، فرغم أن كتب التراجم تذكر تفوق بعضهن في الرواية، وأخذ الرجال عنهن شيئاً من الأخبار، فإن عددهن مع ذلك قليل حتى في طبقة الصحابة، رغم الانفتاح العلمي في ذلك الوقت، حيث يتراوح عدد الراويات عن الرسول r  في الجملة بين (100-127) راوية، وربما انخفض عددهن إلى (96) راوية فقط، وربما إلى ما هو أقل من ذلك بكثير، في حين بلغ عدد الصحابة الرواة أكثر من خمسة إلى سبعة، وربما إلى ثمانية أضعاف عددهن، وهذا في مطلق الرواية، وأما بمقياس التفوق والاستكثار فإن عددهن يتناقص إلى ثمان وعشرين مقابل ثلاثة وخمسين ومائة من الرجال، وفي طبقة التابعين ينقص عددهن ليصل إلى سبعٍ مقابل ستة وستين محدثاً، وربما انخفض إلى اثنتين فقط عبر إحدى وعشرين طبقة من طبقات المحدثين، فإن بعض كتب تراجم المحدثين تذكر العدد الكبير من رجال الحديث، ثم لا تذكر من النساء سوى عائشة وأم الدرداء رضي الله عنهما، وربما لم يُذكر منهن واحدة مطلقاً.

وفي دراسة حديثة جمعت أسماء كل من روت عن النبي r  في القرن الثامن الهجري فلم يتعد عددهن (232) امرأة، وعندما أفردت المكثرات منهن انخفض عددهن إلى (15) امرأة فقط، وفي دراسة حديثة أخرى جمعت المشهورات من راويات الحديث عبر ثلاثة عشر قرناً فلم تتجاوز (364) راوية، كما أن إسهامهن في نقل السنة النبوية عبر روايات الكتب الستة التي تمثل دواوين الإسلام، لا تزيد عن (3.5%)، فإذا أضيف إلى هذه الكتب الستة ما يُتمم الكتب العشرة فإن نسبتهن تنزل إلى (3.1%).

وعند ذكر الثقات من رواة الحديث ينحصر عددهن في (43) مُحدِّثة، مقابل (2323) من المحدثين الثقات، وربما ارتفع عددهن إلى (52) امرأة عند ذكر كنى المحدثين ولكن في مقابل (6943) من الرجال، وربما وصل عددهن إلى (120) امرأة عند ذكر مطلق الرواة، ولكن في مقابل (4216) رجلاً من المحدثين، وربما انخفضت أعدادهن في بعض كتب التراجم إلى (20) امرأة مقابل (1936) من الرجال، وإلى (13) امرأة مقابل (1386) رجلاً، وإلى (8) نساء مقابل (1021) من الرجال، وإلى (6) نساء مقابل (1424) من الرجال.

وأما اتخاذ أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها رمزاً لتفوق المرأة في رواية الحديث، فهذا لا يصح لكونها متفردة عن سائر نساء العالمين، بل هي في النساء كالغراب الأعصم بين الغربان، وحتى ضرائرها رضي الله عنهن من نساء النبي r، وغيرهن من الصحابيات الفاضلات لا يقارنَّ بها في نقل السنة النبوية، لا من جهة العدد، ولا من جهة الإتقان والحفظ، ولعل مما يدل على تفردها رضي الله عنها عن باقي النساء في ميدان الرواية كونها فاقت في حفظها وأدائها للسنة جملة نساء عصرها، فقد خرَّج لها وحدها الإمام أحمد في المسند (1340) رواية، مقابل (936) رواية خرَّجها لباقي النساء، وهذا لا شك تفوق لا مثيل له في طبقتها، وبناء على ذلك فلا يصح اتخاذها رضي الله عنها رمزاً لبروز باقي النساء في هذا الجانب، بل هي تمثل بشخصها وعلمها صفَّاً واحداً منفرداً عن سائر الناس، لا تمثل غيرها من النساء.

وأمًا من جهة تأليفهن في السنة فهو نادر وقليل، فقد ذُكر لبعضهن تآليف في السيرة والخصائص النبوية، ولبعضهن تعليقات على بعض كتب الحديث، وذكر ابن حجر أنه أخرج لإحداهن معجماً في مجلدة، ونحو ذلك مما يذكره العلماء عن بعض النساء، إلا أن هذه الجهود -كما يظهر- لا ترقى إلى مرتبة التصنيف الذي تحتاجه الأمة، وتحرص على نقله وحفظه، فإن المهتمين بكتب السنة لم يذكروا للنساء عبر التاريخ الإسلامي القديم كتباً متداولة في السنة المطهرة، أو في شيء من علومها، إلا أن يكون شيئاً يسيراً لا يصل إلى واحد بالمائة مما يُنسب إلى الرجال في القديم والحديث، وربما لا يُذكر لهن شيء في هذا المجال.

ولعل من الأمثلة التي تدل على صحة هذه الوجهة ما يتعلَّق برواة موطأ الإمام مالك - الذي يأتي في المرتبة بعد صحيح مسلم، فقد روى الموطأ ثمانون راوياً ليس بينهم سوى امرأة واحدة، وهي ابنة الإمام مالك، ومع قربها من أبيها صاحب الكتاب إلا أن روايتها للكتاب ليست موضع اهتمام المحدثين، ولا تُعد ضمن الروايات الموثوقة للموطأ عند العلماء، مما يشير إلى اكتفاء الأمة بمؤلفات ومرويات الرجال عن مؤلفات ومرويات النساء، بل إن الإمام مالكاً نفسه حين دخل على التابعية عائشة بنت سعد رضي الله عنها ليسألها عن بعض الحديث الذي ترويه، فلما وجدها ضعيفة البدن أعرض عن الأخذ عنها، رغم أنها كانت ثقة في نقلها الحديث الشريف.

ولقد درج الناس من طلبة العلم على الأخذ عن المشتهرين من العلماء، والإعراض عمن هم دونهم في الشهرة من حملة العلم، حتى إن جمعاً من الصحابة من أهل بدر وغيرهم من التابعين، ممن لهم علم ومعرفة لم ينشغلوا بالتعليم لانصراف الناس عنهم إلى المشهورين من علماء الصحابة والتابعين، فإذا كان هذا حال طلبة العلم مع العلماء من الرجال، فكيف تراه يكون حالهم مع العالمات من النساء؟