الصفحة الرئيسة @ المقالات التربوية @ التربية العقلية للفتاة @ 10ـ مراعاة المنهج التعليمي طبيعة الفتاة الوظيفية
إن من سمات المجتمع المتحضر: "أن تكون الأسرة هي قاعدة المجتمع, وأن تقوم الأسرة على أساس التخصص بين الزوجين في العمل", بحيث تتباين أدوارهما الاجتماعية وتتكامل حسب الوظيفة الطبيعية لكلٍّ منهما, فيُنشَّأ كلُّ جنس بما يقتضيه طبع الخلْقة, والدور الاجتماعي المنوط به, فالذكر ينشأ ذكراً, والأنثى تنشأ أنثى, فيُهيأ الجميع من الصبيان والبنات لأدوارهما العائلية المرتقبة, على أساس الوظيفة من أول الأمر دون تأجيل؛ فإن "تربية المرأة لا تختلف في معناها وطبيعتها عن تربية الرجل إلا بما تقتضيه الفروق الجسمية والعقلية والنفسية بينهما, وما يقتضيه الاختلاف في الوظائف المرغوب إعداد كل منهما لها", حيث يتَّحدان في أساسيات المنهج فيما يتعلق بالعقيدة والنظرة إلى الحياة, وأصول الأخلاق والآداب ونحوها, ويختلفان في نهج الإعداد للحياة الزوجية, والرعاية الأسرية, والأدوار الاجتماعية العامة, وما يحتاجه كل منهما من العلوم والمعارف لينجح في أداء وظيفته, فالتعليم لا بد أن يخدم الفتاة في جانبين، الأول: تعليمها العلوم والمعارف المشتركة التي يتحد فيها الجنسان, والثاني: تعليمها ما تحتاجه من العلوم والمعارف الخاصة بالإناث، للقيام بوظيفتها الأنثوية, ودورها الاجتماعي, وبذلك تكون مهمة العلم خدمة العمل.
وقد سلكت المجتمعات البشرية منذ القديم وإلى عهد قريب مبدأ التربية حسب الوظيفة, حتى في بعض المجتمعات الاشتراكية التي ترفض مبدأ تنميط الأدوار الاجتماعية بين الجنسين, في حين ما زالت فئات من الناس تتجاهل مشروعية ومعقولية قيام هذا المبدأ المزدوج في تربية النشء, حتى أصبح من الشائع المسلَّم به عندهم: أن تنميط الدور الجنسي دمَّر المرأة، وحرمها من تحقيق النجاح المهني, وأخذوا من خلال بعض المؤتمرات التربوية, والبحوث العلمية: يوصون بتجاهل الفوارق البيولوجية بين الجنسين, التي تُحتم اختلاف أدوارهما الاجتماعية, حتى إن بعض المدارس العربية قامت بالفعل بتطبيق مناهج عملية تخلط فيها بين أدوار الجنسين الاجتماعية.
إن الغموض في تصورات هؤلاء المعارضين لاختلاف مناهج الجنسين التربوية لا يكمن -غالباً- في إنكار اختلاف الطبائع الخلْقية والخُلُقية بين الجنسين؛ إنما يكمن في تجاهلهم لطبيعة دور الأنثى في المجتمع, وطبيعة مجالات تفوقها, حيث يُقحمون دورها الاجتماعي ضمن المجال المهني: فيظهر بالتالي إخفاقها؛ لكونه ميدان تنافس الذكور وتفوقهم, يقول العلامة عبد الحميد بن باديس عن اختلاف الأدوار الاجتماعية بين الجنسين: "علينا أن نكمِّل النساء تكميلاً دينياً, يُهيئهنَّ للنهوض بالقسم الداخلي من الحياة"؛ ويفهم من ذلك أن القسم الخارجي خاص بالذكور.
إن التربية الزوجية, ورعاية الطفولة, وخدمة الأسرة أسمى ما تتربى عليه الفتاة المسلمة بعد تعلُّم أحكام دينها وفروضه الضرورية, بحيث يستقر في نفسها دون تردد أو شعور بالنقص -كما يظن البعض- أن هذه المهمّة الوظيفية هي أرقى وأجل مهن الإنسان على الإطلاق, وأن التنويع والتعدد في مهن الذكور لا يقلل من شأن التوحُّد والمحدودية في مهن الإناث؛ لشرف مقام صناعة الإنسان, ورعاية النوع, فبقدر ما في مهن الرجال من التعدد والاختلاف: يكون في أساليب ووسائل طرق التربية والتنشئة من التنوع والتجديد الإيجابي.
إن ضلال مناهج التربية الغربية المعاصرة عما كانت -إلى عهد قريب- تدعو إليه بقوة من تأييد وظيفة الفتاة الأسرية في الإنجاب, ورعاية النشء؛ لا يبرر للأمة الإسلامية النكوص عن هذه المسلمات الوظيفية الفطرية, خاصة وأن اليابان الحديثة لا تزال حتى اليوم تتبنى في مناهجها التربوية هذه المهام النسائية بكل قوة, من خلال جامعات وكليات متخصصة في إعداد الفتيات للمهام الأسرية بصورة خاصة, ولعل هذا النهج التربوي هو السبب الرئيس في تفوق شعب اليابان التقني, وتقدمه العلمي.