الصفحة الرئيسة @ المقالات التربوية @ التربية العقلية للفتاة @ 7ـ ضرورة التعليم الديني للفتاة المسلمة
نهج التعليم الديني في التصور الإسلامي يتجه في منحيين:
الأول: تعليم كفائي: إذا قام به البعض سقط الإثم عن الباقين، وهو مجال التخصص والتعمق العلمي في الأحكام الدينية والشرعية.
الثاني: تعليم عيني: وهو ما يجب على كل مكلَّف تعلُّمُهُ، من أحكام الشريعة الأساسية، وضروريات العقيدة، "وما تواتر كونه من الدين, بحيث يعلمه عوام المسلمين من غير حاجة إلى نظر واستدلال"، وبذلك يقع في الإثم من قصَّر في تعلمها من الذكور والإناث، واستحق بتقصيره العقوبة التعزيرية التي تناسبه، وهذا النوع من التعليم الأساس الضروري: لا يصح من الأمة الإسلامية أن تدَّخر أيَّ جهدٍ -مهما كان يسيراً- في سبيل تعليمه للعامة على الوجه الصحيح بحيث تشعر الأمة بالعجز على الزيادة عليه، حتى يصبح متاحاً للجميع لا يجهله أحد.
ومع هذا التوجه الإسلامي نحو علوم فروض العين: فإنها -في العصر الحديث- لا تجد في واقع الحياة التعليمية ما تستحقُهُ من الاهتمام في مقابل علوم فروض الكفاية، حتى أصبح جهل الفتيات بها عاماً لا يخفى، رغم أن "حاجة الأمة المسلمة للعلوم التي ترقى بها دينياً أشد من حاجتها للعلوم التي ترقى بها مادياً"، خاصة وأن حاجة الفتيات على الخصوص لهذه العلوم أشد من حاجة الفتيان إليها؛ فإن ما يحتجن إلى تعلمه منها أكثر مما يحتاجه الذكور؛ فتعلم مسائل وأحكام الدماء الطبيعية التي خصَّهُنَّ الله تعالى بها دون الذكور: تُعدُّ من أعظم المهمات العلمية التي يفتقرن لمعرفتها؛ لما يترتب عليها من الأحكام الشرعية الكثيرة المختلفة، مما يجعل ضرر الجهل بها أشد وأعظم من ضرر الجهل بغيرها من الأحكام الفقهية، فالتعليم الديني -من هذا المنظور- ضرورة شرعية ملحَّة للفتيات على وجه الخصوص، يتعلمن من خلال المنهج ما فرضه الله تعالى عليهن، من: العقائد، والعبادات، والأحكام التي لا يكون المسلم مسلماً إلا بها، وقد أثبت البحث الميداني الحديث افتقار الفتيات إلى هذا النوع من المعرفة الدينية، وميلهن إلى تعلمها، مما يؤيد ضرورة التوجه المنهجي نحو المعارف الدينية.
وانطلاقاً من هذه الحاجة العلمية، والضرورة الشرعية: فقد جاءت توصيات بعض المؤتمرات الإسلامية موافقة لهذه المبادئ، حيث أوصت بضرورة الاهتمام بالمواد الدينية، وجعلها مواداً أساسية في جميع مراحل التعليم، وفي كل التخصصات العلمية، حتى تأخذ طريقها إلى الناشئة بشكل ميسور ومبرمج، فينشأوا عليها، متشربين آدابها وأخلاقها، وأعظم هذه المواد الدينية على الإطلاق، التي تستلزم بالضرورة مزيد اهتمام: القرآن الكريم، والسنة المطهرة، وما يتعلق بهما من العلوم والمعارف، فيكونان المحور الأساس لأنظمة التعليم في البلاد الإسلامية، فتُبنى جميع المناهج الدراسية لتوافق هذين الأصلين العظيمين، ويكون القرآن أداة التربية الإسلامية الأولى، كما كان عند السلف؛ بحيث يصبح المصدر المقياس لكل فكر يُراد وصفه بأنه إسلامي، والمنبع الأصيل لكل وجهة نظر تُنسب إلى الإسلام؛ وتكون أهداف مناهج التعليم الديني المنبثقة عن هذين الوحيين واضحة وبيِّنة للمربين وواضعي المناهج، بحيث ينطلق الجميع من أساسين اثنين في تدريس هذه العلوم الدينية للفتيات:
الأول: أن ينبعث تدريسها من كونها أفضل العلوم والمعارف على الإطلاق, وأن من أراد الله تعالى به خيراً: فتح عليه في هذه العلوم؛ لأن "أهم المعارف وأعلاها معرفة الله عز وجل، ومعرفة صفاته وحكمته البالغة, وآثار صنعته, ومعرفة تعاليمه وأحكامه", وفي الجانب الآخر: فإن "أقبح الجهل: جهالة الإنسان بالملك الدَّيان, وبأحكام القرآن, وبما أعدَّه الله في الجنان لأهل الطاعة والإيمان, وبما أعدَّه من النيران لأهل الجهل والعصيان", وعلى هذا النهج سارت المدرسة الإسلامية ومعاهد العلم في تاريخ المسلمين، فقد تجسَّدت فيها العلوم الدينية كأقوى ما يكون.
الثاني: أن تُربط جميع المواد الأخرى لا سيما مواد العلوم الطبيعية بالوحي، بحيث تصبح هذه العلوم المادية تفسيراً عملياً لكتاب الله تعالى من نوع خاص، وحتى تكون هذه المواد كما أرادها الله تعالى: ميداناً للإيمان، ومحراباً للعبادة العقلية، في فترة من سن الشباب عند الفتاة، تتفتح فيها الاستعدادات العقلية والنفسية للاتصال بالوجود، والتَّطلع إلى عالم الغيب، وفهم المبادئ والمثل العليا بصورة أفضل.