الصفحة الرئيسة @ المقالات التربوية @ التربية الاجتماعية للطفل @ 4ـ أدب الطفل في المجلس
إن للمجلس آداباً وأخلاقيات ينبغي مراعاتها والاعتناء بها، وذلك لينشأ الأولاد متشبعين بالخلق الحسن والأسلوب الرفيع، فما أن يكبروا إلا ويقبل عليهم الناس محبة فيهم، وأنساً بقربهم، ورغبة في مخالطتهم.
ومن أهم هذه الآداب: حسن الضيافة والاستقبال، فإن كثيراً من الأولاد الكبار لايحسنون استقبال الضيف، أو التفاهم معه، ومعرفة طلبه، وذلك لأنهم لم يتدربوا عملياً على هذا السلوك، والواجب على الأب المسلم أن يُعرِّف أولاده كيفية استقبال الضيوف، وكيف يكلمونهم، وبأي أسلوب يحدثونهم، وذلك تحقيقاً لأمر رسول الله r إذ يقول: ((من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه)). وهذا يبدأ نظرياً بالبيان والتعليم، ثم يمارس عملياً، فيترك الأب للولد فرصة لتطبيق ما أرشده إليه في هذا المجال، فإن كان الأب في انتظار شخص ما، أو قريب ما، أوكل إلى الولد استقباله بعد أن يكون قد عرفه الأسلوب الحسن والطريقة المثلى في ذلك، مع إرشاده إلى المكان المراد استقبال الضيف فيه.
ويحاول الأب أن يراقب الولد عن كثب؛ ليعرف مدى نجاحه في التطبيق، ويرشده إلى الأخطاء التي عملها إن وجدت مع مكافأته. وبهذا الأسلوب يتدرب الولد على مخالطة الناس، وتتكون لديه القدرة على التفاهم والجرأة، فلا يهاب الغريب، ولا يخجل من الضيف.
كما يوليه أمر خدمة الضيف من تقديم المرطبات والماء، أو الأكل، أو مساعدته للوصول إلى دورة المياه، وغير ذلك من الخدمات. ولا ينبعي أن يفهم الأب من ذلك أنها مهانة للطفل، أو تحقير له، أو هضم لحقوقه وإلغاء لشخصيته، بل يجب أن يعرف أن هذا هو نهج خير الخلائق محمد r فقد كان يقوم بنفسه أحياناً فيخدم الضيوف وذلك مع جلالة قدره وعظيم منزلته ومكانته، وكذلك نبي الله إبراهيم u.
ويعود الأب ولده أدب المجلس فإذا حضر الكبار استمع إلى حديثهم، فلا يتكلم إلا إذا طلب منه، وهذا نهج أبناء الصحابة إذا حضروا مجالس الكبار، فقد روى البخاري في صحيحه أن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال r: ((أخبروني بشجرة مثلها مثل المسلم تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها ولا تحت ورقها؟ فوقع في نفسي النخلة فكرهت بأن أتكلم وثم أبو بكر وعمر))، ويظهر من هذه الرواية أدب الصغير في مجالس الكبار، فلا يتكلم إلا عند الحاجة وإذا طلب منه، وهذا الأدب يُعلمه الأب ولده، وينبهه عليه، فلا يكثر الكلام واللغط في المجلس، فهذا من قلة الحياء.
ومن آداب المجلس أيضاً تعويد الولد وتدريبه على آداب العطاس والتثاؤب، فإن الولد إن لم يتعلم تلك الآداب والسنن، ويتدرب عليها ربما فتح فاه أمام الناس داخل المجلس بصورة قبيحة، وربما عطس أو سعل في وجه أحد الجالسين فأصاب بعضهم من الرذاذ المتطاير إلى جانب رفع الصوت بتركه تخمير وجهه، وهذا لا شك من سوء الأدب، وقبح التصرف. والولد لا يُعاتب في ذلك إن لم يكن قد أُدب ووجه إلى الأسلوب الصحيح عندما تعتريه هذه الأحوال البشرية الطبيعية، إنما يعاتب المربي. والسنة في العطاس هي تغطية الوجه باليد، أو بالثوب، أو نحوهما، وذلك لما روي عن رسول الله r أنه ((كان إذا عطس غطى وجهه بيده أو بثوبه وغض بها صوته)) رواه الترمذي، والأفضل هو تغطية الوجه عند العطاس بمنديل، إن وجد، أو بالثوب، أما باليد فلا يفعله إلا إذا عدم المنديل، أو لم يتمكن من وضع ثوبه على وجهه وذلك لأنه يخرج من العطاس عادة رذاذ ومخاط فلا يكون لائقاً أن يصيب يده ثم يمسحه في ثوبه، أو في الأرض، ثم يصافح الداخلين إلى المجلس، والأليق هو تعويد الولد على حمل المنديل في الجيب فإن احتاج إليه أخرجه وتنظف به.
ويعود الولد على كظم صوته عند العطاس ولا يلفت الأنظار إليه بشدة الصوت الذي يخرجه، ويعلم حمد الله بعده، ويذكر إذا نسي كأن ينظر إليه، أو يقول له الأب: "ماذا يقول المسلم إذا عطس؟" وهكذا حتى يتعود على هذا الأدب ولا ينساه.
أما التثاؤب فهو مكروه، ومن فعل الشيطان، والأدب الإسلامي في ذلك هو ما جاء عن رسول الله r في هذا الشأن حيث قال: ((التثاؤب من الشيطان، فإذا تثاءب أحدكم فليكظم ما استطاع))، وذلك لأن التثاؤب من الكسل وثقل البدن، والميل إلى الاسترخاء، وهو بعكس العطاس الذي يدل على النشاط والخفة، وقد ذكر العلماء سبب تغطية الوجه ووضع اليد على الفم ذلك لئلا يضحك الشيطان من الإنسان بتشويه صورته ودخوله في فمه.
وهذا الأدب يلزم به الأب ولده بالتكرار والتنبيه، مع إفهام الولد أن التثاؤب من الشيطان، وأنه يضحك عليه إن تثاءب ولم يغط فمه، ويحاول الأب أن يريه شكل المتثائب الذي لا يتأدب بهذا الأدب النبوي الرفيع، كيف أن فاه قد فتح بصورة بشعة تدل على خفة العقل وضعفه، فيرشده إلى النظر في المرآة، وكيف أن المتثائب قبيح المنظر بشع الصورة، وبذلك ينفر الولد من هذا السلوك، ويعتاد ذلك الأدب.
ومن آداب المجلس أيضاً شكر المضيف والدعاء له فإنه "لا يشكر الله من لا يشكر الناس" فشكر الناس على حسن صنيعهم مهم ومطلوب وهذا الأدب يعوده الأب ولده عن طريق القدوة والتوجيه، فيأمره قبل الانصراف من المجلس أن يقول لصاحب البيت: "جزاك الله خيراً"، أو نحو ذلك من عبارات الدعاء والثناء، فيتعلم الولد أدب التعامل مع الناس، وخفض الجناح، وتقدير المعروف، ورده لأصحابه.
ويذكر الإمام الغزالي رحمه الله بعض الآداب التي ينبغي للأب تعويد ولده عليها وإلزامه بها في المجلس، فيقول: "وينبغي أن يعود ألا يبصق في مجلسه، ولا يمتخط، ولا يتثاءب بحضرة غيره، ولا يستدبر غيره، ولا يضع رجلاً على رجل، ولا يضع كفه تحت ذقنه، ولا يعمد رأسه بساعده فإن ذلك دليل الكسل، ويعلَّم كيفية الجلوس، ويمنع لغو الكلام وفحشه" وهذه الآداب التي ذكرها الغزالي رحمه الله لو تمكن الأب من تعويد ولده عليها لكان الولد وأبوه قدوة حسنة لغيرهم، ونموذجاً إسلامياً يحتذى.
وعندما يدعى الأب وابنه إلى وليمة، أو لقاء اجتماعي، أو نحو ذلك يحاول قدر المستطاع أن يلصق ابنه به، ولا يترك بينهما فرجة لإمكانية جلوس أحد بينهما، وذلك لقوله عليه الصلاة والسلام: ((ولا يجلس الرجل بين الرجل وابنه في المجلس)) ولعل السبب أن هذا يحزن الولد وأباه، كما أن هذا التفريق بين الأب وولده في المجلس يحرم الأب فرصة مناسبة لتوجيه الولد عند صدور خطأ منه، أو سوء تصرف في المجلس، خاصة إذا كان الولد صغيراً، كما أن هذا التصرف من الجالس بين الأب وولده يعد من سوء الأدب إن كان عالماً بذلك، وعلى الأب أن يمنعه من هذا المجلس بحسن التصرف، ومن أفضل الوسائل عدم ترك فرجة بينه وبين ولده.
ولا ينسى الأب تحفيظ ولده الدعاء المأثور عند ختام المجلس وقوله عليه الصلاة والسلام: ((من جلس في مجلس فكثر فيه لغطه فقال قبل أن يقوم من مجلسه ذلك: سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك. إلا غفر له ما كان في مجلسه ذلك)) وهذا التعويد يكون بالقدوة، فلا يقوم الأب من مجلس في البيت أو غيره إلا ويقول هذا الدعاء، رافعاً به صوته ليتعلمه الولد ويقتدي بأبيه، فإن نسي الولد ذكره.
ولابد من ملاطفة الأولاد في المجلس، خاصة الصغار منهم، وعدم تحقيرهم، أو طردهم من المجلس، فقد كان بعض الأطفال الصغار يحضره مجلس الرسول r وقد كان عليه الصلاة والسلام يعطف عليهم، ويدخل عليهم السرور بإعطائهم ما يحضره من فاكهة وغيرها عندما يؤتى بها في أول الثمر والإنتاج، والأب يقتدي في هذا بالرسول r، فيحسن على الأولاد في المجلس، ويعطيهم من الطعام والفاكهة والحلوى ما يفرحهم ويدخل عليهم الأنس والسرور، ولا يمنعهم من الجلوس مع الكبار.