الصفحة الرئيسة @ المقالات التربوية @ التربية الزوجية للفتاة @ 30ـ السَّعي في الإصلاح بين الزوجين


معلومات
تاريخ الإضافة: 20/8/1427
عدد القراء: 2740
خدمات
نسخة للطباعة     إرسال لصديق

قد لا يستطيع الزوجان تدارك الخلاف بينهما، ومعالجته بقدراتهما المحدودة، خاصة الأزواج الصغار منهم، فإن سعي الصالحين من الأقارب، والمعارف يعد من أعظم وسائل بقاء الحياة الزوجية واستمرارها، خاصة إذا عُلم أن الخلافات الزوجية أمر واقع، لا يكاد ينفك عنها زوجان، حتى بيت النبوة، فقد كان يحصل فيه من الخلاف بين الرسول r وعائشة على الخصوص : ما يستدعي أبا بكر للتدخل بينهما للإصلاح .

وقد كان عليه الصلاة والسلام يتدخل بين علي وفاطمة رضي الله عنهما إذا حصل بينهما خلاف، فقد رُوي أنه قال لها مرة لما شكت إليه علياً : " أي بنية اسمعي واستمعي واعقلي "، وكان يتدخل أيضاً بالإصلاح حتى بين الموالي، فأصلح بين أبي رافع وزوجته سلمى لما تجرَّأ عليها بالضرب بغير حق، وكان أيضاً يكتب للإصلاح بين الزوجين إذا بعدت المسافات، فكتب للإصلاح بين الأعشى وزوجته، لما اختلفا وحصل بينهما شر . ويقف عدم التفاهم بين الزوجين في الحياة الاجتماعية المعاصرة وراء عدد كبير من حالات الطلاق، فلا بد - والحالة هذه - من السعي الجاد في حل أزمات البيوت، وتداركها بالتفاهم قبل الانهيار، وضياع فرص الإصلاح .

ومن خلال الاستقراء يمكن حصر أهم مبادئ الإصلاح المطلوبة في ثلاث قضايا رئيسة لا بد من استيعابها ومراعاتها :

القضية الأولى : طول العشرة؛ فإن العلاقات الزوجية لا تكون قوية إلا بعد زمن، فإن المحبة " لا تنعقد إلا بالألفة، والألفة لا تحصل إلا بالعادة، والعادة لا تحصل إلا بطول المخالطة "، فإن العلاقة بين الزوجين تستقر، وتبلغ مداها، وأعلى درجاتها في التوافق بينهما : بعد مُضي خمس عشرة سنة تقريباً، وذلك بعد أن تتأرجح حياتهما بين السعادة في السنتين الأوليين، وشدة الهبوط فيما بين السنة السادسة والثامنة، كما دلَّت على ذلك بعض الدراسات .

ثم إن كثيراً من الناس لا تصحُ محبتهم إلا بطول المخالطة، وهذا الذي يدوم عادة، فإن المحبة إذا دخلت ببطء وعسر : صعب الانفكاك منها بيسر، وكلما زاد الوصال بين الزوجين : زاد معه الاتصال بينهما والتوافق، حتى يعزُّ على أحدهما ويشق عليه فراق صاحبه، فهذا رسول الله r صعب عليه فراق عائشة بالموت، وما هان عليه الأمر حتى مُثِّلت له في الجنة، وقال - فيما رُوي عنه - : (( ما أبالي بالموت منذ علمت أنك زوجتي في الجنة )) ، فالزوجان الصالحان رفيقان في الدنيا والآخرة .

القضية الثانية : الصبر على الزوج مهما كان حاله ما دام صالحاً، وأهم من يُعين الزوجة الشابة على ذلك أهلها، خاصة وأن لهم في كثير من الأحيان أدواراً سلبية في الإصلاح، والواجب عليهم أن ينحازوا مع الزوج ضدَّ ابنتهم وعواطفهم، فإن في هذا صلاحاً لها، فهذا أبوبكر رضي الله عنه لما شكت ابنته أسماء زوجها الزبير رضي الله عنهما قال لها : " يا بنية اصبري فإن المرأة إذا كان لها زوج صالح ثم مات عنها فلم تتزوج بعده جُمع بينهما في الجنة " . ولما كان الرسول r يشكو عائشة - أحياناً - لأبي بكر فقد كان يتناولها بالعقوبة أمامه، فلا يقفون مع بناتهم مندفعين بما تستدعيه العواطف ضد الأزواج؛ بل يقفون مع الأزواج – ما داموا صالحين - رغبة في الإصلاح، واستمرار العشرة .

القضية الثالثة : التنازل عن بعض حقها لضمان بقاء الحياة الزوجية قائمة، فإن الرجل قد لا يرغب في الزوجة لسبب ما، ويرى فراقها، فإذا عرضت عليه التنازل عن بعض حقها : قَبِلَ منها، كأن تتنازل عن شيء من قسْمها في المبيت، أو النفقة ونحو ذلك ؛ فقد أجاز الشارع الحكيم هذا النوع من التعامل بين الزوجين؛ لإدامة الحياة والعشرة بينهما فقال U : { وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزاُ أَوْ إِعْرَاضاً فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنِهِمَا صُلْحاً وَالصُّلْحُ خَيْر … } [النساء:128]، وقد نزلت هذه الآية في شأن سودة بنت زمعة رضي الله عنها لما عزم النبي r على فراقها، فتنازلت عن يومها لعائشة، وكذلك تم التنازل والإصلاح بين رافع بن خديج وزوجته رضي الله عنهما لتدوم الحياة الزوجية ولا يحصل الفراق .

إن من الضروري أن تستوعب الفتاة وأهلها أهمية وقداسة الحياة الزوجية، فيسعوا جادِّين للأخذ بأسباب بقائها واستمرارها، بحيث يستقر في أذهانهم أن استمرارالحياة الزوجية ولو مع شيء من الضيم، ونقصان الحق : أفضل وأعظم من العزوبة بعد النكاح، وألا يلجأوا إلى الفراق إلا بعد اليأس من الإصلاح، والتوفيق بين الزوجين .