الصفحة الرئيسة @ المقالات التربوية @ التربية الزوجية للفتاة @ 25ـ التَّلطُّف في معاملة الزوجة
إن من أعظم وسائل التربية الزوجية التي يقوم بها الزوج : تلطُّفه بزوجته، ومراعاته لحالها، وسوقه لها سوقاً حميداً هيناً، خاصة الفتاة الشابة، القليلة الخبرة، فإنها أحوج إلى المراعاة والإشفاق .
ومن أعظم مظاهر التلطُّف بالزوجة : المسارعة في إدخال السرور عليها، بحيث يستغل الزوج الأوقات المختلفة فيبادرها بشيء من الأنْس لترتاح إليه نفسُها : إما بالعبارة الحانية المملوءة عاطفة ورقة، وإما بشيء من الترفيه البريء،، والمزاح الجائز، أو من خلال مساعدتها في شيء من الخدمة المنزلية ونحوها .
وقد نهج رسول الله r في معاملته لعائشة رضي الله عنها - وهي الفتاة الحديثة السن - نهجاً حانياً لطيفاً، فكان يُدخل عليها السرور بفعله وعباراته، حتى كان يقوم لها يسترها لتنظر إلى الحبشة وهم يلعبون في المسجد حتى تملَّ، وهو صابر لها، وربما جلس لها يُحادثها قبل صلاة الفجر، ويلاطفها حتى يأتيه المؤذن، وربما امتدح جمالها - كما ُروي عنه - فيقول : (( يا عويش مالي أراك قد أشرق وجهك ؟ فقالت : وما لي لا أفعل ذلك وقد دعوت لي ... )) ، وكان عليه السلام يراعي زوجته ريحانة رضي الله عنها ولا يرد لها طلباً، تلطُّفاً وإعجاباً بها.
وكان نهجه عليه الصلاة والسلام " إذا خلا بنسائه ألين الناس، وأكرم الناس ضاحكاً بسَّاماً، وكان يأمر من أغلظ على زوجته من أصحابه أن يكثرالاستغفار، ويُبيِّن لهم أن جمال الرجال فيما يتكلمون به، ويعبرون عنه بألسنتهم .
ومن جوانب السرور التي يستلطفها النساء، ويملن إليها خاصة الصغيرات منهن، وينزعجن من إخفائها، وعدم تصريح الأزواج بها : معرفة مكانتهن عند الأزواج، والتعبير عن مشاعرهم تجاههن، وإلحاههن في طلب ذلك، والتأكيد عليه، والشوق إلى سماعه مراراً وتكراراً دون ملل، فهذه السيدة عائشة رضي الله عنها رغم أنها كانت أحظى نسائه عنده، إلا أنها - مع ذلك - كانت أحوجهن إلى إعلان المحبة وسماعها منه عليه الصلاة والسلام، وأكثرهن رغبة في ذلك، حتى كانت تسأله - فيما رُوي عنها - فتقول : (( يا رسول الله كيف حبك لي ؟ قال : كعقدة الحبل، فكنت أقول كيف العقدة يا رسول الله؟ فيقول : هي على حالها )). وربما قال لها مرة - فيما ذُكر عنها - : (( يا عائشة أنت أحب إليَّ من زبْد بتمر ... ))، وربما قال لها تواضعاً منه - في بعض ما رُوي عنه- : (( ... ما سُرِرت منى كسروري منك )) ، وفي رواية : (( ... فما أعلم أني سررت بشيء كسروري بكلامك )) . يراعي r بهذه العبارات حاجة الزوجة النفسية إليها، ويسكن بها غيرتها المتوقدة، ولم يكن العرب يستنكرون إعلان محبة النساء؛ بل كان ذلك عندهم من كمال الرجولة؛ لهذا كان عليه الصلاة والسلام إذا سُئل عن أحب الناس إليه لم يوار ولم يكِّن في الإخبار بأنها عائشة، ولو كان ذلك في مجمع من الرجال .
ومن جوانب الملاطفة للزوجة المزاح معها، بما يحقق إدخال الأنس والبهجة عليها، فقد رُوي أن رسول الله r : (( … كسا ذات يوم امرأة من نسائه ثوباً، فقال لها : البسيه واحمدي الله وجدِّي منه ذيلاً كذيل الفرس )) ، ورُوي أنه : (( … ربط قرناً من قرون عائشة رضي الله عنها وهي نائمة، ثم ناداها من ناحية فانتبهت فزعة، فتبسم لها رسول الله r )). وأقرَّ رسول الله r أصحابه على مضاحكة الزوجات والأولاد، وما يخالط ذلك عادة من الغفلة والنسيان، وقال لبعض أصحابه ممن استنكر ذلك : (( … ساعة وساعة …)) ، وكان عمر رضي الله عنه يأمر الرجال بأن يكونوا مع زوجاتهم كالصبيان في المزاح والملاطفة، فيقول : " ليعجبني الرجل أن يكون في أهل بيته كالصبي، فإذا ابتغى منه وُجد رجلاً "، وكان ابنه عبدالله رضي الله عنهما يمتثل ذلك، فيُمازح مولاته حتى يقول لها : " خلقني خالق الكرام، وخلقك خالق اللئام، فتغضب، وتصيح، وتبكي، ويضحك عبدالله بن عمر " وكذلك الصحابي الجليل زيد بن ثابت رضي الله عنه فقد كان من أفْكه الناس مع أهله، رغم صرامته في أصحابه . وكان بعض السلف يبالغ في المزاح، وربما تضرر من شدته، فهذا العباس بن الوليد من علماء القرن الثالث الهجري مازح جارية له، فدفعته فسقط وانكسرت رجلُه، فتعطل عن الخروج لطلابه .
ولعل من أحب سلوك الملاطفة إلى الفتيات المتزوجات : شعورهن بشفقة الأزواج عليهن في خدمة البيت، وتقديم العون لهن في ذلك، فإن المرأة ربَّة البيت إذا أعطت جهدها، وبذلت طاقتها في خدمة زوجها وولده، ثم لم تجد تشجيعاً على ذلك، وتقديراً لجهودها : فإنها تشعر بالإحباط، وشدة الجوع العاطفي . ومن هنا كان عليه الصلاة والسلام يراعي هذا منهن، فكان لا يكلفهن مؤونة نفسه، فقد كان يخدم نفسه، ويسارع في مساعدة أهله، حتى لربما وضع رجله لإحداهن لتصعد على البعير . وكان يوجِّه أصحابه، فيقول - فيما رُوي عنه - : (( خدمتُك زوجتك صدقة )). وكان السلف يقتدون بالنبي r في ذلك، فيقول أبو سنان رحمه الله : " حلبت الشاة منذ اليوم، واستقيت لأهلي راوية من ماء، وكان يُقال : خيركم أنفعكم لأهله " .
إن وعي الرجال بذلك، وملاطفتهم للزوجات في المعاملة، وتقديم شيء من الخدمة : كل ذلك له أثره البالغ في سكون نفوسهن، واستقرار عواطفهن، بحيث تُقبل إحداهن على زوجها في غاية السعادة والرضا، حتى وإن كنَّ في شدَّة من ضيق العيش، وقلَّة ذات اليد .