الصفحة الرئيسة @ المقالات التربوية @ التربية الزوجية للفتاة @ 23ـ قيام الفتاة بخدمة الزوج بالمعروف
من الصعوبة بمكان محاولة الجمع بين وجوب طاعة الزوجة لزوجها، وعدم إلزامها القيام بشؤون البيت والخدمة؛ فإن الشارع الحكيم أوجب عليها رعاية بيتها، وحفظ ولدها، وهذا لا بد فيه من الخدمة، وعدم ورود النصِّ القاطع بوجوب الخدمة لا شك أن فيه حكماً . إلا أن العلماء - من خلال النصوص العامة في المسألة، والوقائع زمن النبوة - ذهبوا : بين مُوجب عليها الخدمة، وبين مستحبها لها دون إيجاب، ولعل الراجح : وجوب قيامها بالخدمة بالمعروف، مع مراعاة حالها وحال زوجها، من حيث المكانة، والقوة البدنية . وهذا الاختيار من مستلزمات المعاشرة بالمعروف، ومما جرت به العادة والعرف، فإن في ترك الخدمة مطلقاً سوء معاشرة منها، فقد قال العلماء : " عليها أن تفرش الفراش، وتطبخ القدر، وتقُمَّ الدار، بحسب حالها، وعادة مثلها " .
ولقد حفلت السيرة النبوية بأخبار خدمة النساء الشريفات لأزواجهن، فهذه سودة رضي الله عنها زوج النبي r كانت تدبغ في بيتها، وأم سلمة رضي الله عنها دخلت في أول الليل على رسول الله r عروساً، وفي آخره قامت للطحن والخدمة، وأسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما على جلالة قدرها، ومكانتها في الإسلام كانت تخدم الزبير رضي الله عنه في رعاية فرسه، ودقِّ النوى، وجلب الماء، والعجن . وعلى الرغم من أنها كانت تلقى من ذلك شدّة: لم يُنقل أنها استنكفت عن خدمته، في حين ما كانت ترى للزبير حقاً في مالها، فهي من جهة الخدمة تقوم بها ولوكانت شاقة، أما ما يخصها فتعرفه تماماً، وتستخدم حقها فيه كاملاً .
وأما فاطمة رضي الله عنها بنت رسول الله r فقد كانت خادمة البيت عند علي رضي الله عنه، رغم جلالة قدرها ومكانتها، وكانت تتقاسم خدمة البيت مع أم زوجها فاطمة بنت أسد رضي الله عنها، ولما طلبت خادماً يكفيها الخدمة، قال لها رسول الله r فيما رُوي عنه : (( اتقي الله يا فاطمة، وأدي فريضة ربك، واعملي عمل أهلك … )) ، وفي رواية : (( اصبري يا فاطمة بنت محمد، فإن خير النساء التي نفعت أهلها … )) ، فلم يَر رسول الله r أن يُعفى ابنته السيدة العظيمة من خدمة البيت، إلا أنه عليه السلام لما أيْسَرَ أخدمها جارية تساعدها، فتقاسمت معها الخدمة .
ومما تقدم يتضح : أن خدمة الفتاة في بيت زوجها بالمعروف مبدأ شرعي، من حقوق الزوج على زوجته، وهو من ألصق مهام المرأة بطبيعتها الأنثوية، فقد دلَّ الواقع، وعاضده البحث الميداني على عينات متنوعة من الجنسين : أن عمل البيت، والخدمة فيه : من شؤون النساء، وأن أكثر الدول رفضاً لمبدأ التفريق بين الجنسين - كالسويد - يستنكف فيها الرجال القيام بأعمال النساء المنزلية، والمرأة في اليابان الحديثة ما زالت المسؤولة عن إدارة شؤون البيت الداخلية، والفتاة الأمريكية حتى نهاية القرن التاسع عشر كانت خدمتها داخل البيت تُعَدُّ مقياساً مهماً للزوجة الصالحة: فكانت النساء يقمن بالطهي، والخبز، والخياطة، والكنس، ونحوها من الأعمال الخاصة بالعائلة، وما كان شيء من ذلك مستهجناً في ذلك الوقت . بل كان المفكرون من أمثال " روسو" لا يرون للفتاة المتزوجة سوى البيت والعناية به، وما عرف النساء احتقار العمل المنزلي، واستهجان خدمة الأسرة إلا بعد قيام الثورة الشيوعية، التي عملت جادة على إقناع المتزوجات بذلك، مستهدفة استغلال طاقاتهن المبددة - حسب زعمهم - في النهوض باقتصاديات البلاد، وساعد على ذلك أيضاً تعاضد قوى الغرب بمنظماته ومؤتمراته العالمية، وجمعياته النسائية . وظنَّ النساء في بادئ الأمر أن عملهن خارج البيت، ومشاركتهن في التنمية الاقتصادية : يُعفيهن من مهام خدمة البيت والزوج، ورعاية الأطفال، متجاهلات لحاجاتهن الفطرية الملحة للرجال - الذي لا ينفكون عن طبيعة التسلط - ومغفلات لمشاعرهن الملحّة نحو الأمومة التي تتطلب بالدرجة الأولى : الرعاية والخدمة . فما أن مضت سنوات قليلة حتى أدركت المرأة العاملة المتزوجة - أينما كانت في هذا العالم - أن التدبير المنزلي وظيفتها الرئيسة التي لا تنفك عنها ما دامت راغبة في الرجل والأطفال .
إن الفتاة المسلمة تشعر بفطرتها السوية، أن رعايتها بيتها، وخدمة زوجها وأولادها: يُشبع حاجة نفسية وطبيعية عندها، وأن قيامها بواجب الخدمة بالمعروف يعدل الجهاد في سبيل الله تعالى، فقد رُوي عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: (( مهنة إحداكن في بيتها تُدرك به عمل المجاهد في سبيل الله )) .
إن على الفتاة أن تعرف أن اختلاف الطبائع جعل للرجل مهاماً تختلف عن مهام المرأة، وأن كلاً من الجنسين لا بد أن يقوم بمسؤوليات وأعمال تناسبه، بحيث يسدُّ كل منهما ما فات صاحبه، فتتقابل بذلك الواجبات مع الحقوق، وتقوم بينهما المماثلة التي أشار إليها المولى U في قوله : { وَلَهُنَّ مِثْلُ الذِّيِ عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ }، فهي مماثلة من جهة الوجوب، وليست من جهة جنس العمل، بحيث " إذا غسلت ثيابه، أو خبزت له : أن يفعل نحو ذلك، ولكن يقابله بما يليق بالرجال، فلكل مسؤولياته، ولكل مهامه التي تناسبه، وتوافق فطرته" .