الصفحة الرئيسة @ المقالات التربوية @ التربية الزوجية للفتاة @ 22ـ الطاعة الزوجية
إن من أهم المستلزمات السلوكية الدَّالة على قناعة الفتاة بحق القوامة للزوج : طاعته وموافقته، وترك مرادها لمراده في حدود مفاهيم الشرع الحنيف، فقد وصف المولى U الصالحات بالطاعة للأزواج فقال : { … فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ … } [النساء:34]، بمعنى أن صلاحها لا يتم إلا بطاعتها لزوجها، وفي الحديث قال عليه الصلاة والسلام فيما جاء عنه : (( خير النساء من تسُّر إذا نظر، وتُطيع إذا أمر، ولا تخالفه في نفسها ولا مالها )) ، وفي رواية أخرى : (( خير نسائكم الودود الولود المواتية المواسية إذا اتقين الله … )) ، ووصْفها بالمواتية يفيد مطاوعتها لزوجها، وموافقتها له، فإذا اتصفت الزوجة بذلك، مع أدائها الفروض الواجبة عليها : حصلت لها النجاة يوم القيامة، وحلَّ عليها رضوان الله تعالى .
وفي الجانب الآخر ورد التحذير الشديد من مظاهر النشوز، والإعراض عن الزوج، والمخالفة لأمره، فجعل الإسلام كفران إحسان الزوج من الكبائر، وعصيانه من أسباب فوات أجر العبادة، فقال عليه الصلاة والسلام فيما جاء عنه : (( اثنان لا تجاوز صلاتهما رؤوسهما : عبد أبق من مواليه حتى يرجع، وامرأة عصت زوجها حتى ترجع )).
هذه التوجيهات القرآنية والنبوية تستلزم مظاهر سلوكية وخلقية تتعاطاها الفتاة، منها : بقاؤها تحت كنف زوجها، وفي طاعته، بحيث لا تخرج من بيته إلا بإذنه، حتى وإن كان للحج، أو عيادة مريض من محارمها، أو شهود جنازة، أو حتى زيارة أبويها؛ فإن حق الزوج مقدم على حق الوالدين ما دامت في عصمته وسلطانه، وفي تقديمها لوالديها عليه تفويت لحقه عليها من جهة، ومن جهة أخرى - نفسية - تضعف علاقتها به، ويقل بينهما التجاذب ما دامت لا تزال مرتبطة بسلطان والديها العاطفي . ولا يُفهم من هذا تهوين أمر العقوق، فإنه من الكبائر، إلا أن المرأة الصالحة الفطنة تستطيع أن تجمع بكفاءة بين حق الزوج وطاعته، وبين حق الوالدين وبرهما .
وعلى الفتاة أن تعرف أن للزوج الحق في أن يسافر بها ما دام السفر مباحاً لهما، وعليها أن تنتقل معه إلى مسكنه إذا انتقل، ولا تمتنع عن فراشه إذا دعاها، فإذا خالفت ذلك كانت ناشزة، لا حق لها في النفقة، ولا المعاملة الحسنة .
إن هذه التكاليف السلوكية التي يتطلبها مبدأ القيام بالطاعة هي في الحقيقة مواقف تشريف؛ لأنها مواقف تتطلبها شروط الاستخلاف في الأرض، وانتظام الحياة الاجتماعية، وليست من مسائل الإجحاف بحق المرأة أو ظلمها كما يزعم بعضهم، فما دامت نفس الفتاة مشبعة بالإيمان، ومقتنعة بحق القوامة للرجل، ومستوعبة للخطاب الرباني التكليفي، وتعيش آثار فطرتها السوية : فإن امتثالها لطاعة زوجها - في حدود المباح - ـ لن يكون أمراً عسيراً، خاصة إذا علمت أن طاعة الأزواج سنة ماضية منذ القدم، وفي شرع من قبلنا، وعند كثير من الأمم الراقية اليوم، ومن الغريب أنه في عام 1907م صدر في نيويورك قانون يفرض على النساء تقديم شهادة خطية عليها قَسَمٌ بحسن السيرة والأخلاق قبل عقد الزواج .
ثم إن التبعية في طبع الإناث مرتبطة بجنسهن، وأن النكاح في حد ذاته نوع من الرِّق، المستلزم للطاعة المطلقة فيما لا معصية فيه؛ لتقابل الزوجة بذلك واجبات الزوج، فإن من الظلم والحيف في حقِّه : أن يُكلَّف بكل المهام الاجتماعية والمالية تجاهها، ثم لا تقابله بحقه في الطاعة، والقيام بواجباتها الزوجية .
ولعل مما يساعد الفتاة على القناعة بالطاعة، وامتثال سلوكياتها المطلوبة : أن تعلم أن المرأة الطائعة لزوجها تكون عنده كتاج الذهب على رأسه، حيث تُمثِّل له بسلوكها أعظم منَّة بعد الإسلام، فتنعكس بالضرورة مشاعره المرْضية : إحساناً إليها ومودة ورحمة، حتى يسعى جاداً في مرضاتها، وربما لا يقطع دونها أمراً إلا بمشورتها، ولا يُعطى في شيء إلا بإذنها؛ فتكون بذلك حققت مراد الله تعالى من وجوب الطاعة من جهة، ونالت ثمار امتثالها - من جهة أخرى - بتحقيق مرادها في انقياد زوجها لها، وسعيه في مرضاتها .
ويساعد الفتاة أيضاً على القناعة بهذا المبدأ أن تعرف طبيعة نظام العلاقات الأسرية في التصور الإسلامي : فإن طاعة المرأة لزوجها يقابلها بنفس القوة، وبصورة متشابهة : طاعة الرجل لأمه، فتكون الحقوق بين الرجال والنساء متوازنة ومتبادلة، ولكن في أشخاص آخرين، ضمن دائرة متصلة، تدور بين تقديم الذكر على الأنثى تارة، وتقديم الأنثى على الذكر تارة أخرى في نظام اجتماعي إنساني محكم .