الصفحة الرئيسة @ المقالات التربوية @ التربية الزوجية للفتاة @ 19ـ القوامة الزوجية


معلومات
تاريخ الإضافة: 20/8/1427
عدد القراء: 2570
خدمات
نسخة للطباعة     إرسال لصديق

لما خلق الله تعالى الرجل والمرأة صنوين ليعيشا معاً ضمن نظام الأسرة، كان لابد لأحدهما من ميزة تؤهله لقيادة الآخر، وتنتظم بها المعيشة بينهما، فكانت مشيئة الله تعالى أن فضل الذكور على الإناث من البشر، وجعل لهم عليهن درجة، فجعل منهم الرسل والأنبياء والخلفاء، وفضَّلهم بكمال العقل، وحسن التدبير، والقوة والفتوة، وكلَّفهم إقامة الشعائر، والشهادة، والجهاد، والجمعة. وصرَّح سبحانه وتعالى بهذه الميزة في كتابه فقال: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْـوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ …} [النساء:34]، ففضلهم عليهن بخصائص الرجولة وكمالها، وبالإنفاق المالي، وألزم النساء في مقابل ذلك بالاحتباس والطاعة، بحيث يقوم الرجال عليهن آمرين ناهين كحال الولاة مع الرعية ينظرون لهن، ويجتهدون في حفظهن ورعايتهن، ويحرصون على تعليمهن، وفي ذلك يقول عليه الصلاة والسلام : (( لو كنت آمراً أحداً أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها … )) . وهذا لا ينافي بقاء شخصية إحداهن وكيانها الخاص، وانتسابها إلى أهلها، وحقها في التصرف في مالها بضوابطه الشرعية، فهذا باقٍ لها، ولا يحق لزوجها منازعتها فيه، فالقوامة رعاية وحفظ ورحمة، وليست عنتاً وغلظة وظلماً .

والزوجان يتبادلان معاً الحقوق والواجبات، فما من واجب عليها إلا ويقابله حق لها يماثله في الوجوب وربما لا يماثله في جنس الفعل، فإذا قصَّر الرجل، أو اختلت شروط قوامته لسفهه، أوعجزه عن الإنفاق نقصت بذلك أهليته للقوامة، وحق للمرأة الفسخ، كما أن المرأة إذا لم ترض بقوامة الرجل لشهامة زائدة فيها، واستنكفت أن يعلوها : فإنها لا تصلح للنكاح؛ لمخالفتها الفطرة السوية، فالبعل ما سُمِّي بعلاً إلا لعلوه على المرأة، والمرأة لا يقال لها : بعل إلا حين تستعلي على الرجل، وما سُمِّي الرجل سيداً إلا لسيادته زوجته، كما قال تعالى في قصة نبي الله يوسف عليه السلام : {…وأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ} [يوسف:25]، يعني زوجها، وأعطى سبحانه وتعالى للرجل صفة العلو على المرأة، كما قال تعالى في شأن نوح ولوط عليهما السلام : {كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا} [التحريم:10]، وتحت نقيض فوق، وهي " إحدى الجهات المحيطة بالجرم "، وهي هنا للمجاز، تُفيد معنى الحفظ والصيانة .

ومن هنا كان من مبدأ تقديم الرجل على المرأة أن أبطل العلماء عقد الإجارة بين الرجل وزوجته إن كانت تستخدمه، كما أمروا بالتفريق بينهما إن كان مملوكاً فاشترته لتمتهنه، وقد رُوي أن السيدة عائشة رضي الله عنها لما أرادت أن تعتق زوجين غلاماً وجارية، قال لها رسول الله r : (( إن أعْتقْتهما فابدئي بالرجل قبل المرأة )). ولما أراد عليه الصلاة والسلام أن يقتصَّ لعميرة من زوجها سعد بن الربيع رضي الله عنهما لما لطمها، أنزل الله تعالى : { الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ …  }، فكانت الحادثة سبباً لنزول الآية، حيث ظهر بها سلطانهم على الزوجات . ولا يُفهم من هذه الحادثة وأمثالها جواز تسلُّط الرجال على النساء ظلماً وعدواناً، وإنما هو الحق المشروع للرجل الصالح حين يحتاج أحياناً إلى شيء من الخشونة لإصلاح أهله .

إن هذه القوامة : طبيعة في الرجل غير متكلفة، فأقل ما يدل عليها : أصل الخِلْقة، فقد خلق الله المرأة من الرجل، فهو أصل نشأتها، كما أن تبعات المرأة في الحيض، والحمل، والنفاس لا تُؤهلها للمساواة المطلقة معه، فالمرأة إذا بلغت في حملها الشهر السادس عُدَّت مريضة، لا تصرُّف لها إلا في حدود ضيقة . ثم هي مهما بلغت من العلم لا تزال تحمل طابع جنسها من رقَّة المشاعر، وغلبة الأحاسيس والعواطف، التي لا تساعدها على القيام بمهام القوامة الأسرية .

كما أن العوج الذي جُبلت عليه من مبدأ النشأة، وأصل الخلقة : لا يُقيمها لتحقيق متطلبات القوامة، والسعي بمهام الرجولة، إلى جانب السنة البشرية المطردة، التي جرت بقيام الرجال بالكسب والإنفاق : لا تسمح للمرأة بمزاحمة الرجل في حقه المشروع في القيام بمهام القوامة . بل حتى لو شاركت المرأة بكسبها في الإنفاق على الأسرة، فإنها لا تزال تحت سلطان الزوج، فالمرأة في القديم - وفي كثيرمن الأرياف - تعمل في الحقل، وتُنتج، وتكسب، وتنفق ورغم ذلك لم تخرج عن طاعة زوجها وسلطانه، وما زال النساء منذ فجر التاريخ الإنساني، وعبر العصور المختلفة تحت سلطان الرجال وسياستهم، وهو واقع عام حتى في عالم الحيوان، بل وحتى في نشاط الخلية الجنسية، حين تتصف الخلية المذكَّرة بالنشاط والحركة والحيوية، وتتصف الخلية المؤنثة بالسكون والسلبية .

وقد أفحش الخطأ من ظن من الباحثات المندفعات : أن مجرَّد تولي المرأة الكسب، ومشاركتها في الإنفاق يرفع عنها سلطان الزوج وسيطرته، وتكون معه على حد سواء، متناسيات أن للقوامة جانباً فطرياً غير مكتسب، فضل الله به الرجل عليهن، وأقلُّ سلوك ذكوري يمكن أن يُعبِّر عن هذا الجانب الفطري - حتى عند أتفه الرجال - كون الأنثى عاجزة عن الوطء؛ إذ هو من خصائص الذكورة، فلا تنفك عن الرجل القوامة حتى وإن شاركت المرأة في الإنفاق . كما أن الرجل لا يُعفى شرعاً من الإنفاق على زوجته حتى وإن كانت غنية، قادرة على القيام بنفسها . فهذه خديجة رضي الله تعالى عنها سيدة من سيدات العالمين، رغم غناها، وقيامها بالإنفاق على رسول الله r ودعوته : كانت من أطوع خلق الله تعالى له . وكذلك فاطمة بنت رسول الله r رغم المكانة المرموقة، والشرف، والكمال : لم تر لنفسها حقاً في أن تأذن لأبي بكر رضي الله عنه في دخول البيت حتى تستأمر زوجها . وهذه أيضاً أم الدرداء التابعية الجليلة العالمة الحافظة : التي تُعدُّ واحدة من النساء الثلاث اللاتي اعتبرن من أفضل التابعيات على الإطلاق، ومع ذلك كانت لا تذكر اسم زوجها إلا وتقول : " سيِّدي "، إعظاماً لمكانه وسيادته عليها .

ورغم المحاولات الكبيرة، المدعمة إعلامياً وأدبياً - منذ زمن بعيد - لانتزاع سلوك القوامة من الرجال، ودعم مكانة المرأة - في المقابل - أمام مكانة الرجل ودوره الطبيعي والاجتماعي، من خلال المؤتمرات العالمية، ووسائل الإعلام المختلفة، والتي قد يعود بعض ما نشرته لأكثر من مائة عام، إلى جانب دور الحركات النسائية، والبحوث والكتابات العلمية والأدبية . رغم هذا الزخم الهائل فإن الفطرة الإنسانية ببعديها النفسي والجسدي : تُلحُّ على الجنسين بفرض سلطان الرجال على النساء، والإبقاء على الطبيعة البشرية كما هي : فتشير الدراسات الحديثة المختلفة، والواقع الحي فيما يتصل بسلوك الرجال : أنهم لا يزالون على طباعهم الذكورية لم يتغيَّروا، يمارسون تأكيد الذات والسيطرة وربما العنف في كثير من الأحيان، ويبغضون الفتاة المسيطرة المنافسة لهم، صاحبة الشخصية المستقلة، ويعاملون المرأة أحياناً بأشد أنواع القهروالاستبداد؛ لإذلالها لسلطانهم وجبروتهم الذكوري، وقد كشفت دراسة بريطانية عام 1995م عن أن (43%) من أعمال العنف ضد المرأة تجري داخل البيوت من قبل الأزواج، فلم يتغيَّر من أمرهم شيء، سوى ما يتعلق بالإعلان الرسمي عن حقوق النساء، وشيء من صور التعامل الظاهر الذي لا يرقى للتَّبَدُّل الفطري الذي قصد إليه دعاة المساواة، ولئن كان هذا النهج القاسي في التعامل مع النساء مرفوضاً في التصور الإسلامي، إلا أنه يحمل دلالته الفطرية في حصر القوامة في الرجال .

وأما فيما يتصل بسلوك الفتيات فإن الفطرة الأنثوية لا تزال حتى الآن تفرض طباعها السلوكية عليهن، رغم كل وسائل التَّرقي المعنوية والمادية؛ للرفع من مكانتهن بهدف المساواة مع الرجال في مكانتهم الطبيعية وقدراتهم، فإن الدراسات الميدانية تشير إلى اعتراف الفتيات بأن صفة القيادة خاصة بالرجال، وأن حاجتهن ملحة للبقاء تحت سلطانهم ورعايتهم، وأنهن لا يستنكفن من قيام الرجال عليهن بالنفقة، وهو ما عبَّر عنه عليه الصلاة والسلام بالأسر تحت سلطان الرجل حيث قال: (( استوصوا بالنساء خيراً فإنهن عندكم عوان )) . فلم يتغيَّر أيضاً من أمرهن شيء.

إن على الفتاة أن تعلم أن طبيعة الأنثى تفرض عليها الميل نحو شيء من المعاملة الخشنة، بحيث تبقى مشغولة الإحساس حتى بما قد يزعجها، وتأبى أن تكون دائماً مكاناً لخدمة الرجل دون أن تكون له إرادة كافية لإخضاعها لسلطانه، فإنها تشعر بالنقص والتفاهة حين لا تجد زوجاً يملكها ويسودها بفحولته، يقول الشيخ أحمد الدهلوي عليه رحمة الله :[ وكون الرجال قوامين على النساء، متكلِّفين معاشهن، وكونهن خادمات، حاضنات، مطيعات : سنة لازمة، وأمر مسلم عند الكافة، وفطرة فطر الله الناس عليها، لا يختلف في ذلك عربهم ولا عجمهم ] . وهذا الفهم يشهد به الواقع المعاصر؛ فالمرأة لا تزال تحت سلطان الرجل، وفي خدمته في جميع المجتمعات المعاصرة، حتى الشيوعية منها، والتي كان لها إسهامها الكبير في رفض قوامة الرجل على المرأة، وتوسيع دائرة عطائها الاقتصادي، فما زالت المرأة فيها دون مستوى المساواة مع الرجل، وأسيرة العبء العائلي، وخدمة الأسرة، وما زال الرجل دائماً هو صاحب القرار في الأسرة، وسيدها، والعجيب أن القانون الفرنسي حتى عام 1970م كان يقضي بالقوامة للرجل، ويقر برئاسته وإشرافه على الأسرة .

إن التاريخ البشري يشهد أن المرأة لم تكن قطُّ قوَّامة على الأسرة، ولم تعرف الإنسانية عبر تاريخها الطويل ما يُسمى بالنظام الأمومي، الذي تسود فيه المرأة على الرجل، وتكون لها السيطرة على شؤون الحياة؛ فإن البعض يسعون جاهدين لإثبات سيطرة المرأة تاريخياً على الرجل، واستحواذها على النسب، وأدوات الإنتاج، دون أن يكون لهؤلاء دليل علمي يصدِّق مقولتهم، بل الحقيقة تُشير إلى : " أن الفخر بأسرة الأمومة : خديعة منكرة؛ … لأن إلقاء الأبناء على أمهاتهم ليس من باب مكاسب المرأة وسلطتها؛ بل من زيادة همومها وغمومها، وهذا يعني أن أسرة الأمومة في الحقيقة ليست إلا أسرة النساء الأرامل، في الماضي والحاضر، أوأسرة النساء الضائعات والمشرَّدات في المجتمع " . والحقيقة التي يدل عليها الواقع، واعترف بها الكثيرون أن " أهم أسباب تشرد الأجيال الحديثة من الشباب، وانغماسهم في انحرافات الشذوذ الجنسي، وانحرافات المخدرات، وانحرافات الجريمة هو : غياب سيطرة الأب، سواء لطغيان شخصية المرأة عليه في داخل الأسرة، أو لتفكك الأسرة وعدم وجود المجال للرجل صاحب السلطان "، مما يدل على أن استرجال النساء، وضعف أدوار الرجال الإيجابية : معلم من معالم هلاك الأمم وزوالها .

إن الفطرة والشرع يفرضان على الفتاة المسلمة أن تكون كما هي في كمال أنوثتها التي تتجاذب، وتلتحم بطبعها مع كمال الرجولة عند زوجها، فيتحقق لأسرتها - من خلال تفاعل الفطرتين - الاستقرار النفسي، وتنعم بالسكن والألفة التي حُرمها من تنكبوا طريق الفطرة والشرع .