الصفحة الرئيسة @ المقالات التربوية @ التربية الزوجية للفتاة @ 13ـ الشاب المفضل للفتاة المعاصرة


معلومات
تاريخ الإضافة: 20/8/1427
عدد القراء: 3011
خدمات
نسخة للطباعة     إرسال لصديق

إن من حق الفتاة الصالحة، المهيأة للنكاح أن يقترن بها؛ الكفء من الشباب الصالحين؛ لضمان حياة زوجية مستقرة، فقد رُوي أن رسول الله r قال : (( انكحوا الصالحين والصالحات )) ، فمن حق الفتاة على وليِّها أن يزوجها، ويلي عقد نكاحها بنفسه، ولا يجب عليها طاعته في المنع من النكاح، أوالقبول بالفاسق من الشباب، فإنه ليس بكفء لها، بل ربما كانت العزوبة خيراً لها من الاقتران بمثله، ولا شك أن الولي الموافق على هذا النكاح : قاطع للرحم؛ إذ لا بد أن تتضرَّر الفتاة الصالحة بالرجل الفاسق، فإن النكاح نوع من الرِّق، كما أنها - في الجانب الآخر - تنتفع غاية الانتفاع بالزوج الصالح : تصوم بصيامه، وتقوم بقيامه، وتتعبد بعبادته . فإذا لم تأمن الفتاة وليَّها على حسن الاختيار: فإن لها أن تنتدب من تثق به في دينه من أهلها للسؤال عن الخاطب في دينه وسلوكه، فإن فاطمة بنت قيس رضي الله عنها استشارت رسول الله r لما خُطبت من رجلين : فعابهما، وأشار عليها بنكاح أسامة بن زيد رضي الله عنهما، فنكحته، واغتبطت به .

كما أن من حق الفتاة الشريفة الرفيعة القدر أن يقترن بها من يكافئها في المنزلة، فإن الكفاءة مطلوبة في الرجل خاصة دون المرأة؛ لأنها تستنكف أن تكون فراشاً وخادماً لمن دونها في المرتبة، مع كون الكفاءة في حدِّ ذاتها ليست شرطاً لصحة الزواج، إلا أنها معتبرة بالشرع والعرف والعادة، فلا يكفي صلاح الخاطب في دينه وخلقه دون كونه مكافئاً لها، ففي الحديث : (( العرب للعرب أكفاء، والموالي أكفاء للموالي، إلا حائك أو حجَّام )) ، وفي الأثر قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : " لأمنعن تزوُّج ذوات الأحساب إلا من الأكفاء " .

والواقع الاجتماعي في القديم، والحديث ما زال يراعي هذا المبدأ، ففي دراسة مصرية ميدانية : مالت العينة إلى ضرورة أن يكون الرجل أرفع قدراً اجتماعياً من المرأة، حتى وإن كانت مساوية له في باقي النواحي، وما زالت غالب الأنكحة تتم من خلال التجانس والتماثل بين الأسر في المستوى الاجتماعي والثقافي والمكانة؛ لأن انتماء الفرد إلى طبقة معينة يؤثر على شخصيته، ودوافعه، وقيمه، وأسلوب حياته، وما زال الزواج المختلط بين الجنسيات المختلفة، والبيئات غير المتشابهة، مملوءاً بالمشكلات، والإخفاقات بسبب الفوارق : الثقافية، والقومية، والنفسية، والاجتماعية، ويحتاج في نجاحه إلى : تضحيات كبيرة من الزوجين؛ للتأليف والتوفيق بين هذه الخلفيات، والاتجاهات المتباينة .

وأما التكافؤ في السِّن : فهو من أهم ما يساعد على دوام الألفة بين الزوجين، واستقرار الحياة العائلية، فإن بعض الأسر للحاجة الاقتصادية قد تزوج بناتها الصغيرات بمن يدفع أكثر من كبار السِّن، وهذا في غاية الخطر؛ إذ تتأذَّى الفتاة بالشيخ الكبير خاصة إن عجز عن إشباعها عاطفياً، فلا يستطيع أن يقوم بالوظائف الزوجية على الوجه الصحيح، وهذا من أشد أسباب النزاع بين الزوجين؛ لأن القيام بالوظيفة الجنسية يمثل للمرأة غاية ضرورية في علاقتها بزوجها؛ ولهذا فقد تفجر، أو تتجرأ على قتله لتتخلص منه، والوقائع الاجتماعية المتنوعة في هذا الشأن كثيرة، فقد " أتي عمر بن الخطاب رضي الله عنه بامرأة شابة زوَّجوها شيخاً كبيراً فقتلته، فقال : يا أيها الناس اتقوا الله ولينكح الرجل لُمَته من النساء، ولتنكح المرأة لُمَتَها من الرجال "، يعني ليتزوج كل منهما من يُشبهه ويناسبه من الجنس الآخر .

وقد ألمح رسول الله r إلى هذه القضية المهمة في تزويجه فاطمة رضي الله عنها حين خطبها أبو بكر وعمر رضي الله عنهما فاعتذر لهما بصغر سنها، ولما خطبها عليٌ رضي الله عنه، وكان فارق السن بينهما ست سنوات، زوجها منه، يقول السندي رحمه الله معلقاً على هذه الحادثة النبوية : " فعلم أنه لاحظ الصغر بالنظر إليهما، وما بقي ذاك بالنظر إلى علي : فزوجها منه، ففيه أن الموافقة في السن أو المقاربة مرعية؛ لكونها أقرب إلى المؤالفة " .

والميل نحو الشاب : طبع يكاد يكون عاماً في الفتيات، فهذه سُبيعة الأسلمية رضي الله عنها خُطبت من عدَّة رجال فاختارت الشاب منهم، ولما خطب رجل كبير السن فتاة تحت العشرين عاماً : اعتذرت له بشيب في رأسها - يعني أنها كبيرة - فأعرض عن خطبتها، فدعته وقالت له : " والله ما رأيت برأسي بياضاً قط، ولكن أحببت أن تعلم أنا نكره منك ما تكره منا "، وفي هذا يقول الشاعر :

   فتَّشتُ لم أرَ في الزواج كفاءة    .:.    ككفاءة الأزواج في الأعمار

إلا أن هذه الكفاءة في السن لا تعني تساوي الزوجين في العمر، فإن هذا مضر؛ لأن البنات يتوجهن إلى البلوغ في الوقت الذي لا يزال فيه الأولاد منهمكين في ألعابهم الصبيانية، كما أن المرأة تذبل جنسياً قبل الرجل بسنوات؛ لهذا فإن من المستحسن تفوق الذكور في السن على الإناث بعدد من السنوات؛ فإن الخبرات البشرية قد تواترت على ذلك حتى اليوم، ولعل المقترح - الذي مال إليه الفتيات - في الفارق بينهما أن يكون ما بين (4-5) أعوام، بحيث لا يزيد الفارق بينهما على عشر سنوات، وقيل لا يزيد عن خمس عشرة سنة وربما إلى العشرين كحد أقصى كما حدَّدته بعض المحاكم المعاصرة؛ معتبرين في هذا الفارق العمري شيئاً من مظاهر الأبوة الحانية، والتدليل، والرعاية التي تحتاجها الفتاة من زوجها.

ومما يُعدُّ أيضاً وسيلة تُلحَقُ بحسن اختيار الشاب المناسب: كونه حسن الصورة؛ لأن القلوب مطبوعة على حب الصور الحسنة، فمن المستحسن للولي أن يختار من بين الخطَّاب من كان منهم حسن المنظر والهيئة؛ لكون الفتاة أيضاً تحب ما يحبه الرجل فيها من الجمال، فقد قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : " لا تُكرهوا فتياتكم على الرجل القبيح، فإنه يُحببن ما تحبون " .

ومن المعلوم أن الفتى الجميل أحظى الرجال عند المرأة، إلا أن الجمال في حدِّ ذاته ليس مما يُعتبر في الكفاءة، وأن مراعاة التجانس فيه بين الزوجين أمر مستحسن، وإلا فإن جمال الرجال على الحقيقة منْطقهم، وما يصدر عنهم، لا في مجرد الشكل والصورة فحسب.

ولما كان للصحة الجسمية عند الزوجين أهميتها، وارتباطها الوثيق بالسعادة الزوجية: فإنها في الرجال آكد للمسؤوليات والتكاليف المرتبطة بهم، فلا بد من خلوِّ الخاطب من الأمراض المعدية والوراثية المضرَّة، ولا بأس - من الناحية الشرعية - بمطالبته بالكشف الطبي قبل الزواج، لإثبات خلوه من الأمراض؛ كأن تُعطى شهادة الكشف الطبي للأزواج من الجنسين، بصورة اعتيادية بعد البلوغ، وتُلحق بمستندات عقد النكاح، فإن الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، لما أخبره رجل عقيم أنه تزوج قال له: " أخبرتها أنك عقيم لا يُولد لك؟ قال: لا، قال: فأخبرها وخيِّرها " .

ولا يُفهم من ضرورة الصحة البدنية للزوج أن يكون الخاطب من أهل الفتوة وكمال الأجسام، فإن الفتيات يهبن منهم، ولا يرغبن في هذا النوع من الشباب؛ بل يملن إلى الشخص العادي الجسم، والصحيح في بدنه بصورة عامة .

ومما تجدر الإشارة إليه في هذا المقام أيضاً: مسألة الزواج من الأقارب، فإن نسبة كبيرة من العوائل الإسلامية توجِّهُ أولادها للزواج من القريبات؛ لأسباب اجتماعية واقتصادية، فرغم الإيجابيات الاجتماعية لهذا النوع من الزواج، وما يحققه بين الأسر من التواصل والترابط، فإنه أيضاً يحمل - في حال الفراق - أسباب القطيعة، وفساد ذات البين؛ فلا يكون بذلك مرغَّباً فيه من هذه الجهة .

وهذا النوع من النكاح مع كونه يُضعف أحياناً قوة الانبعاث الشهواني بين الزوجين، فإنه ربما أدى أيضاً إلى ضعف النسل من الناحية الجسمية والعقلية، فإن من " المقرر في علم الأجناس أن من أسباب انقراض الجنس حصره في أسرة واحدة، فإن ذلك يُفضي بتدهور السلالات وضعف النسل " . وفي الحديث قال عليه الصلاة والسلام: (( الناكح في قومه كالمُعْشِب في داره )) ، يعني كالزَّارع في بيته، وقال الإمام الشافعي رحمه الله: " أيُّما أهل بيت لم تخرج نساؤهم إلى رجال غيرهم، كان في أولادهم حمق " . فلا بد من مراعاة ذلك في النكاح، على أن يلاحظ أن المسألة ليست على إطلاقها؛ بحيث يكون كل زواج من بين الأقارب مضر بالنسل؛ فإن الصحيح الثابت ميدانياً أنه إن كان للأبوين القريبين صفات وراثية حسنة: فإن زواجهما لا يزيد نسلهما - بإذن الله تعالى - إلا حُسناً، وفي الجانب الآخر: إن كان لهما صفات وراثية سيئة: فإن زواجهما لا يزيد نسلهما إلا سوءاً، فمسألة الزواج بين الأقارب لا تسير دائماً في اتجاه واحد .

وآخر ما يُشار إليه في اختيار الشاب المناسب للفتاة أن يكون متعلماً، وأن يكون مع ذلك أعلى منها في الدرجة العلمية، فإن الشباب من الجنسين يفضلون ذلك . وإن كان التأقلم مع التفاوت بينهما يمكن أن يحصل، وتستمر الحياة، إلا أن تفوق الرجال عليهن في العلم: عامل مساعد، يدعم مكانتهم، وقوامتهم على الأسرة .