الصفحة الرئيسة @ المقالات التربوية @ التربية الزوجية للفتاة @ 11ـ تمكين الخطيبين من تبادل النظر
إن وجود الشاب الصالح والفتاة الصالحة لا يكفي في حدِّ ذاته لضمان قيام الحياة الزوجية السعيدة واستمرارها، فإن لقناعة كل منهما بصورة صاحبه، ومنظره العام : أهمية بالغة؛ لدوام الألفة والاستقرار؛ لهذا حث رسول الله r الخاطب على النظر إلى مخطوبته، حتى تطمئن نفسه لمظهرها العام، ويرى منها ما يدعوه للنكاح، أو الإعراض عنه . كما أن للفتاة أيضاً الحق في ذلك، ولو أن تبعث من ينظر إليه ليصفه لها؛ لأنه يُعْجبُها منه ما يُعجبُه منها، والنساء شقائق الرجال، إلا أن النَّصَّ لم يأت في حقها بالنظر إليه، ولعل ذلك لسهولته عليها، فإن الرجل يبرز ولا يحتجب، وأما الفتاة فغالباً ما تكون مخدَّرة، فيحتاج الخاطب لإذن وليِّها؛ لهذا جاء النَّص في حقه بالنظر، إلى جانب كونه البادئ بالخطبة فاحتاج إلى مُحفِّزٍ يدعوه إليها .
وقد جاء نهج الإسلام وسطاً في العلاقة بين الخطيبين، بين التزمت والجمود، وبين الإباحية والتحرر، فأجاز للخاطب النظر إلى الوجه والكفين إجماعاً دون شهوةٍ، مع تدقيق النظر دون حياء، وله محادثتها " لينكشف له مقدار تفكيرها وعذوبة حديثها، بشرط أن يكون مع وجود أحد محارمها "، ولا بأس بمكالمتها بالهاتف للتفاهم إن احتاج الخاطب إلى ذلك، بشرط علم أهلها وإشرافهم، وله تكرار النظر إذا احتاج إلى ذلك، والمزيد على الوجه والكفين، خاصة في البلاد التي تكشف فيها الفتاة بطبيعتها عن وجهها وكفيها للأجانب، فقد يحتاج الخاطب إلى أكثر من الوجه والكفين. أما في البلاد التي تلتزم فيها الفتاة بغطاء الوجه فإن في الوجه كفاية على مذهب الجمهور؛ لأن الوجه جزء من التكوين الجسمي العام للشخص، حيث يتوقف على النمو الطبيعي للغضاريف والعظام في جسم الإنسان، كما أن لتقاطيعه وشكله العام : علاقة بالطبيعة المزاجية للشخص، فيمكن بالوجه والكفين أن يحصل الخاطب على صورة مختصرة وموجزة عن طبيعة الفتاة الجسمية والمزاجية .
ولا يكفي الخاطب - عادة - وصف النساء دون نظره الخاص، فإن رؤية النساء تختلف عن رؤية الرجال اختلافاً كثيراً، وفي هذا يقول الجاحظ : " والنساء لا يُبصرن من جمال النساء حاجات الرجال وموافقتهن قليلاً ولا كثيراً، والرجال بالنساء أبصر، وإنما تعرف المرأة من المرأة ظاهرالصفة، وأما الخصائص التي تقع بموافقة الرجال فإنها لا تعرف ذلك "؛ لهذا كان لا بد من تمكين الخاطب من النظر بنفسه إلى مخطوبته .
كما أن صورة الفتاة الفوتوغرافية لا تكفي في ذلك أيضاً، ولا تصل بالخاطب إلى درجة الاطمئنان إلى شكل مخطوبته العام، وتزمت الولي في هذا قد يسوق إلى كثير من المحظورات والمفاسد، ولا يحق له في ذلك أن يتعلل باحتمال ترك الخاطب للخطبة، فإن هذا من حقه إذا لم ير من مخطوبته ما يدعوه لنكاحها، بل هذا الذي ينبغي له؛ فإن الحرج المؤقت في ترك الخطبة أهون من طول الصحبة على غير ألفة، ثم إن الخطبة ليست عقداً ملزماً .
ولعل في توجيه النبي r للنظر إليها - بهدف الزواج - دون علمها : تلافياً لمثل هذا الحرج للفتاة والولي والخاطب، إن قدر الخاطب على ذلك دون مفاسد اجتماعية .
وعلى الفتاة أن تظهر أمام خطيبها في صورتها الحقيقية دون تدليس، فإن الأمرلا يلبث كثيراً حتى يفتضح، فالعيوب الخُلقية الظاهرة أو الباطنة لا بد من الإخبار بها، فإن إخفاءها، أو الاحتيال على الخاطب فيها : أمر مستنكر . أما التَّزين بما اعتاده الفتيات : من الكحل، وحسن الثياب، حتى يرغب فيها : فقد أجازه بعض العلماء لكلا الخطيبين، والأولى تركه، فإن جمال الفتاة لا يكمن في المظهر الخارجي فقط، فإن الحنان والرقة واللطافة، التي تمثل الجمال الداخلي الباطن من أعظم ما يُرغِّب الرجال في الفتاة .