الصفحة الرئيسة @ المقالات التربوية @ التربية الزوجية للفتاة @ 5ـ الزواج يشبع حاجة الفتاة إلى الجنس الآخر
للزواج جاذبية خاصة، لا تقوى الفتاة على مقاومتها، حتى وإن أظهرت خلاف ذلك، فإن في قرارة نفسها رغبة خالصة للاقتران بالرجل، فما أن تدخل الفتاة مرحلة الدراسة المتوسطة حتى تبدأ تفكر في الفتى الذي سوف تقترن به، وما إن تصل المرحلة الثانوية حتى تصبح أمور الزواج من أسباب قلقها، وانشغال ذهنها، حتى إن غالبهن " يرسمن خططهن للمستقبل على أساس الزواج عقب انتهائهن من مرحلة التعليم الثانوي "، ومن التحقت منهن بالجامعة قبل أن تتزوج : فإن رغبتها نحو الزواج أكبر بكثير من مجرد حصولها على وظيفة، بل وحتى اللاتي كن يعملن من الفتيات في زمن الثورة الصناعية في أمريكا : ما كانت تزيد أمنية إحداهن على أن تتزوج في سن مبكرة من رجل صالح يناسبها، فالفتاة البالغة بفطرتها ليس شيء أحب إليها من الزواج، وتكوين الأسرة .
إن الحاجة النفسية والعاطفية في طبع الفتاة نحو الرجل ملحة، وتكاد تكون أبلغ من حاجته فيها، فهي أقرب إلى الغريزة منه، وأكثر انغماساً في طبيعتها الجنسية من الرجل، حيث تستوعب هذه الطبيعة غالب كيانها، ويصبح نموها وسلوكها في خطر ما لم تشبع حاجتها الغريزية من الجنس الآخر، وتكون هويتها الجنسية في غموض ما لم تتأكَّد، وتظهر على يد فحل من الشباب، كما أن صفة اليُتْم لا تزال عالقة بالبكر ما لم تتزوج، ورشدها العقلي لا يبلغ تمامه إلا بالرجل الزوج تضمه إليها ضمن نظام الاجتماع العام وقوانينه، وقد أجمل هذه المعاني المتعددة رسول الله r حيث يقول فيما رُوي عنه : (( إن للزوج من المرأة لشعبة ما هي لشيء ))، يعني أن له في نفسها مكانة عظيمة ليست لشيء آخرعندها.
إن الرجل يمثل للمرأة حاجة فطرية أصيلة في عمق كيانها الأنثوي، بحيث لا يمكن أن تكتمل إلا به، في حين يمكنه أن يكتمل هو بدونها، فقد مرَّ زمن ما على الرجل الأول بغيرأنثى، ولم يسبق قطُّ أن مرَّت على الأنثى برهة بغير الرجل، فهو يمثل لها الوطن الذي تحنُّ إليه، وترغب فيه، فهي بالفطرة مهيأة منذ الطفولة لتفارق أهلها، وتنضم إليه، ويُعبِّر العقاد عن هذه العلاقة العميقة بين الجنسين فيقول: "المرأة ماخَلَقت فيما مضى ولن تخْلُق بعد اليوم قانوناً خلقياً، أو نخوة أدبية تدين بها وتصبر عليها، غير ذلك القانون الذي تتلقاه من الرجل، وتلك النخوة التي تسري إليها من عقيدته".
إن هذا الإلحاح الأنثوي الغامر، والمتشعِّب في طبيعة الفتاة، والذي ينبعث ليشمل كيانها بشقيه الرئيسين: الروحي والجسمي، ويبلغ تأثيره حتى على طبيعة موضوعات أحلامها، حيث يشغل الجنس الآخر، وموضوعاته العاطفية حيِّزاً كبيراً من مضامين رؤاها، بل حتى حين يكون الاختيار بيدها، فإنها تتحدث عن الرجل أكثر بكثير من حديثها عن نفسها، أو عن بنات جنسها . إن هذا الإلحاح المتدفق والممتلئ بالحيوية، والمفعم بالعواطف إذا لم تجد له الفتاة متنفساً طبيعياً عند الرجل الزوج، فإن من الصعوبة عليها إخفاء آثاره، أو محاولة كبته بالكلية؛ لهذا تستعين الفتاة تلقائياً على ضبطه بوسيلتين إحداهما : النشاط الروحي والتسامي بالعبادة، والأخرى : التوجه العاطفي نحو بنات جنسها، ممن ترى فيهن مثالاً لها، بحيث يغمرها تجاه إحداهن حبٌّ عميق قد يصل إلى درجة الهيام والغرام، والغيرة الشديدة، والخوف من فقدانها .
وهذا الحبُّ الغامر، الذي تتبعثر شحنته بترك الزواج، أوتأخيره بصورة مفرطة: هو القاعدة العاطفية الطبيعية، التي تُبنى عليها علاقة الفتاة بشخص من الجنس الآخر، وهو الذي يدفع الفتاة لترك أهلها وأحبائها من أجل اقترانها برجل غريب عنها، حيث تشبع من خلال علاقتها به هذه الخلَّة النفسية العاطفية عندها، وتكوِّن معه أعظم وأهنأ وأغلظ رباط يمكن أن يُعقد بين اثنين من الخلق، بحيث تجد الفتاة في الطرف الآخر من الجهة الروحية ما يشكل معها وحدة روحية واحدة، ومن الجهة الجسمية ما يحقق الغرض من اللباس، حيث الامتزاج الكامل بين الشريكين، وتلبُّس كل واحد منهما بالآخر، فتلتقي مظاهر الأبدان وبواطنها، وبروزاتها وتجاويفها : لتؤلف شخصاً واحداً في كيانين ممتزجين، كما وصفها المولى U بقوله المحكم : { هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ … } [البقرة:187].
ومن هنا تتبين أهمية الرجل الزوج بالنسبة للفتاة، وضرورته لها، وأن في حرمانها من الزواج، أو الإفراط في تأخيره : تعطيلاً لهذه المشاعر والعواطف، وبثَّها في غيرمحلها الطبيعي الذي أباحه المولى U .