الصفحة الرئيسة @ المقالات التربوية @ التربية الجسمية للفتاة @ 17ـ حاجة المرأة إلى اللباس وتأثيره في شخصيتها
اتخاذ اللباس من أعظم نعم الله تعالى على بني آدم، وهو مع ذلك فطرة إنسانية ملحَّة ت ن زع نحو التجمُّل باللباس، والاستكثار منه، ولا يُعرف إهماله إلا في بعض القبائل النائية الشاذة. وهو في النس اء أبلغ ما يكون؛ إذ يستحوذ على جلِّ اهتماماتهن، فما أن تبلغ إحداهن سن الشباب إلا وتصبح قضية الملابس الجميلة وحسن المظهر من أعظم وأكبر قضاياها الخاصة, حتى إن عجزها في الظهور بما يليق بمثلها في وسطها الاجتماعي قد يجرها إلى مشكلات نفسية، واجتماعية حادة. وهذا من الطِّباع النسائية التي لم ينج منها حتى زوجات النبي r رضي الله عنهن، حيث رغبن في التوسع، وأن ينالهن من الخير ما نال المؤمنين في مجتمع المدينة، بعدما أفاض الله على رسوله r من النعم والخير، رغبة منهن في المساواة بغيرهن، والتمتع بشيء من زينة الحياة الدنيا. ولعل هذا الإلحاح الفطري في طباعهن نحو اللباس والزينة: دفع إدارات مدارس البنات - دون مدارس الأولاد– نحو توحيد الزِّي المدرسي خشية تماديهن في التزين، وإغراقهن في التأنق.
ولما كان من الطبيعة الإنسانية أن يتأثر الفرد - إيجابياً أو سلبياً– بما يجري على جوارحه: فإن للملابس في أنواعها، وأشكالها، وطريقة ارتدائها: آثاراً بارزة في سلوك الأفراد - ذكوراً كانوا أو إناثاً - "وليس من شك في أن مصطفى كمال حينما فرض القبعة لباساً وطنياً للشعب إنما أراد بذلك تغيير نفسٍ لا تغيير ملبسٍ؛ إذ إن الملبس يحكم تصرفات الإنسان إلى حد بعيد"، فكما أن تقليد الباطن في الأفكار والآراء يتبعه تقليد للظاهر في الملابس والأزياء: فكذلك تقليد الظاهر كثيراً ما يتبعه تقليد للباطن، فالعلاقة بينهما قوية.ولهذا خضعت الأزياء عند الشعوب عامة - والإسلامية منها خاصة– لتقاليد دينية، وعادات مرعية، تفرض على الأفراد التقيُّد بها، وعدم تجاوزها. وإنما تختل هذه التعاليم في نفوس أهلها، ويضعف أثرها في فترات اختلال الوسط الاجتماعي وضعف أثره، فتظهر بوادر التمرُّد أقوى ما تظهر في ملابس الشباب، ووسائل لهوهم.
ومن هنا لابد أن تتأثر شخصية المرأة بنوع الملابس التي ترتديها، وتتأنَّق بها, ولعل من الأمثلة التي تدل على ذلك تأثير قيمة اللباس وجماله على شخصية المرأة؛ فحين ترتدي إحداهن اللباس الجميل الغالي الثمن: كثيراً ما تنعكس قيمته على سلوكها إعجاباً وترفعاً بين القرينات, وكذلك إذا لبست الثمين من الحلي، فإنها كثيراً ما تسعى فتبرزه وتتباهى به؛ ولهذا ورد في السنة الترهيب من مثل ذلك.
وفي الجانب الآخر حين تعجز إحداهن عن بلوغ مرتبة قريناتها في امتلاك الملابس الحسنة، والحلي الثمينة فإنها قد تشعر بالإحباط، وهبوط المكانة الاجتماعية، وربما بالاحتقار والدونية. مما قد يدفع بعضهن إلى الانزواء، وترك الاختلاط بالنساء، أو الحيلة الممنوعة لكسب المال لشراء الملابس والحلي، وكل ذلك تتوقَّى به حتى لا تشعر بهذه المشاعر النفسية المحبطة.
ولهذا جاءت الشريعة الإسلامية السمحة في مثل هذه المواقف الاجتماعية بتوجيه المرأة للنظر في أمر الدنيا وزينتها إلى من هو دونها، والنظر في أمر الآخرة وأعمالها لمن هو فوقها، فهذا أجدر لئلا تحتقر نعمة الله عليها، وفي الحديث قال عليه الصلاة والسلام: " انظروا إلى من أسفل منكم، ولا تنظروا إلى من هو فوقكم، فهو أجدر أن لا تزدروا نعمة الله".