الصفحة الرئيسة @ المقالات التربوية @ التربية الجسمية للفتاة @ 16ـ نظرة الإسلام التربوية إلى لباس المرأة وزينتها


معلومات
تاريخ الإضافة: 23/8/1427
عدد القراء: 3378
خدمات
نسخة للطباعة     إرسال لصديق

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير خلق الله أجمعين وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.       أما بعد …

فإن منهج التربية الإسلامية يُعدُّ الإنسان إعداداً كاملاً من جميع جوانب شخصيته، ليكون إنساناً صالحاً في نفسه مُصلحاً لغيره، نافعاً لمجتمعه. ولا يفرق منهج التربية الإسلامية في إعداده الإنسان بين ذكر أو أنثى، فهو يتعامل بمنهجه التربوي مع نوعي الإنسان، يرعى كلاً منهما بما يُصلحه ويُكمِّله؛ ليكون عبداً صالحاً لله تعالى، يحقق المقصد الأسمى من مبدأ وجوده، الذي حدده المولى عز وجل إذ يقول: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات:56].

ولما كانت الأنثى من نوعي الإنسان تقوم بمهمات اجتماعية وتربوية لا تقل أهمية عما يقوم به الذكور في ميادينهم العملية المختلفة: عُني منهج الإسلام التربوي بإعدادها إعداداً خاصاً لتكون بنتاً بارَّة، وأختاً حانية، وزوجة صالحة، وأماً راعية. بحيث يتولاها هذا المنهج الرباني المحكم في كل مرحلة من مراحل حياتها بالإعداد التربوي المناسب الذي يؤهلها للقيام بمسؤولياتها العبادية والاجتماعية المناطة بها.

ولما كانت الأنثى تختلف عن الذكر في جوانب متعددة من طبيعتها الفطرية، وحاجاتها النفسية: راعى منهج التربية الإسلامية في النساء هذه الطبائع والحاجات، منطلقاً في ذلك من القاعدة الفطرية، ونوع المهمة الاجتماعية، وطبيعة الوظيفة التربوية المناطة بهن؛ ولهذا جاءت كثير من التوجيهات القرآنية والنبوية، وما بُني عليها من الأحكام الشرعية: تراعي منهن هذه الاختلافات في الحاجات الفطرية، وطبيعة وظيفتهن الاجتماعية.

وقد حرص منهج الإسلام على وضع تشريعاته التربوية لإعداد الإنسان وفق جنسه؛ بحيث ينشأ الذكور نشأة تربوية رجولية تناسب طبائعهم الفطرية، ومسؤولياتهم الاجتماعية، وفي الجانب الآخر أيضاً حرص في تشريعاته على نشأة الإناث نشأة نسوية، تعدهن وفق طبائعهن الفطرية، ومسؤولياتهن الاجتماعية؛ بحيث تتكامل مسؤوليات الجنسين، وتتعاضد مهماتهما ليتحقق من تكاملهما وتعاضدهما هدف الخلافة في الأرض، ومن ثمَّ يتحقق الهدف الأسمى من خلْق الإنسان - الذكر والأنثى– وهو العبودية الخالصة لله تعالى.

وقد شدَّد منهج الإسلام التربوي على ضرورة التفريق بين منهج إعداد الذكور، ومنهج إعداد الإناث؛ بحيث يبقى لكل منهج معالمه وأهدافه الخاصة التي تميزه عن الآخر، فلا يتداخلان إلا فيما يتحد فيه الجنسان من أصول العقائد والأخلاق، وجمع من الأحكام التشريعية والمبادئ الإنسانية العامة، دون غيرها من المسالك والأعمال التي تُلغي معالم الفروق بين الجنسين.

وتأتي قضية اللباس والزينة، وما يلحق بهما من مسالك التأنُّق والتجمُّل لتكون معلماً من أوضح وأبرز معالم التمييز بين الجنسين في التشريع الإسلامي؛ فبقدْر ما ضيَّقت الشريعة الإسلامية على الذكور في مجال اللباس والزينة بقدر ما وسَّعت فيهما على الإناث، والناظر يجد ذلك واضحاً في أنواع الثياب وألوانها، والحلي وأشكالها ومواضعها من البدن، وما يلحق بذلك من المساحيق الملونة، والمكاحل المنوعة، التي تميز - بصورة واضحة– بين الجنسين في مجال اللباس والزينة؛ بل ولا تسمح الشريعة الغراء لأحد الجنسين بأن يتخطى حدوده في اللباس أو الزينة إلى الجنس الآخر، فقد " لعن رسول الله r الرجل يلبس لبْسَةَ المرأة، والمرأة تلبس لبْسَةَ الرجل"، فقطع بذلك رسول الله r الطريق بين الجنسين في ميداني اللباس والزينة؛ ليبقى لكل جنس طبيعته الفطرية التي خلقه الله عليها، ليحقق من خلالها مهمته الاجتماعية المناطة به.

وقد احتلت مسألة اللباس والزينة مساحة كبيرة في كتب التراث الإسلامي، تعالج هذه المسألة، وتضبط حدودها وآدابها في ضوء التوجيهات القرآنية والنبوية، ولاسيما فيما يتصل بالنساء؛ فإن الإفراط والغلو في قضايا الزينة واللباس من الأمور الشائعة في حياة كثير من النساء، والناظر في كتب الحديث والفقه يجد أبواباً كاملة مستقلة تناقش أحكام اللباس والزينة، عدا ما تناقلته كتب اللغة والأدب والشعر في هذه المسألة، مما يُستملح أو يُستقبح من الأخبار والوقائع المتعلقة بزينة النساء وملابسهن.

ولعل المعالجة التربوية من الوجهة الإسلامية لقضية اللباس والزينة عند النساء لم تحظ باهتمام الباحثين المعاصرين كما حظيت المعالجة الفقهية والأدبية عند السلف؛ ولهذا تندر عند الباحثين المعاصرين الدراسات التربوية التي تتناول قضية اللباس والزينة عند المرأة, ولا سيما الدراسات التربوية الإسلامية,التي تعالج هذه القضية من المنطلق التربوي الإسلامي, والتي تجمع بين مصادر التراث الإسلامي، وبين المصادر العلمية التربوية في ميادين العلوم الإنسانية المختلفة.

وقضية اللباس والزينة عند المرأة من أكثر القضايا حساسية في حياة الإناث، لا تكاد تنفك عن جنسهن إلا عند نوادر منهن، فقد تجذَّر في عمق الطبيعة الأنثوية حبُّ الزينة من الملابس والحلي والمستحضرات التجميلية والطيب ونحوها، فلا تكاد تزهد في حبها كبيرة ولا صغيرة، مما قد يترتب عليه اندفاع وتعمق في سلوك بعضهن يخرج بهن عن حدّ الاعتدال إلى المكروه أو المحرم في صور من: الغلو، أو الإسراف، أو التشبه، أو التبرج، بحيث تتحول حاجة إحداهن إلى الزينة واللباس إلى نهمة لا يُشبعها شيء، واندفاعة عارمة لا يقف لها شرع ولا عقل.

ومن هنا كان لابد من تلمُّس التوجيه التربوي الإسلامي في ضبط حاجة النساء إلى اللباس والزينة، ضمن حدود الشرع الحنيف في كتاب الله، وسنة رسول الله r، وما أجمع عليه السلف، بحيث يُتخذ من هذه الضوابط الشرعية معالم توجيهية تربوية تضبط هذه الحاجات عند النساء، وتحكم اندفاعهنَّ ضمن حد الاعتدال في غير إفراط ولا تفريط.

إن حاجة المرأة إلى الزينة المشروعة معتبرة شرعاً، فإنها بطبيعتها الفطرية تحتاج إلى استنطاق جسمها رغبة في الإثارة من خلال زينة الوجه، والكفين، والشعر ونحوها، ولكنها - مع ذلك - محتاجة إلى كوابح تضبط فرط ميلها وعمق استغراقها، فإن " الحافز الجنسي الناشئ عن الجمال الطبيعي، المُزيَّن بما لا يُخرجه عن أصل الخلقة: حافز راقٍ سامٍ عميق، وأما الحافز الناشئ عن جمال ناشئ من تغيير خلق الله فهو حافز شيطاني ناري، لا يلبث أن يفتر ويشيخ". وقد ظهر في فرنسا مع بداية القرن العشرين الميلادي ما يؤيد العمق الشيطاني في التزين وهو مذهب: " المدرسة التوحشية " التي تتميز بالألوان الصارخة، والخطوط السوداء الداكنة، وكل ذلك مناف للفطرة السوية؛ فإن " أحسن الحسن ما لم يُجلب بتزيين وتضييق، وتحلية وتزويق "، مما لا تكلُّف فيه ولا مبالغة.

ويمكن فيما يلي تلخيص موقف الإسلام من لباس المرأة وزينتها، وذلك على النحو الآتي:

1- تعتبر قضية اللباس والزينة  جزءاً أصيلاً من كيان الأنثى الفطري، مما يتطلب مراعاة المجتمع لحاجة النساء إليهما ضمن حدِّ الاعتدال.

2- يقع  كثير من النساء في توجههن لإشباع حاجاتهن للباس والزينة في مخالفات سلوكية تخرجهن - في كثير من الأحيان - عن حدِّ الاعتدال المشروع إلى التطرف والغلو الممقوت، مما يوجب على منهج التربية ضرورة تربية الفتيات على منهج الاعتدال، ونبذ التعمق والغلو، والتنفير منهما.

3- تضمَّن منهج الإسلام التربوي جمعاً من الضوابط الشرعية التي تحكم أسلوب التجمل والتأنق في سلوك النساء، مما يتطلب إلزام النساء بها، وتربية الصغيرات عليها في الأسرة والمدرسة، حتى يتعوَّدن عليها، وينشأن على آدابها.

4- تتحكم دور الأزياء الأجنبية في تصميم ملابس النساء، وتفرض عليهن نظام (الموضة) في صور من الهوس السلوكي، والخروج عن المشروع والمألوف في المجتمع المسلم، مما يتطلب توفير مؤسسات إسلامية لتصميم أزياء النساء المسلمات ضمن ضوابط الشرع الحنيف وآدابه وأخلاقه.

5- يمثل الرجل عنصراً مهماً في إثارة النساء نحو الزينة والتأنق، وهذا يسوق بعضهن إلى التبرج والسفور، مما يوجب توجيه النساء وتربيتهن على ضبط سلوكهن بما يستر زينتهن عن أعين الرجال الأجانب وأنوفهم وآذانهم، وبما يحقق لهن وللمجتمع السلامة من الانحرافات الخلقية والسلوكية.

6- لقد جاءت التوجيهات الإسلامية التربوية بنهج الاعتدال في لباس النساء وزينتهن؛ بحيث لا تترك لهن الحرية الكاملة في التأنق والتجمل بما يخرجهن عن حدِّ الاعتدال إلى الغلو المذموم، وفي الجانب الآخر لا تسمح لهن بمطلق الزهد الكامل في هجر الزينة واللباس، الذي يسوق المرأة إلى التعطُّل، ومسْلك الحِداد في  غير  موُجب شرعي.

7- رغم التوسع الكبير الذي سمحت به الشريعة المباركة، والساحة الواسعة التي منحتها للباس النساء وزينتهنَّ إلا أن الإفراط والتعمق كثيراً ما يوقع بعضهن في الغلو الذي يتجاوز بهن الساحات المشروعة إلى ساحات أخرى ضيقة من الحرمة أو الكراهية. وهذا الواقع يوجب تربية الفتيات على استعذاب المباح من الزينة واللباس دون غيرها من محرمات اللباس والزينة ومكروهاتهما في الشريعة.