الصفحة الرئيسة @ المقالات التربوية @ التربية الجسمية للفتاة @ 10ـ حاجة الفتاة الملحة إلى جمال الجسم


معلومات
تاريخ الإضافة: 23/8/1427
عدد القراء: 2540
خدمات
نسخة للطباعة     إرسال لصديق

تميل الفتاة الشابة نحو التفوق في جمال جسمها، بحيث تشعر بكفاية مقدار جمالها البدني العام للقبول الاجتماعي عموماً، وعند الجنس الآخر خصوصاً، فإن الشباب بصورة عامة - رغم كونهم طبيعيين في نموهم- يعانون حساسية مفرطة تجاه ملامح أجسامهم، ويرغبون في تعديلها على نحو ما؛ إذ يمثل الجسد بالنسبة لهم في هذه المرحلة عاملاً في غاية الأهمية، والفتيات -في كل هذا- أشد اهتماماً، وأكثر قلقاً على حالة نموهن الجسدي، وعيوبهن البدنية، وأبلغ أماني إحداهن في هذه السن أن تكون بارعة في الجمال، مكتملة النمو الجسمي، فبقدر ما تحب الفتاة أن يَلْحَظَ مَنْ حولها جمال نموها الجسمي، ويتأمَّلوا ذلك منها، فإنها تتأثر بانطباعاتهم، وتعليقاتهم التي تسهم بقوة في تكوين مفهومها عن ذاتها الجسمية، فالفتاة مهما بلغت من العقلانية والنبوغ؛ فإنها في حاجة ملحة إلى إثارة إعجاب الآخرين بمفاتنها، وجمال بدنها أكثر من حاجتها إلى ثنائهم على عقلها ونبوغها، ولهذا يقول علي بن أبي طالب t : "عقل المرأة جمالها، وجمال الرجل عقلُهُ"، فالحُسن "في النساء آكد، فإن الأمر في الحسن منوط بهن، فمهما كانت المرأة أحسن كان أعظم لشأنها، وأعز لمكانتها"، والمرأة في كل زمان ومكان هي المرأة، مهما حاول بعضهم إخراجها من عالمها، وجسدها بخصائصه الأنثوية الطبيعية عنصر أساس لعالم المرأة، "فالأنوثة والجمال هما العنصران الأساسان لهذا العالم، فما زالت مسابقات ملكات الجمال تجري حتى يومنا هذا، وما زال لجمال الأنثى دور بارز في زواجها وعملها"، وإذا كان للجمال من صورة ومثال، فإن جسد المرأة هو مادة هذا الجمال وصورته، فمهما تحدثنا عن المرأة بوصفها رمزاً أو معنى فإن الجسد الأنثوي بما أودع الله فيه من خصائص متميزة يظل مسيطراً على عالم المرأة"، فجمال الجسد في حق الفتاة، والنساء عموماً: فضيلة ضرورية عندهن، لا غنى عنها، ولا بديل لها.

ويرجع سبب إلحاح الأنثى على استحواذ الجمال الجسمي إلى كونه مطلباً رئيساً للذكور قاطبة، حتى الأنبياء عليهم السلام لا يزهدون فيه، فهذا رسول الله r رغب في خطبة ضباعة بنت عامر < لما اشتهرت بحسنها، فلما علم بكبر سنها، وذهاب معالم جمالها التي حُكيت عنها: أعرض عن خطبتها، فعلى الرغم من أن الجمال البشري مُقسَّمٌ بين الجنسين: فقد اقترنت صورة الجمال المطلق في حسِّ الرجال بالفتاة في عنفوان شبابها، وكأن الجمال في شعورهم أنثوي الطبع، في حين قد يكون جمال الرجل الذكر أبلغ من جمال المرأة الأنثى، كما هو في غالب عالم الحيوان، إلا أن الظاهر أن جمال الفتاة المحبوبة، المرغوب فيها مع كونه يحقق للزوج العفة، وغض البصر، وكمال الاستمتاع: فإنه مع ذلك يُريح النفس ويُسكِّنها؛ لأن النظر -في حد ذاته- إلى الزوجة "الجميلة الحسنة الخلْق يُفرح النفس، ويُنشِّطها، ويزيل عنها الأفكار والوساوس الرديئة"؛ ولهذا كان مطلب الرجال للجمال في الإناث مستساغاً، وحرصهن الشديد على التفوق فيه، والاستحواذ عليه مقبولاً لا يستنكر؛ لذا يُستساغ التغاير بين النساء في الجمال، ولا يُستساغ ذلك بين الرجال وأما حديث الترغيب في الفتاة الصالحة، وتقديمها على الجميلة: فليس فيه ما يدل على الزجر عن الجمال؛ "بل هو زجر عن النكاح لأجل الجمال المحض، مع الفساد في الدين"، فإن النبي r أشار إلى جمال الفتاة بسرور الرجل إذا نظر إليها، فليس بمستهجن -بناء على هذا الفهم- حرص الجنسين على كسب الجمال ونيله، كلٌ حسب طبيعته، ونوع دوافعه.

إن شعور الفتاة بنقص جمالها الجسمي، خاصة فيما يتعلق بجمال ملامح الوجه، واعتقادها بأنها شخص غير مرغوب فيه: كاف لإحجامها عن الوسط الاجتماعي، واضطراب مفهومها عن ذاتها، وربما انخراطها في سلوك خلقي شاذ، وقد يحصل لها اضطراب نفسي من تشوُّه الوجه أو الصدر أو اليدين بسبب الحروق التي كثيراً ما تصيب الفتيات في الخدمة المنزلية من جراء مواجهتهن للهب، وتعاملهن مع السوائل الساخنة، بل إن قدراً طبيعياً من مظاهر اضطرابات النمو الجسمي في مرحلة البلوغ: كاف - في حدِّ ذاته- لإزعاج الفتاة، وإشغال ذهنها، وإشعارها بالشذوذ الجسدي: كاختلال توازنها الجسمي بسبب النمو، أو تنامي حجم الأنف، أو ظهور بعض الشعر الرقيق على جوانب من جسمها، أو عدم تناسق الثديين ونحوها من مظاهر النمو الطبيعي، فقد تدفعها مهمتها للجمال الجسمي في غير الاتجاه الصحيح، مثل محاولة تغيير لون البشرة إلى السُّمْرة عن طريق "التَّشمُّس"، فرغم أنها وسيلة مكروهة في نظام الإسلام الصحي، ولها أضرارها الصحية: فإن بياض البشرة - بصفة خاصة في الوسط العربي- محبوب، وهو عندهم يُعد نصف جمال الفتاة، حتى قيل: "الحسن: بياض اللون وسواد الشعر، وكل منهما شطره"، كما أن كل أمة -في الغالب- تستحسن من ألوان نسائها ما اعتادت عليه، حتى الزنوج يستحسنون ألوان نسائهم، فصفاء اللون نعمة لا يصح من الفتاة السعي في تغييرها.

وأفحش من ذلك: أن تلجأ الفتاة تحت وطأة افتقارها للجمال الجسمي، ورغبتها في زيادة حسنها: إلى تغيير خلق الله تعالى بالتدخل الطبي من خلال عمليات جراحة التجميل دون حاجة صحيحة قائمة، إلا الرغبة في التَّحسين الجسمي غير المشروع، وقد دلَّ الواقع أن غالب حالات جراحة التجميل تتم بناء على دوافع نفسية أكثر من كونها ضرورة طبية.

إن من الضروري أن تعرف الفتاة: "أن الجمال يختلف باختلاف الطباع"، فلا يحصره قالب أو شكل معيَّن، وليس بالضرورة أن تكون الفتاة الجميلة في عين الرجل قادرة بنفسها على إدارك الجمال وتذوقه، كما أن الجمال الفائق في حد ذاته قد يكون نقمة على الفتاة حين يسوقها إلى التبرج والسفور وإثارة الشهوات، أو الإدلال به على الزوج؛ فإن كثيراً من الجميلات متعثرات في حياتهن الزوجية؛ ولهذا لم يكن العرب الأوائل يستحبون الجمال البارع في الزوجة مخافة الفتنة بها، وشدة الإدلال، وبلوى المنافسة والتنازع، كما أن الفتاة الجميلة بقدر ما تُولِّد من الحب والميل في قلوب الرجال، فإنها - في الجانب الآخر- تولِّد من الحقد والكراهية في قلوب النساء، فليس الجمال دائماً في صالح الفتاة، ومن القواعد المعلومة أن: "النِّعمة بقدر النِّقمة".

كما يجب على الفتاة أن تعرف أن الجمال لا يخضع للوراثة فقط؛ فإن سن الشباب- في حد ذاته- وكمال الصحة البدنية، والنظافة الجسمية، وجودة التزُّين والتأنُّق، وحسن العشرة، والجاذبية، وبراعة الحركة، وحسن الصوت، وجودة الفهم: كل هذه الجوانب تكوِّن في مجملها أركان الجمال الأنثوي، بل إن مجرَّد الانتساب إلى الإنسانية يُعد في حد ذاته أعلى قيمة جمالية مخلوقة في الكون، فالله جلَّ وعلا خلق الإنسان في أعلى درجات الجمال، فقد قال I : {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} [التين:4] يعني في أكمل وأحسن صورة، فمهما فقدت الفتاة من الجمال المرغوب فيه عند الناس فقد حازت أصله وقدره الأعظم بإنسانيتها، وأصل فطرتها.

وأعظم من هذا كله وأجل: يقين الفتاة بضرورة جمال الباطن، وطهارته، وتزكيته، فلا مزيَّة عند الله تعالى لمن كانت صورته الظاهرة جميلة، وكانت داخلته الباطنة قبيحة؛ فإن في اهتمامات الفتاة غايات وآمالاً أسمى بكثير وأعظم من مجرَّد الجسد وحاجاته، "فالأصل في المحاسن، والمطلوب عند العقلاء في كل المواطن إنما هو إصلاح السرائر، وتهذيب البواطن لا الظواهر"، فالجمال "لا ينحصر بتاتاً في الجمال الطبيعي والمصطنع أي التجمُّل بل يتعداه إلى الجمال المعنوي والأخلاقي الذي يُعتبر من الأركان المهمة والأساسية لجمال الإنسان"، ثم إن كلَّ صفة جبلِّية لا كسب للإنسان فيها كحسن الصورة، واعتدال القامة، أو عكس ذلك كقبح المنظر، ودمامة الخلْقة، كل ذلك لا ثواب عليه ولا عقاب، وإنما الجزاء بالخير أو الشر على موافقة الشرع أو مخالفته، فمن نال نصيبه الوافر من جمال الباطن، فقد نال الحظ الأكبر من الجمال الحقيقي، وفي الحديث:(إن الله لا ينظر إلى أجسادكم ولا إلى صوركم، ولكن ينظر إلى قلوبكم), فجسم الإنسان -كما يرى علماء الجمال- كالزجاجة تظهر من خلالها ألوان المحتوى: جميلها وقبيحها.