الصفحة الرئيسة @ المقالات التربوية @ التربية الاقتصادية للفتاة @ 18ـ إسهامات الفتاة في التنمية الاقتصادية العائلية


معلومات
تاريخ الإضافة: 24/8/1427
عدد القراء: 2522
خدمات
نسخة للطباعة     إرسال لصديق

الحديث هنا ينصبُّ على دور الفتاة الإيجابي في مهام التنمية الاقتصادية العائلية التي يمكن أن تَطَوَّع بها ضمن نطاق العائلة، فتسهم بصورة جادة في تنمية ثروات الأسرة، وإنعاش اقتصادياتها من خلال ميادين الإنتاج العائلي المتاحة، التي كانت إلى عهد قريب -قبل الثورات الصناعية الحديثة- ولا تزال في بعض المجتمعات البسيطة: موارد اقتصادية رائجة؛ حيث تستغل العائلة كل طاقاتها البشرية المتاحة في العمل الإنتاجي المربح، الذي يُسهم في أدائه كل مستطيع من الذكور والإناث، كلٌ حسب قدرته، ودرجة كفاءته، ووقت تفرُّغه دون حرج اقتصادي، أو حرمان أبوي، فيستمتع الكل من خلال العمل الاقتصادي الجماعي بالمردود المالي الذي يشمل جميع المساهمين حسب بلائهم وحاجاتهم، في صورة رائعة من التكافل الأسري، والتعاون الجماعي المفعم بالنشاط والحركة.

إن هذا الوضع الطبيعي للاقتصاد العائلي أخذ يتغير بصورة تدريجية تحت وطأة مبادئ الحرية المتجهة نحو الفردية الاقتصادية، كمذهب يعظم حق الفرد، ويقدمه على حق الجماعة، حيث استولت أنظمة الاقتصاد المعاصرة على أزمَّة وسائل الإنتاج، من خلال المؤسسات الاقتصادية الرسمية، والشركات الإنمائية المختلفة، فأخذت تتعامل مع المجتمع كأفراد مبتورين عن أصولهم القبلية، وانتماءاتهم الأسرية، في تجمعات بشرية مقهورة، مُنكرةً بذلك دور العائلة كوحدة اقتصادية منْتجة، واستبدلت - في الوقت نفسه- الدوائر الحكومية، وأنظمة النقابات العمَّالية لتكون بديلاً عن وشائج الروابط العائلية في حماية العامل، وبعث شعور الأمن الاقتصادي في نفسه، مما أسفر عن تمييز واضح، وفصل كامل بين نظام الأسرة ونظام العمل، حيث انقطعت العلاقة الاقتصادية بكل فعالياتها الإنتاجية بين المنزل والعمل، واندفعت الأسرة بكل أفرادها القادرين -تحت وطأة الحاجة- نحو مؤسسات العمل والإنتاج -الخاصة منها والعامة- خارج نطاق العائلة تطلب قوتها، وسداد عيشها، فضعفت بالتالي الرابطة العائلية والسلطة الأبوية، وقلَّ أو انعدم عطاء النساء التربوي، وارتفع سن الزواج، وظهر في المجتمع كثير من المضاعفات الأخلاقية، والعقلية، والنفسية التي لم تكن معروفة بهذا الاتساع في الفترات الزمنية الماضية.

إن المجتمعات المعاصرة لن تستطيع أن تتخلص من مشكلاتها التربوية، ومعاناتها الاجتماعية حتى تُعيد للعائلة الإنسانية شكلها الطبيعي، وتُلزم المرأة بدورها الأمومي؛ بحيث تبقى للأسرة وشائجها الأبوية وروابطها العائلية الممتدة، ضمن ظروف اقتصادية كريمة، تُغْني النساء عن ذلِّ الكسب خارج حدود الأسرة، وتسمح لهن -في الوقت نفسه- باستثمار طاقاتهن الفائضة في عمل اقتصادي منتج مأمون داخل نطاق العائلة في غير حرج.

وتُصنَّف أنشطة العائلة الاقتصادية -خاصة النسائية منها- ضمن ما يُسمى بالمشروعات أو المنشآت أو الصناعات الصغيرة التي تقوم عادة على جهود أفراد قلائل، وأرصدة مالية منخفضة محدودة، يُقدَّر أعلاها في الولايات المتحدة بتسعة ملايين دولار، وفي المملكة العربية السعودية بخمسة ملايين ريال، ويحتل هذا النمط من المشروعات الاقتصادية الإنمائية جلَّ مشروعات العالم الاقتصادية، حتى إنه يمثل ما بين (90-97%) من المنشآت الاقتصادية الأمريكية، ويتيح للشعوب المعاصرة الحجم الأكبر من فرص العمل القائمة، ويدخل -كعنصر أساس- في دعم المشروعات الصناعية الكبرى من الباطن، وإلى جانب هذا فقد كانت ولا تزال المشروعات الصغيرة هي النواة الأولى لكل مشروع إنمائي كبير، وهي الأقدر على مواجهة احتياجات السوق المختلفة وتقلُّباتها المالية، حتى قيل في الأوساط الاقتصادية الأمريكية: "المشروع الصغير هو الأجمل"؛ ولهذا تلقى هذه  المشاريع الصغيرة من دول العالم قاطبة -حسب حجم قدرتها- اهتماماً بالغاً، ودعماً كبيراً من جهة مساعدتها مالياً وتشجيعها معنوياً، ومن جهة تزويدها بالخبرات الاقتصادية، ولفْتها لميادين الاستثمار المتاحة.

ورغم هذا الاهتمام الاقتصادي من المجتمع الدولي بهذه المشروعات الإنمائية الصغيرة: لم تحظ العائلة -كوحدة اقتصادية منتجة- بشيء من هذا الاهتمام؛ بل تعامل المجتمع الاقتصادي معها كأفراد موزعين بين هذه المنشآت الاقتصادية المتنوعة دون رابطة اجتماعية: فتفتتت جهودها، وتبعثرت طاقاتها لصالح غيرها من أرباب العمل، الذين لا تربطهم بها أية صلة معنوية يمكن أن تلطِّف أسلوب التعامل، أو تخفف من وطأة حدة العمل، ولاشك أن النساء والفتيات العاملات هن أول عناصر الإنتاج خسارة في مثل هذه الأجواء الاقتصادية القاسية، التي لا تعترف بالفوارق البيولوجية والنفسية بين الجنسين، ولا تحترم مكانة الأنثى، ولا تراعي فيها واجب الأمومة، وحق الطفولة.