الصفحة الرئيسة @ المقالات التربوية @ التربية الاقتصادية للفتاة @ 16ـ قضية المرأة وسعودة الوظائف


معلومات
تاريخ الإضافة: 24/8/1427
عدد القراء: 2458
خدمات
نسخة للطباعة     إرسال لصديق

إن التوجه نحو سعودة الوظائف بمعنى أن الأقرب أولى بالمعروف، والجار أحق بالشفعة فهذا صحيح، وإلا فإن بلاد المسلمين واحدة، وتوافد العمالة على البلاد مؤشر صحي يدل على الوفرة المالية؛ ولهذا كانت دول الخليج قبل الأزمات الاقتصادية الحديثة دول جذب للعمالة، أكثر بكثير من الآن، ومع ذلك فإن حماس بعضهم في دعوى السعودة، واطلاعه على الأرقام الكبيرة للعمالة الوافدة يدفعه أحياناً للمناداة  دون ضوابط بسعودة الوظائف بالمواطنين والمواطنات، متناسياً أن جلَّ هذه الوظائف والأعمال التي يشغلها الوافدون تُصنَّف ضمن الأعمال الوظيفية الوضيعة، الحرفية والخدمية المتدنية الأجر، التي يترفع عنها الشباب فضلاً عن النساء، والعجيب أن تقرير الأمم المتحدة عن المرأة في العالم لعام 1995م أشار بوضوح إلى أن الوظائف الخدمية والمتدنية الأجر تشغلها النساء بنسبة
97 - 100 %، فمن يضمن للمرأة السعودية بعد 20 عاماً أو نحوها أن لا تضطر لمثل هذه الوظائف، وقد صرَّح بعض الباحثين التربويين في  إحدى المجلات العلمية المحكَّمة الصادرة عن المجلس العلمي بجامعة الكويت أنه يتمنى أن يرى المرأة الخليجية التي تصلح الضوء في عمود الكهرباء في الطريق العام، وتسوق الشاحنة والعربات المجنزرة.

ولقد ثبت أن العلاقة في غاية القوة والارتباط بين الانحرافات الخلقية المتنوعة وبين مشاركة النساء في أعمال التنمية الاقتصادية الشاملة، بحيث تزيد نسبة انحرافاتهن الخلقية بقدر زيادة نسبة مشاركتهن في الحياة العامة.

وقد أشار الكتاب الإحصائي لعام 1398ه الصادر عن مركز أبحاث مكافحة الجريمة بوزارة الداخلية بالمملكة العربية السعودية ص (60)إلى  ظهور المرأة السعودية المجرمة لأول مرة في هذه السلسلة، وعلل ذلك بمشاركة المرأة السعودية في سوق العمل، الذي أتاح لها فرص الوقوع في بعض الأخطاء السلوكية والخلقية.

ولقد مرت على الأمة الإسلامية بعد عصر النبوة فترات عظيمة من الرقي الحضاري الذي شمل جميع جوانب الحياة الإنسانية فيما يُسمى بالعصور الذهبية، فأين كانت المرأة الحرة في ذلك الوقت، في بيتها أم في الحياة العامة ؟ كما مرت على الأمة أيضاً فترات أخرى شديدة، وأزمات اقتصادية خانقة، ومع كل ذلك لم تتوجه الأمة لنصف المجتمع "المعطَّل" من النساء الحرائر لإخراجهن إلى الحياة العامة للمشاركة في التنمية الاقتصادية الشاملة، وإنما كانت الدولة المسلمة، برجالها وشبابها تتحمل أعباء الإصلاح الاقتصادي وتحسين الأوضاع، ولئن تغيَّرت الظروف في هذا العصر فإن الفطرة لم تتغير، ولن تتغير.

ولقد أثبت العمل المؤسسي خارج البيت تعارضه - في غالب الأحوال - مع طبيعة المرأة وظروفها وحاجاتها، في حين أثبت العمل الاقتصادي المنزلي جدواه على مدار سنوات طويلة سابقة من الحياة الإنسانية، كما أثبت جدواه في بعض الدول المعاصرة، لاسيما في شرق آسيا، حين تعمل المرأة وتنتج في بيتها، تكسب وتُشغل فراغها دون صراعات الأدوار، ومعاناة البعد عن الأولاد، وأزمة وسائل النقل، والاختلاط، ونحوها من المشكلات.

إلا أن هذا النوع من العمل يحتاج إلى دعم وتطوير، دعم من الدول بالإعانات والقروض، ومقترحات المشروعات الصغيرة، ودعم آخر بتطوير الآلة المنزلية، بحيث تصبح سهلة الاستعمال، ويمكن للأسرة المتوسطة شراؤها, مع جودتها في الإنتاج بما ينافس مخرجات المصانع الكبيرة، فكما استطاع دهاقنة الاقتصاد زمن الثورة الصناعية جرَّ العمال إلى المصانع من خلال تطوير الآلة، يمكن أيضاً الآن من خلال تطوير الآلة الصناعية، وتصغير حجمها، وتبسيط أسلوب استعمالها من إعادة إحياء العمل المنزلي، إضافة إلى ما يمكن أن يقوم به النساء من صناعة الأطعمة المعلبة، وأعمال التغليف، وبعض أعمال الصيانة للأجهزة، وتركيب بعض الأدوات، ونحو ذلك من الأعمال البسيطة التي أثبت الواقع جدواها الاقتصادية.

ولما كانت المرأة في الريف ربما تمثل غالب المجتمع كان لابد من دعمها وتوطينها، من خلال المشروعات الصغيرة، ولاسيما الزراعية، وتربية الدواجن، وتقديم الاستشارات والإعانات للأسرة الريفية، فلا تحتاج إلى القدوم إلى المدن، والنزوح إلى الحواضر؛ لما في ذلك من الأضرار الاقتصادية والأخلاقية المعلومة.

ثم إن تأخير سن الزواج يدفع الفتيات للعمل، حين يطول عليهن انتظار الشباب الذين حبستهم  أنظمة التعليم، وأساليب التدريب، وحاجات السوق, فلو تعدَّلت الأنظمة التعليمية, وتوافقت مع حاجات السوق, ابتداء من التعليم المتوسط والثانوي،ليصبح هدفهما: " الإعداد للحياة",  بحيث يتأهل الشاب مبكراً للحياة العملية والزواج، وتكوين الأسرة: فإن هذا من شأنه تأهيل الفتيات مبكراً للزواج في أثناء الدراسة، فلا يطول عليهن  الانتظار، فإن الشاب حين يتأهل اقتصادياً فإنه يتأهل بالتالي ليكفل فتاة.