الصفحة الرئيسة @ المقالات التربوية @ التربية الاقتصادية للفتاة @ 14ـ دور المرأة في التنمية الاقتصادية


معلومات
تاريخ الإضافة: 24/8/1427
عدد القراء: 2841
خدمات
نسخة للطباعة     إرسال لصديق

تشهد المجتمعات الإنسانية المعاصرة توسعاً مذهلاً لم يسبق له مثيل في استغلال جهود النساء في تنفيذ الخطط التنموية الشاملة، فما أن تبلغ إحداهن سن العمل المسموح به حتى تتأهل للنزول إلى سوق العمل، والانضمام إلى القوى العاملة، ضمن أفواج هائلة من النساء والفتيات، ما بين عاملة، أو باحثة عن عمل، شأنهن في ذلك يشبه - إلى حد كبير- شأن الرجال والفتيان المكلفين شرعاً بالكسب والإنفاق، حتى إنه لم يعد هناك فروق في حثِّ كثير من الناس في أهمية توفير العمل للذكور والإناث على حدٍ سواء.

وعلى الرغم من المنافع المتبادلة التي يمكن أن تنتج عن تشغيل النساء: فإن قدراً كبيراً من السلبيات والأضرار نجمت، وتنجم عن مثل هذه الأنشطة الاقتصادية غير المنضبطة، ربما تفوق في حجمها حجم الإيجابيات.

إن التشابه في أصل الخلْقة بين الرجال والنساء لا يعني التشابه في نوع المهمات والمسؤوليات المناطة بكل منهما؛ فإنه بقدر ما بين الجنسين من التشابه : بقدر ما بينهما من التميُّز والاختلاف والتنوع، الذي يفرض على كل جنس - بالشرع والفطرة - مهمات ومسؤوليات تختلف في كثير من الأحيان ولا تتشابه.

إن المهمة العبادية التي كُلِّف الإنسان - ذكراً كان أو أنثى - القيام بها، وما خُلق - في أصل الأمر إلا من أجلها : لا يمكن أن تتحقق على الوجه الصحيح إلا بشرطين ضروريين:

الشرط الأول: وجود الإنسان على الأرض بصورة دائمة، يخلف بعضهم بعضاً من خلال التناسل والتكاثر، وهي مهمة أنثوية بالدرجة الأولى تكاد تكون خاصة بهن لولا الدور القصير الذي يُناط بالذكور في العملية التناسلية، وها هي المكتشفات العلمية، والتجارب الميدانية تكاد تُزيح الذكور حتى عن دورهم هذا بالكلية من خلال عملية الاستنساخ وما سبقها من وسائل حفظ مياه الرجال، في الوقت الذي أثبتت فيه هذه المكتشفات العلمية أصالة المرأة ومركزيتها بالفطرة، وضرورة وجودها باعتبارها عنصراً أساساً، لا يُتصوَّر الاستغناء عنه في العملية التناسلية، فقد هُيِّئت نفسياً وبدنياً بالأجهزة والمشاعر اللازمة لهذه المهمة، فانفردت وحدها بهذه المسؤولية الإنسانية الكبرى عن كل الذكور مهما علت مراتبهم، وفي مقابل تفرغها لهذه المهمة، وما يتعلق بها : يجنِّد المجتمع طاقاته لخدمتها، ورعاية شؤونها فلا تحتاج في قضاء حاجاتها، وتأمين متطلباتها إلى كدِّ العمل، وتكلُّف الكسب، فالأنوثة تُعفيها من كل ذلك بالشرع.

الشرط الثاني: قيام العمارة التي لا بد منها لإصلاح حال الإنسان في مأكله ومسكنه وعلاجه ومواصلاته، وكل ما من شأنه تسهيل مهمته في الحياة، وذلك من خلال مهمة الضرب في الأرض وإثارتها، وكشف كنوزها، والوقوف على نظام سننها، وهذه مهمة ذكورية بالدرجة الأولى، قد تهيأ الرجال لها في طبائعهم وميولهم واتجاهاتهم، إلا أنه لا توجد عند الرجال أجهزة جسمية محددة تؤهلهم وحدهم لهذه المهمة، كحال أجهزة النساء التي خصَّتهن وحدهن دون الرجال بمهمة الإنجاب ورعاية النسل، وهذا الوضع الطبيعي والفطري في الجنسين من شأنه أن يسمح بتسرُّب الإناث إلى ميدان الذكور، ولا يسمح - بصورة قطعية- للذكور بالتسرب إلى ميدان الإناث، فيبقى ميدان المرأة - بصورة دائمة - شاغراً لها، لا منافس لها فيه، في الوقت الذي تستطيع فيه المرأة أن تشارك الرجال في ميدانهم، وتنافسهم في إنجازاتهم، ومن خلال هذا التداخل يحصل الصراع والتنافس بين الجنسين، ويكثر الاستغلال والاستبداد من الرجال للنساء.

إن مهمة المرأة في أنشطة العمارة العامة تشبه - إن صحَّ التشبيه - في حجمها وقِصَرِها وسرعتها مهمة الرجل القصيرة والمحدودة في عملية التكاثر، ورعاية النسل، فهذه المحدودية الطبيعية لكل من الرجال في المسألة التناسلية، وللنساء في المسألة التنموية لا تشين أحداً منهما، ولا تسِمُهُ بالقصور، حين ينهض كل جنس بما أُنيط به فطرياً وشرعياً.

ولا تصح المقابلة بين مهمة الذكور في العمارة ومهمة الإناث في التناسل من جهة الأهمية، فكلاهما مهم، فإن كان ولابد من هذه المقابلة بينهما : فإن مهمة الإنجاب ورعاية النسل المناطة بالنساء أهم وأعظم من مهمة الرجال في العمارة، فهي صناعة الإنسان، وليس شيء أجلَّ من ذلك، فلو قُدِّر امتناعهن عن هذه المهمة، أو تعطُّلهن عنها : كان الانقراض مصير الإنسان، في حين لو قُدِّر امتناع الرجال عن مهمة العمارة كان الضيق والحرج والإزعاج أقصى ما يصيب الإنسان، ولهذا جاءت الشريعة الإسلامية بالمحافظة على الإناث من مواقع الهلكة ومظان الموت؛ لأن خدمة النوع الإنساني تتوقف بالدرجة الأولى على وفرة العنصر النسائي بصورة خاصة.

إن الملل من تكرار عملية الإنجاب ورعاية الطفولة، وما يتبع ذلك من المعاناة المكرورة: هي السبب - في كثير من الأحيان - وراء تذمُّر بعض النساء من هذه المسؤولية، في حين تجد إحداهن في ميدان الرجال ساحات واسعة ومتنوعة من الأنشطة المختلفة المتجددة المحفوظة من صور التكرار، فتتشوَّف إحداهن لذلك، وترغب في التجديد، ولاسيما إذا حازت إحداهن على شيء من المعرفة والمهارات التي تؤهلها لميادين التنمية الاقتصادية العامة، تاركة وراءها مهمة الإنجاب ورعاية النسل، أو مؤجِّلة لها لمستقبل قادم، وربما جمعت إحداهن بين المسؤوليَّتين فتعاني من جرَّاء ذلك صراع الأدوار الاجتماعية، والمعاناة النفسية، والإجهاد الجسمي، إضافة إلى درجات مختلفة من انخفاض مستوى خصوبتها؛ إذ يُعد عمل المرأة خارج المنزل أفضل وسيلة لتحديد النسل، والتقليل من الذرية، في حين لا تتعرض المرأة لغالب هذه الأزمات عندما تعمل وتنتج في محيط أسرتها، ضمن أنشطة العائلة الاقتصادية، وما يمكن أن تقوم به من الوظائف العامة من داخل بيتها، وحتى معدلات خصوبتها، فإنها لا تتأثر كحال المرأة العاملة خارج المنزل، فقد دلَّت بعض الدراسات الميدانية أن معدلات خصوبة المرأة العاملة داخل المنزل تشبه معدلات خصوبة المرأة الريفية التي تعمل وتنتج بطبيعتها، ولا تعرف أساليب تحديد النسل، إضافة إلى أنها لا تعرف صراع الأدوار الاجتماعية، ولا تعاني من أزمة تأنيب الضمير في بعدها عن أولادها.

إن لفت المرأة نحو العمل المنزلي، والإنجاب، ورعاية النسل يأتي موافقاً للفطرة الأنثوية، متسقاً مع الشرع، فلو أراد المولى عز وجل من الرجال والنساء مهمة واحدة في هذه الحياة لما خلقهما جنسين مختلفين، ولاشك أن في هذا الاختلاف من التنوع والتكامل ما يثري الحياة الإنسانية وينميها، ويشغل جميع مجالاتها.

وقد أثبتت بعض الدراسات الاقتصادية أن عمل المرأة المنزلي يصل في بعض الدول الأجنبية إلى ما بين 20% - 25% من الدخل القومي، ومع ذلك لا يدخل ضمن حسابات المعدلات العامة للدخل القومي، بحجة أنه عمل غير مأجور، في الوقت الذي يحسب فيه عمل الراقصة، والمغنية، وخادمة الملهى، ونحوهن ضمن معدلات الدخل القومي، بحجة أنهن يتقاضين مدخولاً مالياً، وكأن المدخول المالي - أياً كان مصدره- يعطي لمثل هذه الأعمال الساقطة مشروعية اجتماعية واقتصادية، في مقابل إقصاء مجهودات المرأة في العمل المنزلي عن معدلات الدخل القومي رغم أنها مجهودات لا تقدر بثمن، وإلا  فما هي قيمة أعظم منتج يمكن أن ينتجه الرجل في ميادين التنمية الاقتصادية العامة يضاهي صناعة الإنسان ؟.

إن مجالات التفوق بين الجنسين تختلف، ففي الوقت الذي يبلغ فيه الرجل لأن يكون متوافقاً نفسياً، ومقبولاً اجتماعياً يحتاج إلى جمع من المهارات والمعارف والعلوم والوثائق التي تؤهله لذلك، مضافاً إليها تمتعه بأصول الإيمان والأخلاق، في حين لا تحتاج المرأة لبلوغ القمة لأكثر من أصول الإيمان والأخلاق مع سلامة الإنجاب ورعاية النسل، حتى وإن فاتها كثير من العلم والمعرفة والمهارات، فطريقها إلى القمة قصيرة؛ ولهذا لا يُؤثر عن النساء الأربعة اللاتي ذكرهن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالكمال شيء من العلم، وإنما تفوقن في كمال الإيمان وعظيم الأخلاق مع سلامة الإنجاب ورعاية النسل، في الوقت الذي لم تتأهل فيه السيدة عائشة رضي الله عنها لأن تكون منهن، رغم أنها حازت من العلم والمعرفة ورجاحة العقل ما فاقت به غالب رجال عصرها، فدلَّ هذا على أن مجال تفوق المرأة يختلف عن مجال تفوق الرجل، وأن مجرد تفوق المرأة العلمي، وحصولها على شيء من المهارات الفنية والإدارية، وبلوغها بعض المناصب الاجتماعية، ليس شرطاً لبلوغها القمة، في الوقت الذي تعتبر فيه هذه المتغيرات الاجتماعية والمهارية والعلمية شرطاً ضرورياً لمجرد قبول الرجل اجتماعياً، فضلاً عن بلوغه القمة في وسطه الاجتماعي.