الصفحة الرئيسة @ المقالات التربوية @ التربية الاقتصادية للفتاة @ 7ـ حق الفتاة الاقتصادي على الدولة
يتبوَّأ السلطان المسلم مكانة عظيمة ومهمة في نظام الحياة الإسلامية عامة، ونظام الحياة الاقتصادية خاصة، بحيث تطول ولايته كلَّ من لا وليَّ له، وتشمل رعايته كلَّ محتاج لا عائل له، يقول الإمام الشافعي: "منزلة الوالي من الرعية: منزلة الولي من اليتيم"، فيقوم -من خلال برامج الكفالة الاجتماعية- بمهام الأولياء الاقتصادية في رعاية الضعفاء والنساء والذرية، بما يضمن للجميع الحياة الكريمة التي تحفظ للمسلم عزته وشموخه، وتدفع عنه ذلَّ الحاجة وخطر الضرورة؛ بل تحقق له -حسب الإمكان- درجة من الرفاهية المعيشية، والأمان الاقتصادي، وربما أسهم السلطان بصورة مباشرة- من خلال العطايا- في تكوين الثروات المالية الطائلة التي تنقل الفرد من درجة الفقر والحاجة، إلى أعلى درجات الرفاهية والغنى.
وقد خصَّت الدولة المسلمة في الزمن الأول عناصر المجتمع غير الكاسبة كالنساء والأطفال بمزيد من الاهتمام حيث شملت فقراءهم الزكاة، ونال عمومهم العطاء العام الذي شمل الكسوة والطعام مع المخصصات المالية، كما دخل جمع غفير من خواص النساء ضمن جزيل العطاء الخاص، وخُصَّ الغازيات منهن بشيء من الغنيمة، بل إن قَطْع الأراضي، وتوريث الدور، ناله جمع من النساء، حتى إن بعضهن أشركن في بعض الموارد الاقتصادية العامة.
لقد كان هدف الدولة المسلمة في ذلك الحين واضحاً في إكرام النساء الفضليات، وإغناء النساء المحتاجات، فقد أعلن عمر بن الخطاب t سياسته الاقتصادية تجاه النساء فقال: "لئن سلمني الله لأدعنَّ أرامل أهل العراق لا يحتجن إلى رجل بعدي أبداً"، فالسياسة المالية اللازمة للسلطان لتحقيق ذلك: أن "يحصى الذرية ممن هم دون البلوغ، والنساء صغيرتهن وكبيرتهن، ويعرف قدر نفقاتهم، وما يحتاجون إليه في مؤناتهم، بقدر معايش مثلهم في بلدانهم، فيعطون كفاية سنتهم من كسوة ونفقة"، ولا يحق له أن يستأثر لنفسه من ذلك بشيء، أو يحابي به أحداً من خواصِّه أو أقاربه، فلا بد أن يؤمِّن لكل إنسان أساسيات حياته من: الطعام، والشراب، واللباس، والسكن، فالكل له حق في ظل حكم الإسلام أن يعيش كريماً عند أدنى مراتب الغنى التي تناسب مثله في كل عصر، وذلك على أقل تقدير، لاسيما طبقات الإناث، فإنهن بالطبيعة إلى الرفاهية الاقتصادية أحوج، وفي سعة العيش أرغب؛ ولهذا فهن بالتالي إلى العطب من نقص الحاجة أسرع، وقد ثبت يقيناً بما لا يدع مجالاً للشك: أن العلاقة في غاية الإيجابية بين سوء الظروف الاقتصادية وبين الانحرافات الخلقية، والتوترات النفسية، والأزمات العائلية؛ فإن حاجة الفرد الاقتصادية الملحة، وما يلحق بها من الحرمان والنقص: "تُثير لديه نوعاً من الضيق والتوتر وعدم الراحة"، الذي يمهد بالتالي للانحراف الخلقي؛ "فإن الحديث عن الوازع الديني في: التعفف، والقناعة، والأمانة: لا يجدي في كل الأحيان في بيئة يفتك بها الفقر ليجتث كرامة الإنسان، ويزلزل ما يؤمن به من مبادئ أخلاقية، وقيم روحية"، ولهذا يقول ابن منبِّه ~ٍٍِِ: "الفقر هو الموت الأكبر"، "فالفقير الذي ليس له من تجب نفقته عليه: يجب على الحكومة أن تعطيه الكفاية"، وفي الجانب الآخر يؤثِّر الانتعاش الاقتصادي بصورة إيجابية في أخلاق الناس وسلوكهم، وبالتالي في استقرار المجتمع، وفي هذا يقول الرسول r :(من سعادة المرء: المسكن الواسع، والجار الصالح، والمركب الهنيء).
ومن هنا لا بد للدولة المسلمة في كل عصر أن تهيء لأفرادها عموماً وللنساء والفتيات خصوصاً جواً من الاستقرار الاقتصادي، الذي يسكِّن لهفتهن، ويحقق تطلعاتهن، ويحفظ عليهن كرامتهن، بحيث يصبح هذا الهدف في حسِّ السلطان ونوابه من أهم شغلهم الاجتماعي، ومن أول أولوياتهم الاقتصادية، تقول السيدة عائشة رضي الله عنها واصفة حال النبي r في إشفاقه على أزواجه وعموم النساء من بعده: "إن رسول الله r أحنى عليَّ، فقال: إنكن لأهم ما أترك وراء ظهري، والله لا يعطف عليكن إلا الصابرون أو الصادقون"، وقال لأم الفضل بنت الحارث رضي الله عنها لما بكت في مرض موته: "ما يبكيك؟ قالت: خفنا عليك، وما ندري ما نلقى من الناس بعدك يا رسول الله؟ قال: أنتم المستضعفون بعدي"، فلا بد أن يكون هذا الشعور النبوي المُشْفق هو إحساس السلطان المسلم تجاه النساء.
ولقد كان من سياسة الدولة المسلمة في الزمن الأول: إعطاء النساء المحتاجات دون إلزامهن بالعمل، فكانت إحداهن تأتي الخليفة تعرض عليه حاجتها، فيعطيها ما يكفيها، ولا يطالبها بالعمل كما تفعل كثير من الحكومات العربية اليوم، فإذا كان لرجال المجتمع المكلفين بالكسب حق في بيت المال، فكيف بالنساء اللاتي لم يكلَّفن أصلاً بالكسب؟ ولهذا تأتي الدوافع الاقتصادية في أول قائمة أسباب خروج النساء للعمل، وهن بالتالي أكثر فئات المجتمع المستقبلة للإعانات الحكومية.
ومن ألطف ما يُنقل في رعاية الخلفاء لأحوال النساء الاقتصادية: ما جاء عن الخليفة الراشد عمر بن الخطاب t حين كان "يمشي إلى المغيَّبات، أي: اللاتي غاب عنهن أزواجهن ويقول: ألكنَّ حاجة حتى أشتري لكنَّ، فإني أكره أن تُخدعن في البيع والشراء؟ فيرسلن بجواريهن معه، فيدخل في السوق ووراءه من جواري النساء وغلمانهن مالا يُحصى، فيشتري لهن حوائجهن، ومن كان ليس عندها شيء اشترى لها من عنده".