الصفحة الرئيسة @ المقالات التربوية @ التربية الاقتصادية للفتاة @ 5ـ حق الفتاة الاقتصادي على الأسرة


معلومات
تاريخ الإضافة: 24/8/1427
عدد القراء: 2549
خدمات
نسخة للطباعة     إرسال لصديق

لما كانت الأنثى بطبعها عاجزة عن الكسب؛ فلا قدرة لها في الغالب على اكتساب ما تحتاج إليه من الكسوة والنفقة والمسكن، ونحو ذلك من الحاجات: كانت نفقتها قبل زواجها على أبيها ما لم تكن غنية تملك ما يكفيها، فإن امتنع عن النفقة الواجبة: أخذت من ماله ما يكفيها بالمعروف دون إذنه.

ومع كون نفقة الفتاة واجبة على أبيها: فقد رتَّب الشارع الحكيم على هذه النفقة عظيم الأجر فقال عليه الصلاة والسلام:(من عال جاريتين حتى تبلغا، جاء يوم القيامة أنا وهو، وضم أصابعه), وقال للأب في شأن الفتاة المطلقة: "ألا أدلك على الصدقة، أو من أعظم الصدقة: ابنتك مردودة عليك، ليس لها كاسب غيرك"، وكان u ينهى عن كل صور الإجحاف بحقِّهن حتى قال فيما رُوي عنه: "سووا بين أولادكم، فلو كنت مؤثراً أحداً آثرت النساء على الرجال"، ولما تذمَّر أحدهم من كثرة البنات في مجلس ابن عمر { قال له مغْضباً مستنكراً -كما رُوي عنه-: "أنت ترزقهن؟".

وأما الإرث السري فهو من أوسع أبواب أرزاق الفتيات في نظام الاقتصاد الإسلامي؛ حيث يوزع الثروة بصورة دائمة من المورثين إلى من هم دونهم من الذرية والزوجات والعصبات، ورغم المنطقية الاقتصادية في مبدأ توزيع التركة على المستحقين: فإن الجاهلية العربية في وقتها، والجاهلية الأوروبية إلى عهد قريب كانتا جميعاً لا تورثان الإناث بصفتهن عناصر استهلاكية غير منتجة، بل ربما اعتبرن بذواتهن تراثاً مملوكاً قابلاً للتقسيم والاتجار، هذا في الوقت الذي كان ينزل فيه القرآن الكريم بتحديد المواريث، وإقرار حقِّ الإناث فيها بأنصبة محددة، ويهدد -في الوقت نفسه- المخالفين بقوله جلَّ وعلا: {تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * وَمَن يَعْصِ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ} [النساء:13-14]، ويقرر أيضاً حتى للمملوكة -فضلاً عن الحرة- حقَّها في ميراث عتيقها.

ولم تكن قضية المواريث مسألة خيالية بعيدة عن التطبيق؛ فقد مارست الأمة المسلمة نظام توزيع المواريث على أهلها عملياً، فقد قام رسول الله r على ذلك بنفسه، فهذه امرأة سعد بن الربيع { حين قُتل زوجها وأراد عمُّ بناتها أخذ التركة كاملة قال له رسول الله r :(أعط ابنتي سعد الثلثين، وأعط أمَّهما الثمن، وما بقي فهو لك), ولما عزم سعد بن أبي وقاص t في مرضه على الصدقة بجُلِّ ماله، مستكثراً على ابنته الوحيدة كل تلك الثروة: منعه الرسول r، وألزمه بالثلث، والأخبار في ذلك كثيرة.

ومع ثبوت نظام المواريث فقد كانت الوصية للإناث اللاتي لا يرثن قائمة في المجتمع الإسلامي؛ بل إن تزوج الرجل بالمرأة لمجرد إشراكها في التركة كان أمراً مُستساغاً في المجتمع المسلم، رغبة في نفْعهن، وإيصال الخير إليهن.

وأما المفاضلة بين الذكر والأنثى في الميراث فإنها "ليست مبنية على المفاضلة في الكرامة الإنسانية؛ بل هي مبنية على المفاضلة في التبعات المالية"، وحجم التكاليف المناطة بكل منهما؛ ولهذا كثيراً ما تأتي الأحكام الشرعية الخاصة بالنساء على النصف من أحكام الرجال، كحال اختلاف الدية بين الرجل والمرأة في القتل الخطأ، فالمعتبر فيها حجم التأثير المالي على الأسرة بفقد الرجل، فاعتبر فيها التعويض المالي، في حين يتساويان تماماً في حال القتل العمد؛ لتساويهما في الإنسانية؛ ولهذا وصف اليُتْم في الإنسان يأتي من جهة فقْد الأب، وليس من جهة فقد الأم كحال الحيوان، ومع ذلك فليس دائماً في توزيع الأنصبة أن يكون للذكر مثل حظ الأنثيين، فهناك حالات يتساوى فيها الذكور والإناث، وربما زادت أنصبة الإناث في بعض الحالات.

ومن لطائف ما ينقل عن السلف في حرصهم على إغناء نسائهم: ما نُقل عن أبي بكر t في مرضه حين تحدَّث مع ابنته عائشة رضي الله عنها قائلاً: "إن أحبَّ الناس إليَّ غنىً أنت، وأعزَّهم عليَّ فقراً أنت".