الصفحة الرئيسة @ المقالات التربوية @ التربية الاقتصادية @ 16ـ موقف التربية الإسلامية من أزمة الشباب الاقتصادية


معلومات
تاريخ الإضافة: 24/8/1427
عدد القراء: 2042
خدمات
نسخة للطباعة     إرسال لصديق

يهتم منهج التربية الإسلامية بجميع جوانب الشخصية الإنسانية، بما فيها الجانب الاقتصادي، الذي يعاني الشباب معه أزمات حادّة، سببت عزلهم عن الحياة من جهة، وتأخير زواجهم من جهة أخرى، ويمكن تلخيص موقف التربية الإسلامية من هذه الأزمة في النقاط التالية:

1- يتضمن منهج التربية الإسلامية تصوراً كاملاً عن إعداد الشباب إعداداً متكاملاً من جميع جوانب الشخصية، يتناسب مع طبيعتهم وحاجاتهم، ويحقق لهم تطلعاتهم وطموحاتهم، ويشبع رغباتهم، ليكونوا أعضاء صالحين نافعين في المجتمع، وهذا يوجب على مؤسسات المجتمع - ولاسيما التربوية منها - اعتماد منهج التربية الإسلامية مصدراً رئيساً لإعداد الشباب وتربيتهم، وفق مقتضيات هذا المنهج وتوجيهاته، المستمدة من كتاب الله تعالى وسنة رسوله r.

2- يعيش غالب الشباب أزمات اقتصادية واجتماعية شائكة أفرزتها طبيعة الحياة الحضارية الحديثة، والثورات الصناعية المتنامية، التي عزلتهم عن واقع الحياة العملية والإنتاج، وأخَّرت دخولهم عشر سنوات أو أكثر إلى عالم الكبار لصغر السن وعدم الخبرة، مما أدى بهم إلى الشعور بالتفاهة وعدم الأهمية، وهذا قد يدفع بعضهم إلى التعبير عن رفضهم ونقدهم للمجتمع من خلال سلوكيات شاذة من العنف والتمرد والغلو. وهذا الوضع يتطلب بالضرورة  إعادة النظر في واقع نظام التعليم العام، بإعادة بنائه من جديد، ليوافق هدف إعداد الشباب للمشاركة الجادة في التنمية، منذ الخامسة عشرة أو نحوها، بحيث يتخرج الشاب قادراً على الإنتاج، ومهيأً لدخول سوق العمل الاقتصادي والمشاركة الجادة في الحياة، وليس مجرد شخص قادر على الدخول إلى الجامعة، واستيعاب موادها الدراسية .

3- أفرزت طبيعة الحياة العصرية المتحضرة أزمة عدم التوافق بين البلوغ الجنسي والقدرة على الإنجاب، وبين البلوغ الاقتصادي والقدرة على الإنتاج، مما فرض على الشباب حياة العزوبة، والبطالة الجنسية لسنوات طويلة يصعب معها لدى غالب الشباب الانضباط الخلقي الكافي أما متغيرات الواقع الاجتماعي، وانحرافاته العامة والشاملة، مما يؤدي إلى سقوط كثير من الشباب في مهاوي الرذائل والقبائح التي يأباها المجتمع المسلم، ومن هنا لابد من إعادة التوافق بين البلوغين الجنسي والاقتصادي من خلال إعادة بناء نظام التعليم ومناهجه لتتوافق نهاية التعليم العام مع دخول الشباب سن التكليف، فيساعدهم على اكتساب المهارة التي تناسب سوق العمل، فيتخرج الشاب شخصاً صالحاً للإنتاج، قادراً على الكسب والإنفاق على الأسرة، مزوداً بالمعارف الضرورية لإقامة شعائر دينه، قادراً - في الوقت نفسه - على مواصلة تعليمه إذا رغب في ذلك عن طريق الوسائل التعليمية المتاحة.

4- تتعارض البطالة- في كل صورها- مع الوجهة التربوية الإسلامية ولو كانت من أجل التفرغ للعبادة، وكثيراً ما تكون عنصراً رئيساً في تكوين شخصية الشاب المنحرف المزعج للمجتمع، وهذا يستوجب بالضرورة تهيئة الظروف التعليمية والاجتماعية والاقتصادية الملائمة لإشغال الشباب - بصورة دائمة - بالعمل الجاد المنتج الذي يدرُّ عليهم المال من جهة، ويحقق طموحاتهم وتطلعاتهم من جهة أخرى، بحيث يشعر الشاب - من خلال العمل المنتج - بأهميته في المجتمع لكونه قد أصبح منتجاً، ويشعر أيضاً بقدرته - باعتباره بالغاً - على القيام بمسؤولياته تجاه ربه لكونه قد أصبح مكلفاً شرعاً، فلا يعيش حالة التناقض التي يحياها غالب الشباب المعاصر بين كونه مخاطباً بالوحي في الكتاب والسنة، ومسؤولاً عن جميع تصرفاته الاختيارية، وبين عزل المجتمع له لكونه قاصراً صغيراً قليل الخبرة .

5- تحطُّ أعباء الحياة المعاصرة ومتطلباتها المختلفة بثقلها على أفراد المجتمع، ولاسيما على الشباب الناشئ، المتطلع إلى العمل وتكوين الأسرة، فلا يجد الشاب من مدخوله الشهري المتوقَّع ما يكفيه وأسرته، مما قد يحدُّ من تطلعات الشباب، ويبدد آمالهم، حتى يعجز أحدهم - أمام هذه المتطلبات الكثير وضعف الدخل - عن القيام على أسرة.  وهذا الوضع الاقتصادي المحرج يتطلب من الدولة المسلمة إقامة العدل في وضع حدٍّ أدنى للأجور، بما لا يرهق أرباب الأعمال ولا يحرج الشباب، مع تقديم المعونات الثابتة: المالية والسكنية والعلاجية التي تعين الشباب الناشئ على القيام بأسرهم ضمن الحدِّ الأدنى- على الأقل- للحياة الإنسانية الكريمة .

6- يفرض العمل اليدوي ومهاراته المختلفة وجوده في أسواق العمل المهني القائمة، مما يتطلب خطة تعليمية شاملة تجمع للشباب بين التعليم المعرفي الكافي لمواصلة الدراسة عند الرغبة، وبين المهارات اليدوية الصالحة لدخول سوق العمل، دون فصل بينهما، على أن تتبنى الدولة - من خلال المؤسسات التعليمية- الإنفاق الكامل على نخبة من الشباب المتفوق وأسرهم لإكمال دراستهم نحو مراحل أعلى، مع فتح وسائل التعليم المختلفة بأنواعها المتعددة والمتطورة لباقي الشباب من غير النخبة؛ ليجمعوا بين مواصلة التعليم نحو مراحل متقدمة والعمل الاقتصادي المنتج.