الصفحة الرئيسة @ المقالات التربوية @ التربية الاقتصادية @ 3ـ إضاءات على طريق التنمية الاقتصادية


معلومات
تاريخ الإضافة: 24/8/1427
عدد القراء: 2054
خدمات
نسخة للطباعة     إرسال لصديق

تنطلق الأمم قاطبة في بناء خططها التنموية من أصول أساسية، وفلسفات فكرية، تستوحيها من ثقافاتها السائدة، وتراثها الموروث.  ولم تكن الأمة الإسلامية لتنفرد عن غيرها من الأمم؛ بحيث تكون خططها التنموية لنهضتها الاقتصادية خليطاً من أصول وفلسفات غيرها؛ فإن تراث الأمة في الوحيين
- الكتاب والسنة - وما نتج عنهما من ثروة علمية، وما يمكن أن يمدَّ الأمة مستقبلاً من حلول لمستجداتها التنموية: كفيلٌ -  بإذن الله تعالى- بإخراج الأمة المسلمة المعاصرة من أزماتها الاقتصادية، ومشكلاتها التنموية حين تعيد بناء منطلقات الأمة الأساسية للتنمية الاقتصادية على الأصول الإسلامية المستوحاة من الكتاب والسنة، وما أجمعت عليه الأمة، ويكون نهجها مع نماذج غيرها: حسن الانتقاء، والبحث عن الحكمة النافعة؛ فإن النظرية الاقتصادية في الإسلام لا تلغي غيرها، بل تستفيد منه بمالا يتعارض مع توجهها، وتضفي عليه الطابع الحضاري الإيماني.

وفيما يلي مجموعة من الإضاءات والتوجيهات في طريق التنمية الاقتصادية التي تنشدها الأمة، وذلك على النحو التالي:

1-الاقتصاد جزء أصيل من نظام الإسلام الشامل، وهو مقصد من مقاصد الشريعة الإسلامية التي شُرعت للمحافظة عليها، مما يوجب على منهج التربية اتخاذ التدابير اللازمة لبناء تربية اقتصادية للناشئ المسلم ليتعلم ويتربى على أصول الاقتصاد الإسلامي، وأهميته، وأهدافه، وضوابطه لينشأ من أول الأمر على فهم شامل لهذا الجانب المهم من حياة الأمة.

2-إن الغاية الكبرى والنهائية لكل جهود التنمية الاقتصادية لابد أن تصب جميعها في تحقيق العبودية الخالصة لله تعالى، مما يستلزم بالضرورة ربط جميع أعمال التنمية بهذه الغاية من جهة الأحكام الخمسة، بحيث تنسجم كل خطط التنمية - في جزئياتها وكلياتها- بهذه الغاية العظيمة.

3-يحتل الإنسان مكانة خاصة في العملية التنموية، فهو أداتها الأولى، وإلى سعادته تهدف التنمية، فهو المقصود بالتسخير الكوني، فلابد إذن أن تنضبط جهود التنمية بحاجات الإنسان، وما يحقق له السعادة والرفاهية، ويضمن له السلامة من التأثيرات السلبية المصاحبة لعملية التنمية، ولاسيما في هذا العصر الذي أهملت فيه حاجات الإنسان ضمن الرغبات الجشعة في تحقيق مزيد من الأرباح على حساب صحة الإنسان وكرامته.

4-رغم ما أحرزه النموذج الغربي المعاصر للتنمية من نجاحات اقتصادية، يبقى- مع ذلك- أنه ليس النموذج الوحيد المتفوق في ميدان التنمية, فقد شاركه التفوق نماذج أخرى اقتصادية كالنموذج الياباني والكوري ونحوهما، مما يوجب على الأمة في منهج تربيتها لإعداد الجيل أن لا تعتمد بصورة كلية على النموذج الغربي في خطط تنميتها، لاسيما وقد أثبت هذا النموذج إخفاقه في تحقيق سعادة الإنسان.

5-نماذج التنمية الاقتصادية ليست قواسم مشتركة بين الشعوب؛ لكونها -في الغالب- تنبثق من خصوصيات الأمم الثقافية والفلسفية، وتصوراتها عن الحياة والإنسان، وهذا يُوجب على منهج التربية التميز بالنموذج التنموي الإسلامي، والاعتزاز به، والعمل على تفعيله في واقع الحياة الإسلامية المعاصرة.

6-التفاعل بين الأمم والشعوب وتبادل الخبرات الاقتصادية أمر ليس بغريب ولا مستهجن على الأمة الإسلامية عبر تاريخها الطويل، وإنما الغريب والمرفوض هو الإعراض عن النموذج الإسلامي للتنمية، والاعتقاد بتخلفه،  والتوجه بالكلية نحو غيره من النماذج المعاصرة دون ضابط الاقتباس المتعلق باقتناص الحكمة ضمن مفهوم الإسلام، ومن هنا لابد من إعادة توضيح مفهوم الاقتباس في أذهان المسلمين، وضوابط الأخذ عن الآخرين في نظام الإسلام، بما يحقق الإبقاء على الشخصية الإسلامية، والمحافظة عليها من الذوبان في ثقافات الأمم الأخرى.

7-إن العطاء الرباني والمدد الإلهي للأمة المسلمة كفيل بأن يلهم الأمة- حين تلتزم بشريعته ظاهراً وباطناً- نماذج اقتصادية تنموية جديدة، تفوق النماذج المعاصرة؛ فإن العقل المسلم لن ينضب عن العطاء الفكري الناضج، حين يُفعَّل التفعيل الجيد، ويُربَّى التربية العقلية الصالحة، وهذا يتطلب إعادة النظر في واقع الأمة المسلمة بما يكفل إعادة بناء نظامها - في جميع جوانبه - على منهج الإسلام، والسعي الجاد في بناء شخصية المسلم بناءً إسلامياً متكاملاً، يدفعه نحو العطاء الخالص لنهضة الأمة، وبناء اقتصادها، بما يحقق لها الاكتفاء الذاتي، والاستغناء عن غيرها.

8-تكاد تجمع الدراسات الاقتصادية المنطلقة من النظرة الإسلامية للأزمة الاقتصادية المعاصرة على أن الأمة اليوم تحوز جميع الإمكانات والقدرات المتنوعة والمختلفة لقيام نهضة اقتصادية متكاملة تستغني بها عن غيرها، بل وتنافسه وتتفوق عليه، وهذا مشروط بوحدة الأمة اقتصادياً وسياسياً، وقيامها بدينها، في حين لا يمكن لأيِّ دولة مسلمة - مهما كانت متفوقة- أن تحقق لنفسها- دون باقي الدول الإسلامية- الاكتفاء الذاتي، وهذا يتطلب بالضرورة العمل على تربية الأجيال المسلمة على  مفهوم الوحدة الإسلامية، والسعي الجاد للتقارب بين الشعوب الإسلامية- سياسياً واقتصادياً- كخطوة نحو طريق الوحدة الشاملة، والكف عن كل ما من شأنه إضعاف هذه الوحدة، أو التوهين من شأنها، باعتبار أن الوحدة خيار الأمة الوحيد نحو النهضة المطلوبة بكل أبعادها.

9-الإنسان هو محور العملية التنموية الاقتصادية، وعليه يقوم مدار النهضة، فلابد من تربيته تربية إسلامية سليمة، تجعل منه إنساناً صالحاً منتجاً يحترم العمل، ويحسن الاستهلاك، ويستغل وقته كأفضل ما يكون.